لماذا تحارب أمريكا داعش؟

لماذا تحارب أمريكا داعش؟
كتب المعلق والمحلل السياسي الأمريكي الشهير توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز منذ أيام  مقالاً مهماً جدّاً كما هي العادة يستغرب فيه أو يتساءل فيه بالأحرى عن أسباب قيام أمريكا ترامب بمحاربة داعش تحديداً في سورية، هو يعتقد أن الرئيس ترامب القادر على مفاجاة المراقبين والمتابعين مرشح لتبني مقاربة مختلفة عن تلك التي تبناها الرئيس المنصرف أوباما. 

فريدمان شرح فكرته ببساطة ووضوح وفحواها أن تنظيم داعش يقاتل تحالف روسي إيران وبقايا عصابة الدولة المتوحشة لبشار الاسد التي ارتكبت الجرائم وما زالت والتى تقتل المدنيين العزل وحتى الأطفال بالسلاح الكيميائي، و بالتالي لا مصلحة واضحة وراسخة لأمريكا في قتال التنظيم، إلا ضمن استراتيجية مختلفة تتضمن استنزاف بشار الاسد وداعميه وانتزاع تنازلات سياسية من روسيا  تحديدا تتعلق طبعاً بالحلّ السياسي، ومصير بقايا النظام العصابة في الشام.

في الحقيقة فإن أفكارا مشابهة طرحها منذ فترة طويلة - وما زال يطرحها في الحقيقة - السيناتور الجريء الملمّ والخبير فعلاً بشؤون المنطقة الجنرال جون ماكين بصحبة زميلة السناتور ليندسى غراهام، الذي استجوب فى الكونغرس منذ عام ونصف تقريبا-الثلاثاء 27 تشرين اول اكتوبر 2015- فى الكونغرس  وزير الدفاع انذاك اشتون كارتر ورئيس اركانه الجنرال جوزيف دانفور كاشفاً وفاضحاً السياسة البائسة المدمرة لإدارة اللئيم المنصرف والبارد باراك أوباما. غراهام  استغرب أجوبة وزير الدفاع و الجنرال البارز عن التركيز على قتال داعش، عدم قتال بشار الأسد، عدم الاستعانة بقوات وثوار سوريين، إلا من يقبل منهم التركيز على قتال داعش حصراً. 

غراهام لخّص النقاش آنذاك وببراعة وخبرة مستنتجاً أن السياسة الأمريكية تصب في مصلحة بشار الأسد وحلفائه، عندما تقاتل أعداءه وترفض دعم ومساندة من يقاتله، فعلاً من المعارضة المعتدلة.

جون ماكين من جهته لم يتوقف عن طرح أفكار مشابهة عن السياسة البائسة الفاشلة والكارثية لاوباما، وهو  منذ فترة بسيطة وبخ رئيس الأركان نفسه وبلجهة دبلوماسية هادئة، كونه لم يفهم السياسة التركية ومدى إصرار وحزم الرئيس التركى رجب طيب أردوغان  فيما يتعلق بالتعامل مع بى كاكا السوري والاعتماد عليه فى مواجهة تنظيم داعش، مع تبنيه أي ماكين المتواصل طبعاً لضرورة إقامة المنطقة الآمنة فى سورية ودعم  الثوار السوريين، وانتقاده التركيز على قتال داعش حصراً ، وتجاهل بل القبول الامريكي الرسمي زمن ادارة اوباما ببقاء نظام-بقايا- بشار الاسد.

ما طرحه فريدمان صحيح ومحق تماماً، ورغم انتقاد ماكين -غراهام الهادىء والدبلوماسي للسياسة الأمريكية سابقاً، إلا أنهما لم يشرحا أو لم يسترسلا كما فريدمان نفسه  فى توضيح السياسة المدمرة والمقاربة الكارثية لباراك أوباما، ومسؤوليته المباشرة عن جرائم عصابة المسلخ البشري، كما عن التغول الإيراني، ودعم طهران وحشودها الطائفية المباشر لبشار الصغير في جرائمه ضد الشعب السوري، وبالتالى بالمسؤولية المباشرة عن ظهور داعش وتقوية التنظيم في سياق الخيار الإجرامي الكارثي، متمثلا بمعادلة الأسد أو داعش التي جاءت كتطور طبيعي دموي إجرامي لمعادلة الأسد أو نحرق سورية، علماً أن تقوية داعش وتسليمها المقدرات والأراضي والسلاح فى العراق ، كان جزءاً من معادلة الحشد الشعبي الايراني الأسد أو نحرق والمنطقة والتي هي إجرامية بامتياز أيضاً.

منذ العام 2013 وقبل إقامة داعش دولته بشهور طويلة قبل الرئيس باراك اوباما ببقاء  بقايا نظام بشار الاسد ، هو رفض الرد على تخطى الاسد الاجرامى لخطه بل خطوطه الاحمر المتعلقة باستخدام السلاك الكيميائى وقبل الصفقة الشهيرة فى أب أغسطس من العام نفسه التى استبطنت القرار ببقاء النظام والسماح له باستخدام بقية اسلحة القتل والتدمير وحتى الكيماوى نفسه ولكن على فترات متباعدة وبجرعات خفيفة دون أن يحرك اوباما ساكناً، وكما كشف الرئيس الايراني السابق أبو الحسن بن صدر منذ أيام فقد ربطت طهران مواصلتها للمحادثات النووية بعدم توجيه أى ضربة لنظام الاسد والتغاضى بالتالى عن جرائمه وهو ما كان أفصح عنه اوباما علناً فى سجاله الشهير والفاضح مع وزير دفاعه المستقيل تشاك هيغل فى العام الذى يليه 2014.

عندما أمرت طهران  أداتها نورى المالكى بتسليم الموصل جهاراً نهاراً لتنظيم داعش وتميكنه من التوسع واقامة دولته،  شكل اوباما التحالف الدولى لقتال التنظيم لاخفاءعقم وفشل سياسته فى العراق سورية والمنطقة وهو كان  يعى أن هذا سيمكن ايران من السيطرة أكثر والحكومة الأدادة فى المنطقة الخضراء ببغداد وسيصب كذلك فى مصلحة بشار الاسد ، خاصة مع اشتراط ادارة اوباما على الثوار السوريين التعهد بعدم قتال الاسد وقتال داعش حصرا لتلقى الدعم الامريكى ودعم التحالف كذلك،  وهو ما فضحه السناتور غراهام فى سجاله السابق الذكر مع كارتر ورئيس أركانه والوصول الى خلاصة  مفادها أن  سياسة اوباما تصب عمداً فى مصلحة الاسد  وحلفائه عبر قتال  أحد أعدائه-على فرض أن داعش كذلك- ومنع أعدائه الحقيقيين من قتاله واستنزافه.

قصة الاستعانة بتنظيم بى كا كا السورى تفضح كذلك القصة كلها ، فقد جرى الاستعانة بإرهابيين لقتال إرهابيين آخرين ، وأمريكا تعرف طبعاً ما كشفت عنه وكالة اكى الايطالية نهاية  شهر مارس اذار وكانت السلطات التركية قدمته مباشرة للادارة الامريكية،  ومفاده أن قادة بى كا كا السورى هم مسؤولون سابقون فى  تنظيم بى كاكا التركى الذى تعتبره واشنطن نفسها تنظيما ارهابيا،  نزلوا مباشرة من معقله فى جبال قنديل  وهم متماهون سراً وعلانية مع بقايا نظام الاسد،  وأقاموا كياناً او سلطة شبيهة بعصابة الاسد فى المناطق التى سيطروا عليها ،  بما فى ذلك تنفيذ التطهير العرقى تحت سمع وبصر القوات الامريكية طبعاً .

 للأمانة وللدقة كذلك فإن جوهر ما طرحه فريدمان وما طرحه ويطرحه ماكين وزميله غراهام ، طرحته تركيا منذ فترة طويلة ومنذ بداية الثورة و تحديداً منذ اتباع  بشار الكيماوى الخيار الأمنى الدموى الاجرامى فى مواجهة الشعب السورى ، تركيا طرحت فكرة المناطق الامنة منذ فترة طويلة التى رفضها اوباما كونه عرف مغزاها وهو كذب عندما قال انها اقتضت وجود جنود امريكيين على الأرض ، وبعد ظهور داعش رفضت أنقرة بداية قتال التنظيم فى سورية الا ضمن استراتيجية واضحة صلبة متماسكة.

وتتضمن عدم الاستعانة بارهابيين والاعتماد على الثوار والمعارضة السورية المسلحة و عدم استفادة الاسد من قتال التنظيم والتنسيق حصراً مع من هو مستعد لقتال الارهابيين كلهم أى داعش والأسد مع العمل على اصلاح السياسة الإقصائية الطائفية لحكومة المنطقة الخضراء فى بغداد  والتصدى وعدم مهادنة أو مسايرة السياسة الايرانية الطائفية التوسعية فى سورية والعراق على حد سواء.

تركيا طبقت قناعاتها بمعزل عن واشنطن فى عملية درع الفرات،  وحدث الأمر بعد التخلص من القيود الداخلية للوبي الأمريكي فى الجيش التركي،  ورغم التواطؤ بين اعداء الشعب السوري جميعاً فى مدينة منبج الا أن العملية حققت اهدافها الرئيسية  لجهة طرد داعش ومنعه من تهديد الحدود والاراضى التركية ، منع التنظيم الارهابى الاخر أى بى كا كا السورى من اقامة كيانه القمعى الاستبدادى المتصل،  ومنعه فى السياق من مواصلة التطهير العرقى والاهم اعادة تعويم وتقوية الجيش السورى الحر وايجاد نموذج  ناسب وواقعى للتمدد والانتشار على مناطق أخرى فى سورية بما فيها  مدينة الرقة طبعاً.

 توماس فريدمان ليس كاتبا هامشيا فى امريكا والعالم ، وهو عوضاً عن قدراته الشخصية، يعبر عن مزاج سياسي موجود أصلاً فى الكونغرس والساحة السياسية والحزبية في واشنطن، وينبغى تلقف ما كتبه والبناء عليه ، ليس لعدم قتال داعش واستنزاف موسكو طهران وعصاباتهم، وانما لفعل ذلك بشكل صحيح،  وعدم اعتبار التنظيم الخطر المركزى على الامن والاستقرار فى سورية ، والتركيز على أصل المرض أى عصابة المسلخ البشري، كون ازالتها وهزيمتها يمثل الخطوة الاولى الضرورية والتى لا غنى عنها لهزيمة داعش الجغرافية الاقليمية والأقل خطورة من داعش الفكرية العالمية وفق توصيف فريدمان الدقيق.

ولا يمكن طبعاً انجاز ذلك بمعزل عن الجيش السورى الحر والتعاون مع قوى اقليمية مركزية مثل اسطنبول والرياض معنية  فعلا بهزيمة الأسد وكسر المشروع الامبراطوري الفارسي التوسعي الدموي الذي بات الأسد على ضعفه وعزلته عنصر اساسي ومركزي فيه.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات