تيلرسون في موسكو : المهمة ال " لا " مستحيلة

تيلرسون في موسكو : المهمة ال " لا " مستحيلة
مهمة وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون خلال زيارته للعاصمة الروسية  ازدادت صعوبة وتعقيدا بعد التطورات العسكرية والسياسية الساخنة التي شهدتها الساحة السورية في الاسبوع المنصرم . جدول اعمال اللقاء المتفق عليه بين تيلرسون ونظيره الروسي سرغي لافروف قبل اسابيع تغير تماما ومضى عليه الزمن وهو 7 ايام كاملة من التطورات العسكرية والسياسية في الملف السوري الموضوع الرئيسي من المباحثات .

حركة التنقل الاميركي الروسي تركزت على خط خان شيخون – الشعيرات مرورا بكواليس مجلس الامن الدولي لتتوقف عند محطة موسكو التي ستشهد نقاشات و قراءات ومواقف اميركية روسية غالبيتها جديدة محدثة مطورة في الطرح والتصور حيال مسار الازمة السورية وتشعباتها .

الزيارة قد تكون فرصة لاحراز بعض التقدم صوب التسويات والحلول في الملف السوري ، لكنها قد تكون مجرد لقاء يكرس تضارب مصالح واشنطن وموسكوفي سوريا و تبعدهما عن خيار صناعة الحلول لصالح خطوات التعقيد والتصعيد اكثر فاكثر .

الفرصة التي حصل عليها ترامب بعد امتطائه ظهر " توماهوك " لاختراق الحلف الروسي الايراني في الشعيرات يرافقها اليوم هذا الصمت والارتباك الروسي المذهل . ضربة الشعيرات هي للنظام السوري في العلن لكنها لروسيا وايران اصلا .

تيلرسون سيحاول ان يذكر الروس مرة اخرى انهم في الطريق الخاطىء عبر منظومة التحالفات الحالية التي بنوها في سوريا . وان ايران ودورها الاقليمي وسياستها السورية مرفوضة من قبل غالبية اللاعبين الاقليميين والدوليين وان النظام لم يعد بمقدوره الصمود حتى ولو كانت العكازات الروسية هي من تحاول ايقافه على قدميه . مستشار الامن القومي الاميركي ماكمستر يسأل موسكو عن اسباب مواصلة دعمها لنظام قاتل ويذكرها ان روسيا هي التي تتحمل المسؤولية الاكبر في القصف الاميركي للشعيرات فهي صعدت في مجلس الامن للزود عن بشار الاسد لكنها اخطات في الحسابات والتقدير حول احتمال الرد الاميركي العسكري السريع على تعطيل اي قرار يصدر عن مجلس الامن في نيويورك . وزير الخارجية الاميركي سيحاول اقناع الروس بقبول جلوس واشنطن في جنيف المقبل شرط ان تبدا موسكو نقاش المرحلة والسلطة الانتقالية في سوريا .

موسكو من ناحيتها تحاول تمرير رسائل تحذير قبيل قدوم الوزير الاميركي بينها ما ذكر حول تهديدات لاميركا من قبل ما سمي بغرفة العمليات المشتركة بأن الرد لن يتاخر هذه المرة في حال كررت واشنطن استهدافها للنظام السوري .

موسكو بين خيارين اليوم اما ان تدفع ثمن فشلها في الرد المباشر على الهجوم الاميركي في الشعيرات حيث خضعت للمطلب الاميركي وسحبت جنودها لتجنب الصواريخ الاميركية واما انها ستحاول الرد مصعدة لازالة رواسب فشلها في ادارة ازمة الشعيرات والانطباعات السيئة التي تركتها لدى حلفائها والمراهنين عليها في سوريا وايران ولبنان .

تيلرسون سيسعى لانتزاع المزيد من التنازلات الروسية تفتح الطريق امام واشنطن في سوريا ، لكنه سيحاول فعل ذلك عبر محاولة اقناع الروس ان الوقت حان لمشروع تفاهم اميركي روسي في سوريا في اطار الاولويات الاميركية الجديدة . الكر والفر الاميركي والروسي سيكون بعد الان خارج المحافل والقاعات الدولية ؟

اما ان موسكو نادمة كثيرا على طريقة تعاملها مع البلاغ الاميركي رقم واحد في الشعيرات واستجابتها للطلب الذي كانت قادرة على رفضه وعرقلته وهي قررت تصحيح الخطأ الذي ارتكبه  عبر رد ثلاثي حمل توقيع ما سمي  بمركز القيادة العسكرية المشتركة ، وتعليق مذكرة التفاهم الروسية الأميركية حول ضمان سلامة التحليقات في سماء سوريا ، و قرار تحريك السفينة " الاميرال غريغوروفيتش " المزودة بالصواريخ البعيدة المدى نحو البحر الابيض المتوسط واما انها تفعل كل ذلك لتحسين فرص التفاوض مع واشنطن قبل اعلان التفاهمات الكاملة حول الملف السوري ؟

الاتصال الهاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين كان لتعزية الاخير بضحايا الاهجوم الارهابي الذي الذي استهدف سانتبترسبرغ لكن المجزرة التي ارتكبت ضد المدنيين في خان شيخون كان لها المساحة الاكبر في الحديث . 

روسيا كانت قبل ايام تضغط على انقرة لقبول التحادث مع النظام فحركت واشنطن صواريخها لتقول للاتراك انها اخطات في التقدير وترتيب اولوياتها في سوريا ولقطع الطريق على اي تحول في الموقف التركي نحو بشار الاسد .

الرئيس التركي يقول اليوم أنّ بلاده لديها تسجيلات رادار تُظهر المقاتلات التي قامت بقصف بلدة خان شيخون في ريف محافظة إدلب السورية، بالأسلحة الكيميائية. هو تبادل المعلومات حتما مع واشنطن واطلع بوتين عليها دون شك .

وزير الخارجية التركي مولود شاووش اوغلو الذي رحب بالموقف الاميركي الجديد حيال الازمة السورية  عاد وقال نريد ان نرى الترجمة العملية لهذه المواقف وليس كلاميا فقط .

 انقرة تحاول ان تحمي مواقعها الحالية ومنظومة العلاقات التي بنتها مع موسكو في الاشهر الاخيرة والتنسيق في لقاءات جنيف والاستانة رغم انها لم تحقق اي شيء يذكر على الارض لكنها جاهزة للانفتاح والتنسيق السريع مع واشنطن اذا ما شعرت ان الاخيرة جادة في قراراتها ومواقفها هذه المرة حيال النظام السوري . مساومات تركية اميركية ستتم بعد الخروج من استفتاء التعديلات الدستورية وحصول الرئيس التركي على المزيد من الدعم والتاييد الشعبي الذي سيطلق يده سياسيا ودستوريا اكثر فأكثر .

من المبكر جدا القول ان ترامب اطلق عملية التغيير الشامل في سياسة اميركا السورية لكنه يشعر بخيبة الامل الدولية حيال سياسة بلاده مع حكومة اوباما السابقة التي لم تحرك ساكنا مما دفع موسكو وطهران لتحصين النظام السوري اكثر فأكثر ولقلب موازين القوى العسكرية على الارض لصالحهما في اكثر من مكان .

حقيقة لا يمكن اغفالها بعد الان ان روسيا الدولة الضامنة للنظام في سوريا لم تمنعه من استخدام السلاح الكيماوي وارتكاب المجازر ضد المدنيين وهي تعرف ان ذلك اكثر من مسألة خرق لتفاهمات وقف النار الشامل ، فهل تتوقع من المعارضة السورية ان تحاورها وتصغي اليها كما كانت الحال قبل ارتكاب مجزرة خان شيخون وهجوم الشعيرات ؟

لقاء موسكو قد يعلن ولادة التفاهمات الكبرى حول سوريا او يثبت معادلة ان الشعيرات تحول الى شعرة معاوية التي انقطعت بين موسكو وواشنطن وان الرسائل سيتم تبادلها في الساحات والميادين بعد الان .

*اكاديمي وكاتب تركي

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات