ماذا وراء صراع "الإيفيت" و"الهايير" وما أثره على مستقبل تركيا؟

ماذا وراء صراع "الإيفيت" و"الهايير" وما أثره على مستقبل تركيا؟
مع اقتراب يوم الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، الأحد 16 نيسان 2017، تزداد حدة الحملات الترويجية بين المعارضين والمؤيدين لهذه التعديلات التي، في حال إقرارها، ستحول نظام الحكم في تركيا للنظام الرئاسي، ووسط تشجيع ووعود أصحاب المشروع بمستقبل مستقر وأفضل لتركيا، وتحذيرات من الاستبداد والديكتاتورية من الطرف الآخر يبقى المواطن التركي هو صاحب الكلمة الفصل في تحديد صورة تركيا المستقبلية.

لماذا يعتبر يوم الاستفتاء مفصلياً في تاريخ تركيا الحديث؟

أعلنت الجمهورية التركية في 1923 على يد "كمال أتاتورك" وعرفت تركيا منذ ذلك الوقت عدة انقلابات عسكرية كان آخرها المحاولة الفاشلة في شهر تموز العام الماضي 2016، وكان الجيش في معظم هذه الانقلابات يستفيد من حالة الفوضى الحكومية وتنافس الأحزاب.

ينص النظام البرلماني على ضرورة تحقيق الحزب للأغلبية حتى يحق له تشكيل الحكومية وبحال عدم توفر الأغلبية لأحد الأحزاب تعمد الأحزاب إلى تشكيل الإئتلافات فيما بينها للحصول على الأغلبية المطلوبة ووبحسب التجربة التاريخية كانت الحكومات الإئتلافية عاجزة بسبب التنافس بين الأحزاب.

وتأتي التعديلات الدستورية المطروحة لتشكل انعطافة كبيرة في شكل نظام الحكم وعلاقة الأحزاب ببعضها وبالمؤسسات، وينطلق حزب العدالة والتنمية في طرحه من التجارب السابقة للحكومات الإئتلافية ليقول إن النظام الرئاسي سيؤدي إلى استقرار البلاد وسمنع التنافس الحزبي من تعطيل عمل مؤسسات الدولة كما سيقلل من سيطرة الجيش على الساسة وتدخله في الحياة العامة.

لماذا يصعب التنبؤ بنتيجة الإستفتاء؟

تحوز التعديلات الدستورية على دعم حزب العدالة والتنمية الحاكم، صاحب المشروع، وحزب "الحكة القومية" المعارض للحزب الحاكم لكنه عبر عن تأييده لهذه التعديلات بينما يقف على الطرف الرافض لها حزب الشعب الجمهوري بشكل أساسي وحزب الشعوب الديمقراطية الذي يرى مراقبون أن أنصاره لن يلتزمو بموقف الحزب وسيؤيدون التعديلات.

وبالرغم من أن الحزبين المؤيدين للتعديلات يحوزان على أكثر من 60% من مقاعد البرلمان فإن نسبة هذا االتمثيل لا تعني أنهم قادرون على الفوز بها في الاقتراع المباشر على الاستفتاء حيث تظهر استطلاعات الرأي أن نسب التأييد والرفض تتغير باستمرار، ويعزو مراقبون ذلك إلى عدم اقتناع أنصار الحزبين بالاستفتاء وخوفهم من مآلات تغيير نظام الحكم بالرغم من تأييدهم لأحزابهم في الانتخابات البرلمانية.

وتشكو استطلاعات الرأي في تركيا من تأثرها بالتوجهات السياسية للقائمين علها وبذلك تنقسم هذه الاستطلاعات بين الحكومة والمعارضة ويصعب الوصول إلى نتيجة موحدة ولكن بشكل عام ومن خلال تقاطع مختلف نتائج الاستطلاعات تتقارب نسب الـ "نعم" والـ"لا"، حيث تقول مؤسسة " A&G" القريبة من الحكومة أن نسبة من سيصوت بـ"نعم" تبلغ 53% أما مؤسسة "Sonar" القريبة للمعارضة فتقول أن نسبة من سيصوت بـ "لا" تبلغ 51%.

https://orient-news.net/news_images/17_4/1491908611.jpg'>

ما بين "نعم" و"لا"؟

ينقسم الشارع التركي بين تيارين بالنسبة للموقف من الاستفتاء ويرى المراقبون أن شعبية الرئيس التركي "أردوغان" سيكون لها تاثير في التيار الداعم لهذه التعديلات بينما يقوم الطرف المقابل بطرح سؤال على الأتراك ماذا لو جاء رئيس آخر غير أردوغان؟.

ويقول مؤيدو التعديلات أنها ستؤدي إلى تحقيق الاستقرار السياسي في البلاد وتحييد الصراع الحزبي عن مؤسسات الدولة كما أنها ستحقق فوائد اقتصادية كبيرة وتستفيد حملة "نعم" من تاريخ الحكومات الإئتلافية وما سببته من عدم استقرار بالمقارنة مع حكومة الحزب الواحد.

https://orient-news.net/news_images/17_4/1491908531.jpg'>

على الطرف الآخر يطرح معارضو التعديلات أنها تمنح صلاحيات كبيرة لرئيس الجمهورية وتجعله فوق السلطة التشريعية وبالتالي فهي ستؤدي إلى نظام حكم ديكتاتوري بينما كان بالإمكان طرح التعديلات بصيغة أخرى تضمن سيادة القانون ومراقبة البرلمان لعمل الرئيس.

https://orient-news.net/news_images/17_4/1491908570.jpg'>

ما موقف الأتراك الأكراد من الاستفتاء؟

في ظل المشاكل التي يتعرض لها حزب الشعوب الديمقراطي وانشغاله ببيته الداخلي تبدو مساهمته في النقاش الدائر والحملات الانتخابية ضعيفاً بينما على الطرف الآخر يبدو حزب العدالة والتنمية ومن خلال تصريحات مسؤوليه مطمئناً إلى دعم الأتراك الأكراد للتعديلات الدستورية، ويستدل الباحثون من خلال مشاركة الأكراد في الانتخابات الأخيرة على أن نسبة تأييد الأتراك الأكراد للتعديلات سيكون لها تأثير في نتيجة الاستفتاء.

رحلة الدستور التركي وصولاً للتعديلات المطروحة

سبق للرئيسين التركيين "سليمان ديميريل" و" تورغوت أوزال" طرح قضية تغيير نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي في تركيا، وسبق لحزب العدالة والتنمية. 

وشكلت تركيا أول دستور لها في الدولة العثمانية في 1921، وما ميّز هذا الدستور عن غيره، هو طريقة تشكيله ومحتواه. إذ تم تشكيله ووضعه من قبل مجلس منتخب من قبل الشعب، وليس من قبل لجنة ثورية، أو هيئة مستقلة. 

وبعد تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، تم وضع دستور جديد عام 1924، ليتم بعدها وضع دستورين جديدين 1961 و 1982، حيث تم وضعهما خلال فترة حكم الجيش، ورغم التغييرات التي طرأت على دستور الـ82، والذي تشكل ليكون موافقاً للدستور الأوروبي، إلا أنه بقي بعيدا عن طموح وتوقعات الشعب التركي، ورغبته بمجتمع وحياة ديمقراطية.

ولطالما نادى السياسيون الأتراك بضرورة تعديل دستور 82 وذلك قبل انتخابات 1991، وفي عام 1995 اجتمعوا على مسألة التغيير وتمت المطابقة على 15 مادة من أصل 21، بعد عرضها على المجلس البرلماني. وتم تقديم أول مسودة دستور جديد في 2007، حيث قام الحزب الحاكم "العدالة و التنمية" بتعيين مجموعة من العلماء والأكادميين، لتغيير دستور الـ82 بما يتوافق مع المعايير الحقوقية والقانونية الدولية، لكن الانشقاقات السياسية والحزبية حالت دون ذلك.

https://orient-news.net/news_images/17_4/1491908708.jpg'>

هل من مخاطر على المجتمع التركي بسبب الانقسام الحاصل؟

تختلف الآراء حول حدة الانقسام بين أبناء الشعب التركي وفي حين يرى البعض في هذا الانقسام نذير خطر على تركيا والسلام المجتمعي فيها يرى آخرون أن هذا الاستقطاب وحدة الحملات الإعلامية هو أمر طبيعي في بلد ديمقراطي وأن مخاض التغيير الدستوري ليس وليد اللحظة بل هو موجود في المفكرة السياسية التركية منذ تسعينيات القرن الماضي على الأقل وبالتالي فالمشهد الحالي هو حالة صحية تدل على نشاط وحيوية المجتمع كما يلفت المراقبون إلى طريقة تعامل الأحزاب السياسية مع المشكلة التي حصلت مع أورروبا حيث توحد مواقفهم على التنديد بما اعتبروه اهانة لتركيا بالرغم من التنافس الحاصل فيما بينهم على خلفية التعديلات.

لا شك أن يوم الأحد القادم سيكون طويلا وشاقا فهو يمثل امتحانا جديا للرئيس التركي أردوغان وحزبه كما أن يمثل رهاناً كبيراً لهما حيث أن خسارتهم في الاستفتاء ستدفع الطرف المقابل إلى التشكيك بشعبيرة الحكومة وبالتالي ربما تذهب البلاد إلى انتخابات مبكرة ويرى مراقبون أن احتمال الانتخابات المبكرة في حالة خسارة العدالة والتنمية لمعركة الاستفتاء تبقى مطروحة بقوة لكنها ليست ملزمة بينما يرى آخرون أن معركة التغيير الدستوري ستبقى قائمة بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء فالأحزاب جميعها متفقة على ضرورته وإن اختلفت في شكله، وبين هذا وذاك يبقى المواطن التركي أمام استحقاق مهم يوم الأحد وتبقى الكلمة الفصل له إما "نعم" أو "لا".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات