مسؤوليات ميركل لعدم التصعيد مع تركيا

مسؤوليات ميركل لعدم التصعيد مع تركيا
أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يوم الخميس 23 آذار الجاري عن موقف إيجابي نحو العلاقات التركية الألمانية قائلة:" إن بلادها لا ترغب بتصعيد التوتر في العلاقات مع تركيا"، وذلك في أعقاب خلافات تركية ألمانية على خلفية منع ألمانيا لزيارة وزيرين تركيين هما وزير العدل والاقتصاد التركيين في بداية الشهر الجاري، وما تبع ذلك من تصريحات تركية مستنكرة لهذا الفعل الخاطىء سياسياً ودبلوماسياً، كان أشدها اتهام الرئيس التركي أردوغان بأن ألمان تمارس سلوكا نازيا نحو الأتراك والمسلمين، لأن تصرفها نحو الوزراء الأتراك غير قانوني ولا مبرر له، وكان يمكن تجاوز هذا الخطأ الألماني بسرعة بالاعتذار عن الخطأ، إلا أن الموقف السلبي للحكومة الألمانية لم يتوقف على عدم الاعتذار وإنما يتمادى بانتقاد الاجراءات التركية نحو الإنقلابيين الذين تم اعتقال معظمهم داخل تركيا وتقديمهم للقضاء التركي، فاعتبرت المستشارة الألمانية أن هذه الاعتقالات هي السبب الرئيسي للخلاف مع تركيا، بينما تعلم ميركل ان هؤلاء المعتقلون متهمون بعملية انقلاب عسكري دموي في تركيا بتاريخ 15 تموز 2016.

إن ما يؤكد عدم مصداقية ميركل بهذه الذريعة للخلاف مع تركيا هو ان كل المعتقلين مواطنون أتراك، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين، وسواء كانوا قضاة أو صحفيين أو أساتذة مدارس او جامعات او مدراء بنوك او مؤسسات ثقافية أو صناعية أو غيرها، وكانوا من الشرطة التركية أو الأجهزة الأمنية الأخرى، وأن غير الأتراك قد يعدون على أصابع اليد الواحدة، فتركيا ترى أنها تقوم بإجراء قانوني وسيادي لمحاكمة كل من توجه له شبهة التورط بالانقلاب العسكري الفاشل في تموز الماضي، سواء كان المتهم داخل تركيا أو خارجها، وبحكم ان تركيا دولة قانون فإن احداً من اولئك المتهمين لن يعاقب إلا بعد محاكمته محاكمة عادلة أولاً، بما فيهم من هاجموا مقر رئيس الجمهورية وقتلوا أفرادا من حرسه الشخصي، فلا يمكن الافراج عن متهم واحد إلا بقرار قضائي وليس سياسي، مهما بلغ عدد المعتقلين ونوعيتهم ووظيفتهم، فقد قتل الانقلابيون (248) مواطن تركي، وجرحوا الآلاف، وقصفوا البرلمان التركي وعددا من مقرات الدولة التركية الأمنية والمدنية، وهذه جرائم لا تتساهل بها أية دولة في العالم.

لذلك فإن الرغبة الألمانية بعدم التصعيد مع تركيا ينبغي أن تتفهم موقف الشعب التركي الذي قدم أبناءه وبناته شهداء وهم يقاومون الانقلاب الغاشم، وعدم الاكتفاء بالمطالبة بالافراج عن المعتقلين قبل محاكمتهم، لأن محاكمتهم حق الشعب التركي وليس موقفا خاصا بالحكومة التركية، ومن باب اولى أنه ليس موقفا خاصا بالحكومة الألمانية أو غيرها من الدول الأوربية والغربية، التي تتدخل بالشؤون التركية الداخلية دون وجه حق، وكان على المستشارة ميركل ان تعرف أن توصيف الرئيس التركي للإجراءات والمواقف الألمانية من منع الوزراء من دخول تركيا بالنازية أنه هو رد فعل على مواقف يرفضها الشعب التركي، وليس نابعا من موقف عدائي دون سبب، وكان عليها أن تسعى منذ البداية للاعتذار أولاً، ولطلب الحوار لإصلاح الأخطاء الألمانية، فهو السبيل الصحيح بحسب قولها مع التصريح السابق: "يمكن أن تحل المشاكل العالقة عبر الحوار، وفي بعض الأحيان الزمن كفيل بحلّها"، فالحوار والزمن كفيل بحلها ولكن بشرط بمعالجة الأخطاء وعدم تكرارها ولا تجاهلها.

إن تركيا لا تبدي مواقف أيديولوجية معادية لألمانيا ولا لغيرها من الدول الغربية والشرقية، ولكنها لا تسمح لأي دولة مهما كانت مكانتها الدولية أن تنظر إليها نظرة استكبار او تعال، فالشعب التركي مثله مثل باقي الشعوب الأوروبية من حقه أن يقرر مصيره، وان ينتخب الحكومة التي يريدها، وان يغير دستوره ونظامه السياسي بإرادته الحرة، وردود أفعال تركيا لم تظهر رغب بالتصعيد ولكن لم تسكت عن نقد الأخطاء الألمانية وغيرها، فعلى الحكومة الألمانية أن تتحمل مسؤولية الأخطاء التي ارتكبها المسؤولون الألمان، سواء باتخاذ قرارات المنع لزيارة الوزراء الأتراك، أو ما تقدمه الحكومة الألمانية من مساعدات للأحزاب الارهابية المعادية لتركيا، فالمشكلة ليست الموقف الألماني من التعديلات الدستورية والاستفتاء في تركيا فقط، وإنما كما قال الرئيس أردوغان:" يمنعون وزير عدلنا الذي سيذهب لإجراء محادثات رسمية ومخاطبة مواطنينا هناك، يمنعون وزير اقتصادنا من التحدث هناك، كما منعوني من التحدث عبر دائرة تلفزيونية مغلقة في لقاء جماهيري بألمانيا عبر قرار اتخذته المحكمة الدستورية في غضون ساعتين فقط بشكل لم يسبق له مثيل بالعالم"، وقال:" وبعكس ذلك فإن جميل بايك (قيادي في بي كا كا) يجري اتصالاته ويتحدث هناك، فيجب محاكمة أولئك على دعم وإيواء الإرهاب"، فالحكومة الألمانية تسمح لإرهابيي حزب العمال الكردستاني القيام بنشاطات سياسية، بالرغم من ان الحزب هو حزب إرهابي على القوائم الدولية بما فيها الأوروبية والألمانية.

إن شروط نجاح الحوار الألماني مع تركيا أن تقدم الحكومة الألمانية والمستشارة الألمانية نفسها ـ وهي التي تقترح الحوار ـ على تصحيح أخطاء سياستها الخارجية نحو الشعب التركي اولاً، وضد الرئاسة والحكومة التركية ثانياً، وتصحيح الاخطاء نحو الرئاسة والحكومة التركية قد يكفي فيه الاعتذار الرسمي المكتوب او الشفوي، والإعراب عن الرغبة بعدم التصعيد خطوة إيجابية في هذا الاتجاه، ولكن إنجاح الحوار مشروط أيضاً بعدم إيواء اعداء الشعب التركي في ألمانيا، وفي مقدمتهم أتباع فتح الله جولن، الذين اتخذوا من ألمانيا ملاذا آمنا لهم، سواء كانوا عسكريين او مدنيين، فمعظم العسكريين الأتراك الذين كانوا يعملون بصفة رسمية في مكاتب خلف الناتو في أوروبا طلبوا اللجوء السياسي إلى ألمانيا، وهذا تصرف غير قانوني، فلا يحق لألمانيا إيواء من ارتكب جرائم قتل بصفة مباشرة أو غير مباشرة في تركيا، وهؤلاء العسكريون الأتراك لن يعاقبوا قبل المحاكمة العادلة، وإثبات الأدلة ضدهم او نفيها، وقد عاد الكثيرون من الضباط والجنود إلى وظائفهم بعد اعتقالهم بعد الانقلاب الفاشل لعدم ثبوت تورطهم بالانقلاب، او ان دورهم لم يكن المشاركة في عملية الانقلاب، وإنما كانوا من ضحايا الانقلابيين فقط، فهذا شرط اول للشعب التركي.

والشرط الثاني للشعب التركي هو عدم تحويل ألمانيا إلى وكر للارهابيين الذين قتلوا عشرات الألوف من الشعب التركي في مشروعهم الانفصالي من أتباع وقادة حزب العمال الكردستاني، فإذا كان الموقف السياسي للحكومة الألمانية تأييد حق الأتراك بالانفصال وتقسيم تركيا، فهذا موقف عدائي ضد الشعب التركي، ولكن ما هو اكثر عداءاً ومرفوضاً من الشعب التركي هو أن تتورط المخابرات الألمانية والحكومة الألمانية بتقديم الدعم العسكري أو اللوجستي لهذه الأحزاب الارهابية التي تستهدف الشعب التركي، فهذا لا يدخل في باب الرأي السياسي وإنما الشراكة في الجريمة، فالشراكة بالتفجيرات التي تستهدف الاستقرار الأمني والسياسي في تركيا هي جرائم ضد الشعب التركي وحكومته، فلا يحق للقضاء الألماني إصدار تصاريح إقامة أو عمل أو السماح بأنشطة سياسية لحزب العمال الكردستاني في المانيا وهو يعلن تبنيه للأعمال الإرهابية داخل تركيا، وذلك بغض النظر عن الاسم الذي يتستر به الحزب، سواء جمعية اجتماعية مدنية او غيرها، فالمستشارة ميركل تعلم أن تركيا تطالب بوقف نشاطهم الإجرامي ضد الشعب التركي، وتطالب بتسليم كل المتهمين منهم بعمليات إرهابية وتفجيرات قاتلة، وإلا فإن من حق الشعب التركي مطالبة حكومته المعاملة بالمثل سواء بالتصريحات السياسية أو المواقف العدائية.  

إن جهود المعالجة ينبغي أن تعالج العقلية العنصرية لدى بعض الألمان والأوروبيين، بغض النظر عن نسبتهم، فلا بد من وضع حد لهذه الانتهاكات التي تنتهك القانون الأوروبي والدولي، بما فيها انتهاك وسائل الاعلام الألمانية لحقوق الشعب التركي، فالشعب التركي لا يرضيه انحياز وسائل الاعلام الألمانية لشرذمة من الانقلابيين والمطالبة بحقوقهم، ولا إيواء أحزاب إرهابية تنفذ عمليات إرهابية داخل تركيا، فلا يكفي إدراج الاتحاد الأوروبي منظمة "بي كا كا" الإرهابية على لائحة الإرهاب، بينما المنظمة تواصل أنشطتها في معظم الدول الأوروبية بصفة منظمة مجتمع مدني، إضافة إلى الدعم المباشر والصريح الذي تقدمه العديد من الدول الإرهابية لمنظمة "ب ي د" الذراع السوري لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية، فإيواء بعض عناصرهم السياسيين في ألمانيا واوروبا شيء، وتقديم الدعم السياسي والمالي واللوجستي لهم شيء آخر ، فمنظمة "الهلال الأحمر الكردي" في ألمانيا هي المؤسسة الأبرز التي تقدم التمويل الأكبر لحزب العمال الكردستاني في العالم، حيث يصل المبلغ الذي يجنيه الإرهابيون سنوياً تحت مسمى " التبرعات" إلى أكثر من 30 مليون يورو، وللمنظمة عدة منظمات فرعية صغيرة تتخذها ستاراً لممارسة أنشطتها الإرهابية، ويصل عددها إلى 500 منظمة 200 منها في ألمانيا.

فإن كانت المستشارة ميركل صادقة بعدم التصعيد مع تركيا فإنها مطالبة بعدم العمل سرا أو علنا ضد مصالح الشعب والدولة التركية، سواء داخل تركيا أو في اوروبا وخارجها، فمحور الصراع الألماني ضد تركيا هو خوف ألمانيا من المنافسة الاقتصادية التركية الصاعدة، ولذا كانت ألمانيا أكثر دولة أوروبية رافضة لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، كما لا يحق لألمانيا أن تقف ضد تحالفات تركيا مع الدول الأخرى، سواء كان التحالف مع أمريكا أو روسيا، فالثقل السياسي الدولي الذي تسعى له تركيا هو حقها الطبيعي، ولا تملك ألمانيا ولا غيرها وضع وصاية على السياسة الخارجية لتركيا، فالسياسة الخارجية التركية تقررها الحكومة التركية بما يخدم مصالح شعبها أولاً وأخيرا.

التعليقات (1)

    حسن

    ·منذ 7 سنوات 3 أسابيع
    الان فقط اكتشفت الحقيقة وهو استخدام تركيا للسوريين كورقة ضغط على اوربا اليس عيبا لم نعد نفهم هل تحول الاسلام في عقول القادة الاتراك الى سياسة اليس من الواقعية لمن يتحدث بالخطاب الديني ان تكون سياسته انسانية اقصد دينية ٠٠٠عصر الفتن هذا بجدارة انظرو لتركيا وايران ولشلال الدم كي تفهمو الشيعة والسنة ٠٠٠ ابتعدو عن الله كفاكم نفاقا يا احفاد اتاتورك واللعب بمصير اللاجئين لاغراض مصالحك والاختباء وراء ما تسمونه بطموحات الاكراد في سورية لتبيعو كل القيم٠٠من حلب وانتهاء ب٠٠٠ الله اعلم
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات