معركة دمشق وسلال دي ميستورا

معركة دمشق وسلال دي ميستورا

منذ اتفاق حلب وهناك صورة معينة ارتسمت عن المعارضة ،صورة يجري ترسيخها من قبل الروس مع صمت متواطئ من الجميع، صورة المعارضة الضعيفة والتي تقبل بأي حلول تفرض عليها، خصوصاً بعد تفاهمات أستانا بين تركيا وكل من روسيا وإيران، هذا التفاهم الهش بين الدول الثلاث في طريقه للانهيار، سينتهي هذا التفاهم بسبب تضارب المصالح بين الطرفين(تركيا طرف مقابل روسيا وإيران) وبين طرفيّ الحلف الواحد(روسيا وإيران).

 

لكن المعارضة قلبت التوقعات، ورفضت الذهاب لجولة ثالثة من مباحثات أستانا، على الرغم من ضغوطات كبيرة تعرضت لها، وغياب المعارضة أدى إلى فشل الجولة فشلاً ذريعاً، وأدرك رعاة الأستانا وخصوصاً روسيا عرّابة الاتفاق حجم المعارضة، وأن لديها الكثير من الأوراق والبدائل، تستطيع من خلالها تجاوز الضغوطات وخلط الأوراق من جديد.

وأهم ماتملكه المعارضة بطبيعة الحال، هو إعادة فتح الجبهات المتوقفة تقريباً منذ اتفاق الهدنة، الذي وقّع في أنقرة نهاية العام الماضي، الاتفاق الذي كان عملياً مطبق من طرف واحد، حيث لم تلتزم قوات ما تبقى من نظام الأسد الكيماوي ولا الميلشيات الإيرانية به، وجاءت عملية تهجير حي الوعر في حمص بمثابة القشة التي أنهت هذا الاتفاق.

وبناء على كل ماسبق جاءت معركة دمشق لتربك النظام وداعميه، خصوصاً الإيراني المستاء من حديث روسي خجول عن ضرورة خروج كل الميلشيات من سوريا، صحيح أن الروس غير جادين في هذا الطرح، ولايملكون أوراق كافية لتنفيذه منفردين، لكن مجرد خروج تصريحات عن خروج كل القوات الأجنبية من سوريا هو بمثابة مؤشر مهم على تباعد المواقف بين الحليفين.

 

ميدانياً، معركة دمشق محدودة ولها أهداف واضحة، وصل حي جوبر بحي القابون، لكسر الحصار والسيطرة على مدخل رئيسي من مداخل العاصمة، وتوجيه ضربة موجعة للأسد الكيماوي وداعميه، وتحقق للثوار ما أرادوه حتى اللحظة، لكن حتى لو لم يحافظوا على نقاطهم الجديدة وتم إعادة احتلالها من قبل الأسد والميلشيات الإيرانية، ستبقى المعركة علامة فارقة في مسيرة الصراع في الأشهر الأخيرة، فبعد معركة حلب وخسارة أهم معقل للثوار، سادت حالة من الإحباط لدى جمهور الثورة والمقاتلين على حد سواء، كسرت معركة درعا هذه الحالة بشكل جيد لتأتي معركة دمشق مع أهميتها العسكرية والرمزية لتقلب الطاولة وتعيد خلط الأوراق، وتجبر الجميع على إعادة حساباتهم من جديد.

 

ما حدث في دمشق ستستفيد منه المعارضة بشكل كبير في جولة-جولات جنيف القادمة، وستعيد المعارضة حضورها القوي بعد جولة جنيف الأخيرة والتي كان أداؤها فيها هزيلاً، حيث قدمت ما يشبه تنازلات مجانية لروسيا وبتواطئ من دي ميستورا وقاموا بالقبول بمشاركة منصات شكلية ضمن الوفد الأساسي(ما يسمى منصة موسكو بزعامة قدري جميل وما يسمى منصة القاهرة برئاسة جهاد مقدسي).

 دي ميستورا الذي سارع لحضور اجتماع الرياض الأخيرة، ويلتقي وفد الهيئة، بعد أن رفضت المعارضة الذهاب للأستانا، ربما لإقناعها بقبول تلك المنصات، ولشرح آلية تنفيذ سلاله الأربع التي كان قد اقترحها في نهاية الجولة الأخيرة، رفضت دمشق استقبال دي ميستورا في الأمس، في موقف يدل على ارتباك لدى الأسد وسيده الإيراني تجاه المواقف والمتغيرات الأخيرة.

المعارضة ليس لديها ما تخسره بعد كل الذي حدث، لذا هي اليوم في موقف جيد، قياساً لوضعها في نهاية العام الماضي، وأثبتت بتقويضها للأستانا الذي كان يراد له أن يكون بديلاً هزيلاً لجنيف أنها اذا أرادت استثمار كل أوراقها تستطيع إجبار الجميع على تغيير حساباتهم.. بما فيهم دي ميستورا وسلاله الأربع.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات