أوروبا خائفة من الحجاب

أوروبا خائفة من الحجاب
هل ستواجه أوروبا خوفها من "الإسلام المتشدد" ومن موجات المهاجرين واللاجئين المسلمين والعرب بشن حرب على المحجبات بمنعهن من الذهاب الى العمل. وهل منع الحجاب في العمل سيحل مشكلة الرهاب من المسلمين ويخفف من التشدد ويتيح المجال لتحرر النساء أم أنه سيقصي شريحة واسعة من سوق العمل. 

بغير تلك الأسئلة يصعب فهم قرار المحكمة الأوروبية العليا التي حكمت في قضيتين أحيلتا الى المحاكم البليجكية والفرنسية ومن ثم المحكمة الأوروبية لصالح أرباب العمل بمنع الموظفات من لبس الحجاب في العمل.

 المفارقة أنه جرى تبرير ذلك بأن منع الحجاب مبني على "منع عام للشعارات الدينية أو السياسية أو الفلسفية وأنه لا يشكل تمييزاً بحسب قوانين الاتحاد الأوروبي". حصل هذا الحكم فيما اللجوء والهجرة والاندماج قضايا تشغل القارة الأوروبية إلى حد الهوس.

في الحقيقة من المبكر معرفة أثر الحكم لكنه بالتأكيد سيزيد من صعوبة عيش النساء المسلمات في المجتمعات الاوروبية.  وهنا يعيدنا هذا الجدل الى هامش الفردية الذي تطرحه علينا قضية لباس المرأة. فحين نقول "حرية فردية" بشكل واثق وبإصرار بصفته أمر تقرره الواحدة منا نكون قد أغفلنا الكثير من العوامل التي تفرض رأيها ومنطقها في هذا الشأن "الفردي". فمن ينمي الفرد ويهيمن على ذوقه وسلوكه هو خليط من تربية ونظام وتاريخ وثقافة ودين، فمن تظهر بحجاب او برداء بحر تفعل ذلك تأثراً بمحيطها بالدرجة الأولى. صحيح أننا مع التجربة والخبرة نصبح أكثر تمسكا ربما بقناعات تخالف تماما قناعات المحيط والعائلة والمجتمع لكن السعي لنيل حرية الاختيار لا تتحقق بفرض هذا الخيار بل بالاقتناع به.

يكفل القانون الدولي لحقوق الإنسان حق كل فرد في حرية التعبير وهذه الحريات تمتد إلى مظهر المرء وما يختاره لنفسه من الثياب. فكما من غير المقبول إرغام النساء على ارتداء الحجاب أو النقاب فمن الخطأ أيضا منعهن من العمل بسببه. وبقدر ما تكون المعايير الاجتماعية أو الدينية التي تفرض قيوداً على لباس المرأة انعكاساً للتمييز ضدها، يقع على عاتق السلطات التزام إيجابي باتخاذ خطوات لمنع مثل هذا التمييز. غير أن تلك الخطوات يجب أن تتركز على معالجة التمييز ذاته وأسبابه الأساسية بمعنى مجابهة الخطاب الديني الذكوري وتفكيكه. 

هذا المسار لا يجوز أن يؤدي إلى فرض قيود على النساء وعلى حرية ممارستهن لحقهن في حرية التعبير. فالنساء اللاتي يعشن في مجتمعات مسلمة قد يواجهن أشكالاً متعددة من التمييز ضدهن، سواء من داخل مجتمعاتهن أم من خارجها، لذا فالرد على هذا التمييز وادعاء معالجته من خلال فرض إجراء ينطوي هو نفسه على التمييز، إنما يزيد من تعقيد الأمر ويرسخ الفكرة القائلة بجواز مشروعية التمييز. ومن خلال حظر الحجاب فان اوروبا تخاطر بمنع قسم كبير من النساء المسلمات من العمل. ليس في القول مبالغة فمن ترتدين الحجاب لوازع ايماني لن يخلعنه للذهاب الى العمل وليس هكذا تحصل الأمور..

كم تبدو الحياة ضيقة حين تضطر فتيات ونساء لخوض حرب يومية من أجل هذا اللباس أو غيره. وهنا يكون الضغط متنوعاً خصوصا مع طغيان سلطات أبوية واجتماعية ودينية في مجتمعاتنا ما يجعل الخيار الشخصي مسيجا بمخاوف ومحاذير قد تفرض على من تواجهها ردود أفعال عنيفة تبلغ احيانا حد الاقصاء من الاسرة والمجتمع. هذا هنا في المنطقة، فأي خيبة حين تتلقى النساء صفعة جديدة من أعلى محكمة اوروبية تفترض أنها تنتصر لحقوق النساء فيما هي تمارس نفس العقلية ضدهن.. 

التعليقات (1)

    محمد الحُصان: إبن الخلافه

    ·منذ 7 سنوات أسبوع
    القانون الدولي لحقوق الإنسان ليس للمسلمين, بل للغرب فقط.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات