الدب الروسي في الصحراء العربية

الدب الروسي في الصحراء العربية
حينما  قطع الرئيس المصري الراحل أنور السادات علاقات بلاده مع الاتحاد السوفييتي سنة 1981، كان يدرك تماماً وبدهائه السياسي أنه يقفز من الغصن السوفييتي المتساقط إلى الغصن الأميركي الناهض والمهتم بالمنطقة العربية والشرق الأوسط ، حيث كان السادات قبلها بسنوات قد قام بطرد حوالي 20 ألف خبير روسي ،كانوا ينتشرون على التراب المصري في كافة ناحي الدولة والجيش و الصناعات الحربية آنذاك ،وكان بطبيعة الحال يكمل انتفاضته السياسية على إرث الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر الذي فتح البلاد بالطول والعرض للسوفييت كمكافأة لهم على دعمه في بناء السد العالي الذي استنكف البنك الدولي عن تمويله لأسباب سياسية .

وكان من أهم سياسات السادات التحجيمية للدور السوفييتي في مصر إغلاقه القاعدة السوفييتية الشهيرة في مدينة سيدي براني الصغيرة شمال غرب مصر ،تلك القاعدة التي أنشأها السوفييت في الخمسينات بموافقة من الرئيس عبد الناصر، لمراقبة السفن الأطلسية والأميركية بالذات في البحر المتوسط، وكانت ذات دور مهم جداً في التنسيق العسكري الروسي في افريقيا، التي كانت تأتي في درجة ثانية وربما ثالثة في الاهتمام والدعم، فافريقيا كانت من حصة الغرب عموماً أو فرنسا والولايات المتحدة خصوصاً، وكان الدور الروسي في افريقيا يقتصر على تعاونها مع عدد من الأنظمة الافريقية التي تبنت الاشتراكية ومن ثم تخلت عنها، مثل الجزائر و ليبيا و اثيوبيا أو أنغولا، ولكن مصر عبد الناصر كانت تعتبر درة التعاون الروسي الافريقي، حتى وصول السادات وإعلانه انتهاء شهر العسل بين البلدين.

ومع مرور السنين وانهيار النظام المصري الحديدي المباركي ، عادت روسيا في عهد السيسي إلى تبني فكرة إعادة قاعدة سيدي براني الروسية في التراب الافريقي من جديد ، ولا سيما بعد نجاح تجربة اعادة وتوسيع القاعدة الروسية في حميميم في سوريا ،وضرورة وجود محط للسفن الروسية في افريقيا ،لدعم و صيانة الطرادات الروسية التي تحتاج دورياً إلى رعاية وعناية ،وبسبب الاهتمام الروسي الأخير بليبيا و وبالجنرال حفتر الذي استقبلته على متن حاملة الطائرات الوحيدة كوزينتسوف ،في إشارة مهمة لدور مستقبلي ،أو لتبني خاص لدوره في ليبيا المستقبل ، التي ترى روسيا أن الغرب عاث فيها  فساداً ، و أوصلها إلى ما وصلت إليه من خراب ،بينما تقوم الاستراتيجية الروسية على مبدأ :حكم الدكتاتور أفضل من الفوضى ،و من خلال عباءة الدكتاتور وضمان ثباتها على أكتافه تأتي المصالح الروسية في بناء القواعد وضمان عدم الابتعاد عن رائحة النفط ،ومنابعه ،في كل مكان فيه مصدر للطاقة ممن تتصارع عليه الدول ، ولكن الحلم الروسي القديم بوضع قدم الدب في المياه الدافئة ، فاق الحلم ، وأصبح خطراً حقيقياً حينما يطلب من الدب أن يضع قدمه في المياه المغلية أو المشي فوق الرمل الساخن حيث لم يسبق له الخوض.

يقول الطرفان بأن لا قاعدة عسكرية ستقوم في سيدي براني ، وإنما هي عملية إنزال لمعدات وآليات تخص المفاعل النووي في منطقة الضبعة التي تبعد أقل من ساعة من الميناء الساحلي الذي يفصل الحدود الليبية والمصرية في الصحراء الكبرى ، ذلك المفاعل النووي السلمي  الذي اتفق عليه الطرفان المصري والروسي في منتصف الثمانينات وأوقفا التعاون فيه خوفاً من عدم قدرة الطرفين على ضبط أمن وأمان المفاعل بعد الانتقادات الدولية لكارثة تشيرنوبل في أوكرانيا .

وعليه تبدو المنطقة في غرب مصر وشرق ليبيا ، منطقة استثمار روسي بامتياز فمن المحطة النووية في الضبعة ، و المنطقة السياحية في الواحات الغربية ، والهلال النفطي الموعود بعقود إعادة الاعمار بعد انتصار الجنرال حفتر واستعادته للهلال النفطي وتلزيم الآبار القديمة والجديدة لشركات روسية ، تبدو القاعدة العسكرية في منطقة سيدي براني ، ضرورة وليست ترفاً لوضع القدم في المياه الدافئة ، كما الحال في اللاذقية السورية ، حيث تقوم روسيا بالدفع من أجل النفوذ ، بل على العكس فمنطقة الغرب المصري والشرق الليبي ، ستجعل المال النفطي الليبي يتدفق في الجيوب الروسية ، وبعدها ستشكل القاعدتين الروسيتين في مصر وسوريا هلال عسكري بحد ذاته ، سيقلب الطاولة على الجميع و سيطوق أسطول الولايات المتحدة السادس في ايطاليا ، والأسطول البريطاني في قبرص ،وسيجعل الدب الروسي يخلع فراءه ويظهر أنيابه أمام الجميع معلناً نواياه الكولونيالية التوسعية أمام الجميع ،مرة وإلى الأبد ،بعيداً عن ديباجات الديبلوماسية الروسية في حقوق الشعوب وحريتها.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات