تركيا وألمانيا الأخوة الأعداء

تركيا وألمانيا الأخوة الأعداء

أبلغ وزير المالية الالمانية فولفجانج شويبله الجمهور الألماني والحكومتين التركية والألمانية بموقفه الحاسم جراء التجاذب العبثي الذي يصار إليه بين حكومتي البلدين ألمانيا وتركيا منذ عام تقريباً، فالرجل الذي يعتبر أحد أعمدة الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم في ألماني وأحد ثقاة الحكم بالنسبة للمستشارة أنغيلا ميركل، بأنه من العبث استمرار المهاترات الإعلامية والحرب الكلامية بين الدولتين اللتين تشتركان بمصالح تفوق أي خلاف ، قال الرجل ما قاله في أثناء مؤتمر انتخابي عقده في مدينة روستوك شمال البلاد.

وتعبر تصريحات الرجل عادة عن نبض السياسة الألمانية، وعن تفكير الدولة العميقة فيها، حيث أنه احتل مناصب عديدة وهامة في الحكومة الألمانية من مساعد للمستشار هلموت كول ومرشحه الرئيس لخلافته، قبل أن تقتحم الساحة المستشارة الحالية، إلى وزير للداخلية والمالية ،ويتناقل عنه خصومه أنه لولا شويبله لما تحققت الوحدة الألمانية سنة 1990.

وعليه فللرجل ما له من تأثير في السياسات والبروباغندا الألمانية بما يؤهل تصريحاته أن تكون لسان ضمير المصلحة الألمانية وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين تركيا وألمانيا، الحليفين الكبيرين في أوروبا، حيث تخطى التبادل التجاري بين البلدين عتبة الـ38 مليار دولار وتعد ويعد السوق الألماني هو الوجهة الأولى للصادرات التركية بينما ألمانيا في المرتبة الثالثة في التصدير لتركيا، سوقين كبيرين جداً واقتصادين متينين للغاية يطوقان أوروبا الغارقة في مشاكلها العرقية و الاقتصادية، بينما يحتفظ البلدين بعلاقات متميزة جداً مع كل من روسيا وأميركا على حد سواء، عضوان في الحلف الأطلسي، ولديهما طموحات كبيرة في ما يتعلق بالتأثير خارج محيطهما الجغرافي، ولذلك فكل من المستشارة ميركل والرئيس أردوغان يعرفان بالضبط كيف يفكر الآخر،ويدركان حجم المخاطرة في التورط بالعداء، ولكن لعبة شد الحبال بين البلدين امتدت منذ عام ونصف تقريباً وطالت أكثر من عشر جولات من الانتقاد الحاد المتبادل فألمانيا تنتقد على الدوام طريقة تعامل الأتراك مع الحريات الاعلامية و المظاهرات و الملفات الاقليمية.

بينما انتقدت حكومة أردوغان ألمانيا في أكثر من مناسبة حول مفاوضات الانضمام إلى لاتحاد الأوروبي، والتعديات الإعلامية على المسؤولين الأتراك ، والتدخلات الاوروبية في الشأن الداخلي التركي، فبرأي تركيا، ألمانيا هي أوروبا وهي العنصر المؤثر والفاعل الحقيقي في القرار الأوروبي، وبرأي ألمانيا فتركيا هي بوابة الشرق والحليف الأكثر مصداقية في تأمين الحدود الشرقية و قضايا الارهاب واللاجئين ، فبينما تعتبر الجالية التركية في ألمانيا أكبر جالية اسلامية في البلد وثاني أكبر جالية في عموم البلاد ، تعتبر تركيا الوجهة الأهم للسياحة الالمانية ،ولكن لم يأتي كل هذا التوتر في العلاقات طوال هذا العام وخصيصاً الآن ؟

في البند الأول تدرك ألمانيا خطورة ترك الحبل على الغارب للسلطان أردوغان المدجج بطموحات الحكم المنفرد واستعادة أمجاد الدولة القوية ، وتدرك أن حجم الناخبين الأتراك في ألمانيا كبير لدرجة تغري حزب  العدالة والتنمية لاستغلال الفضاء الألماني لتوجيه رسائل لأوروبا ،تلك الأخيرة التي لا تخفي قلقها من تمركز السلطة في تركيا في يد رجل واحد مما ينافي التوجهات التعددية للسلطة في أوروبا ، وبالتالي تحول تركيا إلى بارجة ضخمة يقودها رجل عنيد هو أردوغان لن يقف وجهه أحد سوى البلد الجرماني.

ولكن أوروبا في ذات الوقت لا ترغب في قطع علاقات الود تماماً مع الأتراك، فالدب الروسي ينتظر سحب ما تبقى من عباءة السلطان إليه ، وتوتير العلاقات مع الغرب بما يخدم الروس، مما يرعب ألمانيا بالتحديد التي اتخذت مواقف حادة وساندت عقوبات صارمة على روسيا فيما يخص تجاوزات أوكرانيا والقرم ،بينما يرعب التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية ، الأوروبيين ،ويجعلهم ينظرون إلى اليمين الأوروبي على أنه حليف لروسيا مما يشكل في حالة العداء مع تركيا جداراً من العزلة التي ستفرض على أوروبا من الشرق حيث الغاز والنفط وممراتهما.

ولكن ألمانيا لم ولن تدع الأتراك يتجاوزن حدود المسموح فيما يخص حقوق الانسان وحق التعبير و الاعلام ،مما سبب وسيسبب الكثير من الأخذ والرد والتجاذب الغير مفيد أحياناً والمؤذي للاقتصاد غالباً.

يعتقد شويبله أن تركيا هي الحليف الرئيس لألمانيا في الحرب الكونية الأولى، وأن رجالها هم من ساهموا في بناء ألمانيا ما بعد الحرب الثانية، ولكن لن نسمح لأردوغان بأن يتقدم أية خطوة إلى الأمام أو يتراجع خطوة واحدة إلى الخلف في العلاقة معها، هم يريدونها هكذا ،علاقة تتأرجح بين الأخوة وبين العداء.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات