هل خُدعت تركيا؟

هل خُدعت تركيا؟
يستمر رئيس الوزراء التركي "بن علي يلدرم" في إشعال وإشغال الشارع السوري بتصريحاته المفاجئة، حيث وبعد تأكيده وجود تفاهمات تركية – روسية منعت الاشتباك بين قوات النظام ودرع الفرات في محيط مدينة الباب، فجر مفاجئة جديدة من العيار الثقيل، عندما قال في تجمّع بمدينة سينوب الواقعة على البحر الأسود "لا ننظر إلى دخول الجيش السوري إلى منبج وخروج وحدات الحماية الكردية منها كتطور سلبي، فالأراضي السورية يجب أن تكون للسوريين"، يلدرم اعتبر أن مدينة منبج مفتاحية لحل الأزمة السورية. تصريح مفاجئ يخالف كافة التصريحات السابقة بما فيها تصريحات الرئيس التركي إردوغان، الذي توعد وحدات الحماية الكردية بعمل عسكري وشيك، مالم تنسحب من المدينة.

يستند المسؤولون الأتراك في حديثهم عن ضرورة إخلاء وحدات الحماية الكردية لمدينة منبج على وعود أمريكية سابقة، تقضي بانسحاب الوحدات إلى شرق نهر الفرات، وهو ما عبر عنه الوزير "يلدرم" حيث وفي تصريح لصحيفة "صباح" يوم الأحد الفائت: "هناك وعد أمريكي يقضي بانسحاب القوات الكردية إلى شرق الفرات، ولا زلنا ننتظر تنفيذ هذا الوعد". لعل هذا التصريح هو ما يفسر الإنعطافة التركية باتجاه مدينة الباب، وتأجيلها ملف منبج الذي بات يضع مصداقية الساسة الأتراك على المحك، ليس أمام السوريين وحسب، بل أمام الناخب التركي. 

وزير الدفاع التركي، "فكري إيشيق"، أيضاً طالب الولايات المتحدة الأمريكية، الالتزام بتعهداتها بانسحاب ميليشيا "وحدات الحماية" الكردية التي تقود ما يسمى "قوات سورية الديمقراطية" من المناطق الواقعة غرب نهر الفرات، وكان سبقه وزير الخارجية "مولود جاويش أوغلو" بالقول إن القوات التركية ستقصف ميليشيا "وحدات الحماية"، الذراع العسكري لمنظمة "بي كا كا" (حزب العمال الكردستاني) في سوريا، في حال لم تنسحب من مدينة منبج.

الإصرار التركي على انسحاب وحدات الحماية باتجاه غرب الفرات، قابله موقف أمريكي رمادي، فالقائد العسكري لقوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، الجنرال "ستيفن تاونسند"، أعلن نفيه العلم بدخول قوات تابعة للنظام السوري إلى مدينة منبج، وطالب الجميع بالتركيز على قتال تنظيم الدولة الإسلامية، تصريحات "تاونسند" ترافقت مع إرساله تعزيزات عسكرية إلى المدينة، وذلك في خطوة يمكن تفسيرها على أنها لقطع الطريق على تركيا وقوات درع الفرات، ومنعها من التقدم باتجاه المدينة. 

نفي "تاونسند" علمه دخول قوات نظام الأسد إلى منبج هي المرجحة، فمن دخل إلى منبج هي قوات أمريكية لا يتجاوز عددها المئة عنصر، أما رفع العلم الروسي من قبل عناصر ما يسمى المجلس العسكري لمنبج على بعض مباني المدينة فلا تعدوا عن كونها عملية خداع وتضليل، حتى الإعلان عن دخول قوات النظام إلى المدينة لازال غير مؤكد، فكل المعلومات تقول إنه تقدم فقط باتجاه القرى الواقعة على أطراف المدينة من جهة الغرب.

رئيس المديرية العامة للعمليات في هيئة الأركان الروسية، "سيرغي رودسكوي" كان أعلن الجمعة أنه وفقا للاتفاقات التي تم التوصل إليها بمساعدة قيادة القوات الروسية في سورية، فسيتم إدخال وحدات من قوات النظام السوري إعتباراً من يوم 3 مارس / آذار، إلى الأراضي التي تسيطر عليها وحدات الحماية الكردية، وهو ما يتوافق مع بيان ما يسمى المجلس العسكري لمدينة منبج والذي أعلن عن التوصل لتفاهم مع روسيا يقضي بدخول قوات روسية إلى المدينة، لكن يبقى من المبكر الحديث عن دخول قوات تابعة لنظام الأسد إلى المدينة، حيث من الواضح أن وحدات حماية الشعب الكردية تماطل كسباً للوقت، وذلك على أمل إحراج تركيا ووضعها في مواجهة كل من روسيا والولايات المتحدة، وحرمانها من السيطرة على المدينة، وكذلك أملاً في الحصول على ثمن مقابل الانسحاب.

تنطلق وحدات الحماية الكردية في مواقفها من جزئية العداء لتركيا، والصراع على النفوذ في شمال سورية، خاصة في ظل غياب أي دور فاعل للسوريين، حيث تسعى هذه الوحدات لضم أقصى ما يمكنها من الأرض السورية، وصولا لإعلان الكانتون الكردي "روج آڤا"، الذي تستميت تركيا في العمل على إحباطه، خاصة وأنه يهدد أمنها القومي، وهذا الصراع التركي – الكردي هو ما دفع تركيا باتجاه التماهي مع المعسكر الآخر والتنسيق معه، حتى وإن على حساب السوريين، فالمصالح الوطنية لأي دولة تبقى فوق كل اعتبار وهي الأهم.

يستمر الأكراد في استعداء العرب، وتضييع الوقت والفرص السانحة لإنجاز مصالحة وتقارب حقيقي معهم، فهدفهم إقامة دولة حتى وإن لم تمتلك أية مقومات، لذلك نجدهم منغلقين في وجه محيطهم العربي، بينما يقدمون أنفسهم أداة بيد أي جهة يعتقدون أن باستطاعتها مساعدتهم على تحقيق حلمهم المنشود، وهو ما جعلهم كرة يتقاذفها الجميع، بما فيهم نظام الأسد الذي ناصبوه العداء لعقود، لكنه اليوم بات صديقاً لهم ولا يشكل أي خطرٍ عليهم، إلا بمقدار ما يسمح له اللاعبون الكبار، وبالتالي فإن المصالح المرحلية لكلا الطرفين وضعتهما في خندق واحد معادي للعرب والأتراك في آن معاً.

لا شك أن تعقيدات الوضع القائم في سورية تحديداً دفعت كافة الأطراف ومن ضمنهم تركيا وبعض العرب لتغيير الكثير من مواقفهم وقناعاتهم، من هنا يمكننا فهم طبيعة الموقف التركي الجديد، الذي يَعتبر التخلص من خطر الإنفصاليين الكرد أولوية، حتى وإن أثر على منظومة علاقاتهم الدولية والإقليمية، وهو ما يقودنا لفهم تصريحات "بن علي يلدرم" التي رحب فيها بدخول قوات نظام الأسد إلى مدينة منبج.

في المحصلة يمكننا القول إن دخول قوات الأسد إلى مدينة منبج وانسحاب وحدات الحماية الكردية منها، قد يعفي تركيا من الإحراج، ويجنبها المواجهة مع كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، لكنه وبكل تأكيد ينسف ما صرح به الساسة الأتراك، ويضع عملية درع الفرات على المحك، وقد ينهيها تماما، خاصة إذا ما قررت تركيا تسليم مناطق أخرى لنظام الأسد كمدينة الباب وجرابلس وغيرها. 

فيما يخص معركة الرقة فإن تركيا التي تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، تشعر بخيبة أمل من الموقف الأمريكي، الداعم لوحدات الحماية الكردية، والذي لازال على حاله رغم تولي ترامب لمهام منصبه كرئيس، والذي لا يبدو أنه قد حسم خياراته بعد لجهة المفاضلة بين تركيا ووحدات الحماية، خيبة الأمل التركية عبرت عنها تصريحات "يلدرم" التي نفى فيها أية نية لمشاركة القوات التركية إلى جانب قوات سورية الديمقراطية، حيث أكد أنه لا يمكن لأحد أن يجبر تركيا على المشاركة إلى جانب منظمات إرهابية، لكن اللافت للنظر هو ما صرح به وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" يوم الخميس عندما قال: "قلنا من قبل إننا سنضرب وحدات حماية الشعب الكردية إذا لم تنسحب من منبج". أوغلوا حذر من أن سماح الولايات المتحدة الأمريكية للوحدات الكردية بالمشاركة في القتال ضد تنظيم الدولة في الرقة "يعني تعريض مستقبل سورية للخطر، فهل خُدِعت تركيا من قبل الروس والأمريكيين؟!

لا شيء مستبعد، وتعقيدات الملف السوري تفتح الباب على كافة الإحتمالات، ولا شيء مستحيل في عالم السياسة، حيث الصراع على النفوذ والمكاسب وحماية الأمن القومي للدول هي الدوافع، وهو ما يسمح بالإنقلاب على المواقف والسياسات، التي لا يحتاج تغييرها سوى لتصريح، يعلن القبول بما كان مرفوضا قبل أيام بل وحتى ساعات.

https://orient-news.net/news_images/17_3/1488882252.jpg'>

التعليقات (4)

    النقيب ابو الليث

    ·منذ 7 سنوات شهر
    امريكا سعت لتاسيس جسم عسكري في درعا والتنف ، هو جيش سوريسوريا الجديد . عملوا على تاسيس ٣ اجسام عسكرية في درع الفرات ، و قسد ..... كل تلك الفصائل سوف تتحد قىيبا وبالتالي اوقعوا اردوغان في الفخ بنسبة 80 بالمئة .

    kk

    ·منذ 7 سنوات شهر
    احسن شي وبدون لعبة القذارة السياسية .. انو يتصالح الاتراك والاكراد في حركة تاريخية تخفي الفتنة للابد

    للنشر

    ·منذ 7 سنوات شهر
    ما هذا التحليل التضليلي التبريري؟ تركيا لم تُخدع بل تََخدِع!!! ولا عزاء للمغفلين!

    الحقيقة

    ·منذ 7 سنوات شهر
    هل خدعتنا تركيا
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات