مؤتمر ميونخ للأمن والحرب على سوريا

مؤتمر ميونخ للأمن والحرب على سوريا
عندما نشاهد المواقف المتناقضة بين دول حلف شمال الأطلسي في مؤتمر مينخ للأمن المنعقد في ألمانيا ندرك أساب التخبط الدولي أولاً، وندرك فشل الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا بمعالجة التغول الإيراني في سوريا ثانياً، وندرك أخيراً سبب عدم خوف الرئيس الروسي من عواقب انتهاكه لكل المحرمات الدولية والانسانية والأخلاقية في سوريا، فما يلخص وضع العالم الآن بحسب رؤية محللين في مؤتمر ميونخ للأمن هو أن قوة الناتو إلى أفول وتراجع وانقسام، وقد رفضت دول الاتحاد الأوروبي سفير أمريكا لديها بسبب موقفه المعادي لبقاء الاتحاد الأوروبي، واعتبر البعض أن دعوة الرئيس الأمريكي ترامب إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي بمثابة إعلان حرب على اوروبا، وهكذا فإن أوروبا تخشى على نفسها من التفكك ومن ترامب، وهذا جعل روسيا تصول وتجول في سوريا ولا تخشى أحداً أن يحاسبها.

إن المخاطر التي تحدق بأوروبا ليس مصدرها أمريكا فقط، وإنما صعود أحزاب اليمين المتطرف، التي تدعو إلى الشعبوية الضيقة، فهي أحزاب غير ديمقراطية أولاً، وتعمل على استغلال مخاوف الشعوب الأوروبية من العولمة والهجرة وحرية الحركة، فقال تقرير أعدته مجموعة من المراكز الاستراتيجية الغربية المؤثرة (تينك تانك):" إن الغرب الممثل بمؤسساته العالمية مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وأنظمته الديمقراطية، والتجارة الحرة، والتصورات الليبرالية المنفتحة لشعوبه بات بمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية الراهنة مهددا في وجوده وعلى شفير الانهيار"، هذا التقرير الذي جاء في تسعين صفحة عنوان "ما بعد الحقيقة، ما بعد الغرب، ما بعد النظام"، وتم الإعلان عنه بموازاة انطلاق الدورة السنوية الـ53 لمؤتمر ميونيخ الذي بدأ الجمعة 18 شباط/ فبراير الجاري، بحضور رؤساء ثلاثين دولة، ومشاركة الإدارة الأميركية الجديدة.

لقد تضمن التقرير تحليلات تصدرته دراسات حول أزمات النظام الدولي الراهن، والديمقراطيات الغربية، والأوضاع الهشة للاتحاد الأوروبي، وتهديدات المجموعات التي يصفها التقرير بـ "الجهادية"، والتلاعب السياسي بالمعلومات والإعلام، والتطورات ببحر الصين الشرقي وفي الشرق الأوسط، وفراغ النفوذ الدولي الناشئ عن انسحاب الولايات المتحدة من البنية الأمنية العالمية، وفقدان شرائح واسعة من الشعوب الأوروبية ثقتها بالاتحاد الأوروبي، والصعود الانتخابي للقوى الشعبوية المعادية لهذا الاتحاد، وما شهدته دول أوروبية من هجمات إرهابية، وما أثاره تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، ومجيء دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة، فكل ذلك يجعل 2017 عاما مصيريا للاتحاد الأوروبي، مثل عام 1989 الذي شهد سقوط جدار برلين، وعام 1945 الذي انتهت فيه الحرب العالمية الثانية.

يرى مدير مؤتمر ميونيخ فولفغانغ إيشينغر :" أن النظام الديمقراطي في أوروبا والولايات المتحدة على وشك الانهيار، وما يترتب على ذلك أن العالم قادم على تغير في اللاعبين الدوليين"، وهو ما يفسر محاولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرض القوة الروسية في شرق اوروبا وفي الشرق الأوسط، فبوتين يدرك أثر انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي العام الماضي، ومحاولة فرنسا الخروج منه هذا العام مؤشر على ضعف أوروبا، لأن ألمانيا لن تستطيع وحدها تحمل مسؤوليات الاتحاد الأوروبي ولا منعه من الانهيار ، واما تصريحات نائب الرئيس الأمريكي امام المؤتمر بان الولايات المتحدة متمسكة بوحدة حلف شمال الأطلسي فهذه ستكون ضمن سياسة ترامب وشروطه، وهي ان تتحمل الدول الأوروبية حصصها المالية نحو حماية نفسها والحلف في اوروبا.

إن أخطر ما يكشف عنه التقرير هو ما يرتبط بصعود أعداء المجتمعات المنفتحة بالغرب من داخلها، أي صعود أحزاب اليمين المعادية للإسلام والانفتاح، بدعوتهم حكوماتهم في الاشهر الأخيرة لإغلاق الحدود والتعصب القومي، وهؤلاء أيدوا تصويت البرلمان الاوروبي بعدم انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي، ودعوا الى فرض قيود على المهاجرين، أي أن قطاعا واسعا من الأوروبيين فقدوا إيمانهم بالنموذج الديمقراطي وقيمه الأساسية، وذلك بسبب السياسات الخاطئة التي اتبعتها بعض الدول الأوروبية بمعادات الآخر، والسماح بنشر الكراهية للإسلام والمسلمين بالإسلاموفوبيا، فأصبحت الشعوب نفسها تؤيد الحكومات غير الديمقراطية، فالأحزاب غير الديمقراطية أو اليمينة تعلن صراحة رفضها للانفتاح على الشعوب الأخرى، وبالأخص من أصول شرقية ومسلمة.

لقد كان التقرير صادقا في تشخيص مشاكل الغرب الداخلية، وان لم يتحدث أو يبحث عن أسبابها الحقيقية، وكذلك كان التقرير مصيبا في آثار هذا الانقسام الغربي الداخلي على العالم، فاعتبر تقرير مؤتمر ميونخ أن مرحلة ما بعد الغرب تبدأ بفشل الولايات المتحدة وأوروبا في سوريا، وإلا فكيف يغضون الطرف عن قتل مئات آلاف المدنيين وتشريد نصف الشعب السوري خارج بلاده، وللأسف فإن التقرير كرر أخطاء الأوروبيين بعدم فهم أسباب ظهور تنظيمات تمارس العنف في العالم العربي والاسلامي، فالتقرير يقول بأن :" انتشار السخط في العالم الإسلامي وتحول أعداد كبيرة من سكانه للعنف المسلح يمثلان تحديا كبيرا يزيد ضعف النظام الدولي الراهن بمواجهة الأزمات المتزايدة"، فالسخط في العالم الاسلامي صنعه الغرب نفسه، وكانت أمريكا في مقدمة الدول، بسبب انحياز الغرب إلى جانب إسرائيل ضد الحقوق العربية والفلسطينية أولاً، وبسبب صناعة الغرب أكاذيب دولية كبرى واتهام المسلمين فيها، مثل ردود الفعل الأمريكية على أحداث سبتمبر 2001 في أمريكا، التي كذبها ضباط المخابرات الأمريكية والفرنسية والألمانية والروسية وأثبتوا أنها مفتعلة ولا علاقة للمسلمين بها، فهي أضخم بكثير من قدرات تنظيم القاعدة الفنية.

 ومع ذلك قامت أمريكا باحتلال أفغانستان ظلما وزورا، واحتلت من بعده العراق ودمرته بأكاذيب أسلحة الدمار الشامل، ثم اعترفت امريكا نفسها بانها لم تجد شيئا، أي أن أمريكا هي سبب الضعف الدولي، فهل من المقبول ان يتم تدمير دولة بالشبهات، وبالأخير يأتي الرئيس الأمريكي ترامب ليقول بأن اكبر خطأ في التاريخ الأمريكي هو غزو العراق عام 2003، ولكن ماذا سيفعل لمعالجة اخطاء امريكا في العراق؟ فهل شعوب العالم الإسلامي معدومة الاحساس ان يتم احتلال دولها وهتك أعراض مجتمعاتها ثم اتهامها بالعنف، وقد حاول باراك أوباما ان يقدم مصالحة دون ان يقدم اعتذارا للعالم الاسلامي، ولكنه فشل في المصالحة أيضاً، لأنه واصل سياسة أسوأ من سياسة سلفه، بان أطلق العنان للمتوحشين الطائفيين باحتلال العراق وسوريا واليمن بحجة التوازن الطائفي في العالم الاسلامي، وبالتالي فإن أمريكا هي المتسببة بالدمار الذي حل في سوريا أيضا، وإن نفذت ذلك على أيدي المتوحشين الإيرانيين وأتباعهم من الطائفيين العرب والعجم.

إن المخابرات الأمريكية والدولية تعلم علم اليقين من الذي اسس أو ساهم بتأسيس تنظيم داعش، ولمن قدم خدماته، وتعلم أيضاً أن المخابرات السورية التابعة للأسد هي التي خططت ونفذت الهجمات الارهابية في أوروبا، في فرنسا وبلجيكا والمانيا وغيرها، ولكنها تغض الطرف عن ذلك وتتهم داعش، لأنها تريد استغلال العمليات الارهابية بحملات ضد الإسلام والمسلمين، فهل خدمت هذه السياسيات الاتحاد الأوروبي؟ وهل ستخدم هذه السياسات الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب، كلا ، ما لم يتراجع عن قراراته العنصرية وسياساته العدوانية ضد الاسلام والمسلمين.

إن مؤتمر ميونخ للأمن والعالم الغربي عموما أمام حقائق يقدمها أناس مسؤولون عن كلامهم مثل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في كلمته بمؤتمر ميونخ للأمن بقوله:" إن جهود التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة لن تكلل بالنجاح ما لم يتم التخلص من الرئيس السوري بشار الأسد الذي يوفر بيئة جاذبة للمتطرفين"، هذه حقيقة من حقائق حل الصراع في سوريا، فبقاء بشار الأسد يعني بقاء الأزمة السورية، والقضية ليست شخصية بين عادل الجبير وبشار الأسد، بل القضية متعلقة بالصراع فقط، فبشار الأسد من أسباب وجود داعش، فلماذا لا يعترف الغرب بالحقائق؟

أما روسيا فإن موقفها في سوريا خبط عشواء لأنها تريد إدارة شؤون شعب يملك من الحضارة ستة آلاف عام، وكأنه شعب جاهل وجبان، ولذلك لن تنجح روسيا في سوريا سياسيا ولا عسكريا، طالما كانت تحلم بحكم الشعب السوري مثل الشعب الشيشاني بالحديد والنار، لأن الصورة الأقرب لسوريا هي صورة أفغانستان، الذي فشلت روسيا حكمه بالحديد والنار طوال ثماني سنوات، وتحملت خسارة نكراء فيه، ولا ادل على ضياع روسيا في سوريا انها تتفق مع المعارضة السورية على وقف اطلاق النار وتتعهد بإيقاف الطلعات الجوية، ثم تقوم باليوم التالي بمخالفة كل تعهداتها، مما دفع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو استنكار هذا الموقف الروسي وهو في مؤتمر ميونخ قائلاً في كلمته:" إن روسيا لا تزال تقصف المدنيين في سوريا رغم الاتفاق على وقف العنف خلال أسبوع"، فهذا يؤكد أن روسي تتخبط في سوريا، أو أنها تمارس الغدر والخداع علانية، ولو قدر للثورة السورية امتلاك السلاح النوعي لأدركت روسيا أن قاسم سليماني الإيراني قد ورطها في حرب لا قدرة لها عليها، لأن الحرب في سوريا لا ولن تستطيع روسيا حسمها لصالحها عسكريا. 

ولذلك فإن تعاون الدول العربية مع تركيا هو مفتاح الحل للصراع في سوريا وحسمه لصالح الشعب السوري، بدعم صمود الشعب السوري في الداخل والخارج، ومطالبة المحتلين الأجانب الإيرانيين والروس بإعادة النظر في معاركهم الخاسرة في سوريا، فلا يمكن لإيران ان تبقى في سوريا، وحتى لو أقامت دويلة للعلويين فيما يسمى "سوريا المفيدة" فلن تكون أفضل حالا من الدولة الإسرائيلية، فستبقى دولة شاذة عن المنطقة، ودولة احتلال وعدوان تزول بتغيير موازين القوة، فلا شرعية لبقائها إطلاقاً، فالمناعة الذاتية للشعب السوري تلفظ الطائفية والطائفيين مثل المحتلين. 

التعليقات (1)

    Syriafürdie syrer

    ·منذ 7 سنوات شهرين
    الحرية الشخصية فوق الطائفية البغضاء توفير القضاء العادل والاكتفاء الذاتي اللي كأنو بالفعل موجودين بسوريا يجب ان نحافظ علي بقاءهم مثل لازم يكون الحل الجذري حق العودة للوطن السوري وطرد الأجانب منو بحرب تحرير جديدة اذا لزم الامر حرية اراضينا فوق كل الحريات وحدة الوطن والاكتفاء الذاتي هدفنا سوريا للسوريين فقط
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات