دونالد ترامب.. على خطى "داعش"

دونالد ترامب.. على خطى "داعش"
لم يكن عاديا ذاك المساء الذي نشر فيه تنظيم الدولة مقطعا مصورا لحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، أزعم أن كل قنوات العالم وغرف أخبار الكوكب كانت منشغلة بمتابعة ما كان ينشره التنظيم وقتها على حساباته تباعا من صور ثم مقاطع فيديو إلى أن نشر تصويرا كاملا للعملية، تحلقنا جميعا في غرفة الأخبار حول شاشة أحد الزملاء الذي استطاع تحميل المقطع وتابعناه بذهول، وبعد تلك العملية الصادمة كثف التنظيم هذه العمليات والأهم أنه كثف نشره للمقاطع المصورة للعمليات، وتفنن بإخراج الأعمال كأفلام سينمائية، لكن كلنا كان يعرف أنها للأسف حقيقية وليست تمثيلا ولا تعالج بالمؤثرات، الجدير بالمتابعة هو سعي التنظيم للحضور في ساحة الوجدان العالمي وإن كان من خلال هذه الأفعال وهذه الصور وهذا ما نجح به فعلا وأصبحت أخباره تتربع على رأس قائمة الأهمية في أغلب محطات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي، هي التي كانت منبره الوحيد والذي سخره لخدمة أجندته وبطريقته التي تبين أنها أصبحت أسلوبا ناحجا يحتذي به من يريد أن يكون مالئ الدنيا وشاغل الناس.

هذا الخط والأسلوب والمنهج اتبعه ويتبعه دونالد ترامب منذ أن كان مرشحا للرئاسة إلى أن فاز بها وأصبح رئيسا للولايات المتحدة وهو يحرص على الوجود في كل ساحات الأخبار من خلال أي فعل أو تصريح ويبدو أنه يعتبر ذلك نجاحا وهو اليوم يثابر على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في بث ما يريد وإن كان تافها أو فارغا لكنه تعلم من التنظيم أن الفعل أو القرار "بذاته" آخر الهموم، بينما العرض المثير والحضور الدائم هو الأهم، ولهذا الهدف لا بد من الإثارة وإن كان تنظيم الدولة حققها من خلال شواء الناس أو إغراقهم أو تفجير رؤوسهم وكل ذلك بتصوير وإخراج متقن فإن ترامب يريد تحقيق الجذب والإثارة من خلال قرارات طفولية وعنصرية وغاضبة ومتسرعة تحمل دائما طابع الاستفزاز والتحدي وكأنه يبحث في كل كلمة يقولها عن خصوم جدد أكثر من محبين لأنه تعلم أن الخصوم هم من يثيرون ويثرثرون وهم من يتابعون ويتابَعون.

تنظيم الدولة كان يعرف أن كل الرسائل التي يحملها لأفعاله لن تُؤتي أُكلها فلا الأردن سينسحب من الحملة الدولية ضده ولن تفعل الولايات المتحدة أو فرنسا أو غيرها من الدول بعد قتل بعض مواطنيهم، لكنه كان يريد أن يحجز لاسمه وأخباره مكانا في عناوين الصحف ونشرات الأخبار ويريد أن تحقق وسومه التي يخترعها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي متابعة عالمية وهذا ما صار فعلا، وبذلك تصل أنباؤه إلى كل الأصقاع من خلال عمل "مثير" الهدف منه لفت النظر واستقطاب محبي هذا النوع من "المغامرات المغلفة" وليس الفعل أو رد الفعل لأنه يعرف ويدرك كل ما حصل وسيحصل.

دونالد ترامب على ذات استراتيجية التنظيم لا يعول كثيرا على الفعل نفسه وهو العالِم بمؤسسة الحكم الأميركية وأسسها وأصولها وأدبياتها والعالِم بنوعية علاقات بلاده وبالطريقة التي تبنى وتهدم هذه العلاقات، لكنه يبحث عن الإثارة يريد أن يكون له زاوية خاصة في أخبار العالم ولاسمه وقع لدى مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت الآن منصة ومنبرا وكذلك منهل للأخبار والمعلومات، ترامب وعلى سبيل المثال لا الحصر إذ يمنع اللاجئين والمهاجرين يحدث ضجيجا أكبر من القضية ذاتها، لأنه ببساطة كان يمكن أن يرسل تعليماته لخارجيته لتعمم على سفارات الولايات المتحدة بأن تشدد إجراءات منح التأشيرات أو أن يفعل الأمر ذاته مع مسؤولي الجمارك ومراقبة الحدود لكنه لا يريد أن يقدم على هذا الفعل بتجرد يطمح لأن يصبح الفعل والقرار مادة أخبارية متابعة تشغل الناس طويلا وهو ما تحقق له ولنسحب هذا الأمر على كل قراراته التي أصدرها وسيصدرها، وعلى خطى تنظيم الدولة سيمشي ترامب بأن يراقب ردود أفعال الجمهور ليرسم خططه القادمة وتتوقعوا مزيدا من الإثارة.

حجز تنظيم الدولة على مدار العامين التاليين لظهور خليفته ولأفلامه التي كان ينشرها، عنواناً خاصاً في كل أخبار العالم، أخبار ترفض وتدين الفعل وأخرى تمدحه ولعب على تناقضات الوضع في الإقليم بذكاء إذ عرف من يدير التنظيم أن الجانب النفسي لدى سكان هذا الدول مشوه، ودرجة الحساسية الطائفية والإثنية عالية وأن الأفعال ستقاس وفق هذا الانقسام العمودي بين مؤيد مطلق لقتل السنّة مثلا ورافض مطلق وبالمقابل مؤيد مطلق لقتل غير السنة ورافض، وبنى التنظيم على ذلك أرجوحة للعقل في المنطقة وليس سرا أن ثمة أناساً عاديين وغير عاديين كانوا يعتبرون بعض أعمال التنظيم ثأرا لدمائهم، وفي هذه اللعبة أتقن التنظيم اللعب وعلى خطاه يحاول ترامب أن يلعب لكن بالعالم بأسره ومن خلال شخصه فقط وبحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لكنني أرى تجربة التنظيم ماثلة أمامي وأنا المتابع بحكم عملي لكل الأخبار أرى أن التجربة ليست سوى فقاعة ولعب على المشاعر لا بد أن تنتهي ويتكشف أن قيام الدول وبناءها وتطويرها وتعظيمها ليس بهذه الطريقة ولا بهذا الآلية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات