الإدارة الأميركية بين الحرب والسلم..

الإدارة الأميركية بين الحرب والسلم..
بات من المعروف لدى جميع المراقبين، أن الرئيس الأميركي الذي يتم انتخابه في الولايات المتحدة الأميركية ليس إلا رأس جبل الجليد للسلطة الحاكمة الراسخة التي تحكم ذلك البلد العظيم، وأن سلطات الرئيس المنتخب للتغيير الحقيقي لا يتعدى هوامشها حجم الدور الاعلامي الكبير المناط بالرئيس، ذلك الدور الذي يبهر العالم بأجمعه ابتداءً من الحملات الانتخابية إلى الانتخابات نفسها إلى حفل التنصيب وبروتوكولاته وصولاً إلى الإيجاز الأسبوعي وخطاب حال الاتحاد الخ.

ولكن وعلى ما يبدو بعد دراسة طويلة و متأنية من الإدارة العميقة في الولايات المتحدة لمقدمة ابن خلدون و المخطط البياني للدول ،وتموضع نموذج الدولة الرأسمالية في أبهى صورها في تجربة الولايات المتحدة الأميركية ،حاول هؤلاء الدارسون تفادي أخطاء الامبراطوريات العديدة التي مرت قبلهم وتأنوا مطولاً في دراسة أسباب إخفاق الدول مدعمين كل تلك الدراسات بدستور مقدس وسلطة ديمقراطية لا تمس ،مارسوا خلالها كل التجارب الفلسفية والنفسية التي نظر بها الأولون حول علاقة الحاكم بالمحكوم وأسباب تسلط الفرد ونشوء الثورات ابتداء من ميكيافيللي ووصولاً إلى فوكوياما ونعوم تشومسكي، لم يفتهم أي تفصيل وحاولوا مراراً وتكراراً تنفيس ضغط المجتمع المكون للدولة ،واستووا على دولة امبراطورية لا تحكم ترابها فقط ، بل وتحكم العالم ، فالدولة الأميركية المعاصرة تخلت عن المفاهيم الاستعمارية والكولونيالية و الكولونيالية الجديدة  ، لا وبل تخلت عن مبدأ زرع العملاء والحرب الباردة و صراع الجواسيس، واكتفت بتفوق تقني و استراتيجي وعلمي ،مستند إلى ملايين الدراسات في علم الإدارة وتقسيم العالم إلى دوائر صغيرة يحكم كل دائرة من العالم  موظف في العاصمة واشنطن بتقاطع القوى الناعمة والقوى الاقتصادية و حرب المعلومات ،ولكن ما يجبر صناع القرار في الولايات المتحدة على زعزعة استقرار بلدهم بفعل القوة الخشنة ،هو بينة الاقتصاد التي قررت لتلك الدولة التي تفاخر برأسماليتها ،عبر قوانين النقد والتضخم والدين العام الذي أصبح يهدد ساكن البيت الأبيض مهما كان بنفس درجة تهديد أصغر بائع سمك في اندونيسيا ،وعليه فمن يفسح المجال لتعيين الرؤساء الأميركيين لا يغفل دراسة الماضي النفسي والسلوكي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الباراسيكولوجي لكل مرشح من الحزبين ،وحتى تصفيته المرشحين ليصبحوا اثنين فقط وصولاً إلى الرئيس نفسه الذي ومن المستحيل أن يفاجئ عناصر الحكومة السرية فيه ، وبالطبع تلك الحكومة السرية التي تحكم الولايات المتحدة هي ليست سرية ،ولكنها ببساطة ليست تحت سلطة الأضواء ،وهي غالباً تتكون من كبار الاقتصاديين وعتاة أروقة الكونغرس و الإستخبارات وصناع القرار في الخارجية وطبعاً لا يخلو الأمر من كبار ملاك البنوك والاحتياطي العالمي النقدي والذهبي .

وبناء عليه فكل ما نراه أمامنا من سياسات تغيير أميركا وتلقائياً تغيير العالم ، ليست إلا تنفيذاً لأجندات يتداول بها أصحابها مصير البلد الأعظم في العالم لما لا يقل عن خمسمائة عام على الأقل حسب الدراسات ..هؤلاء ممن يحكمون في السر ،يجيشون تحت إمرتهم جيوشاً من مراكز الدراسات والمختبرات العلمية والاقتصادية والطبية و الزراعية والفضائية ، ومن المستحيل أن يفاجئهم أي تفصيل في عموم البسيطة ، من مثل تاريخ نفاذ الاحتياطي  النفطي من العالم أو مستقبل الطاقة البديلة ،أو غزو الفضاء ،وحتى مستقبل الأمراض وكيفية السيطرة عليها ،وإلى جانب كل هذا يجب ألا ننسى الملف الخاص المتحكم بالحرب الجرثومية و النووية وتعداد سكان الكرة الأرضية ومدى تحمل الأرض تلك الكثافة السكانية قبل أن تفنى الموارد الزراعية والمائية والحيوانية ،لا وجد شيء للصدفة لديهم ، هي حكومة تتعامل مع القارات كما يتعامل أي مجلس بلدي مع شوارع بلدته ،بذات الدقة والمعرفة والتمحيص .

وبناء عليه لم يرتكب جورج بوش الابن أي قرار فردي حينما اتخذ قراره بالحرب على العراق ، و لم يكن قراره أيضاً غير دقيق حينما ترك العراق في مهب الرياح الإيرانية ، وكذلك الوضع مع ترك أوكرانيا و الانسحاب من العراق و إهمال الأزمة السورية ...فكل شيء مدروس والجدول الزمني الموضوع لتسلسل الأمور يبعث في دقته على اليأس ،مما يجعل رئيساً إشكالياً كدونالد ترامب نتيجة منطقية لما تريده تلك الحكومة بعد فترة ثمانية سنوات من السلم والتركيز على الوضع الداخلي وتهدئة الشارع الأميركي التي أنجزها الرئيس باراك أوباما في دورتيه الانتخابيتين .

فالمطلوب من دونالد ترامب هو تحريك مكثف لمكاكينات الصناعة الحربية الأميركية في العالم مترافقة مع عمليات جباية واسعة تقوم بها أميركا من العالم لتعزيز النقد وتدعيم الدولار ، فاذا كان اقتصاد الخدمات المنتشر بشكل كبير في العالم هو من يحكم العالم ، فإن أميركا لن تقدم خدماتها مجدداً للعالم دون مقابل ، فالحماية بمقابل ، والسلاح بمقابل ،والمساعدات المادية بمقابل أكبر ، والأهم هو أن الحرب ستكون بمقابل .

هذا هو الديدن الأميركي ، وعليه وحسب قراءة سريعة لخوارزمية الإدارات الأميركية التبادلية بين الرؤساء ابتداء من كارتر المسالم وريغان وبوش الأب العنيفين ،وبعدهما كلينتون المسالم وخليفته بوش الابن العنيف ،وصولاً لباراك أوباما المسالم ..الذي نتوقع ن يكون خليفته صانع حروب من الدرجة الأولى .

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات