خامنئي إذ يتحسّر على رحيل أوباما

خامنئي إذ يتحسّر على رحيل أوباما
انتهت الولاية الثانية والأخيرة للرئيس الأميركي باراك أوباما، بينما زعماء الجمهورية الإسلامية في إيران تتآكلهم مشاعر الحسرة على رحيله؛ لقد فشلوا في قطف الثمرة الحقيقية لاستراتيجية هذا الرئيس. 

أينما وجّه المرشد الأعلى للجمهورية، علي خامنئي، بصره على خريطة الهلال الخصيب والجزيرة العربية، سيجد عناصر الحرس الثوري يقاتلون بموافقة الأميركيين (سورية - اليمن)، وفي بعض الأماكن تحت إمرتهم مثل (العراق). ليس هذا الأمر جديداً بالنسبة للعلاقة الأميركية الإيرانية المعقدة والبراغماتية، إذ سبق لرئيسٍ من طينة جورج دبليو بوش أن استعان بالإيرانيين لضرب أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003. وبالطبع، لم تمانع النخبة الإيرانية التحالف مع المحافظين الجدد للخلاص من ألد أعدائها. لكن ما عقده بوش الابن بداعي الواقعية، وبهدف نهائي يتمثل في "الوصول إلى طهران"، جاء أوباما ليفعله من باب "الوصل لإيران"، القناعة، الهوى السياسي والإعجاب غير المحدود بالثقافة الإيرانية. 

حتى لو افترض المرء أن محادثات الملف النووي والمفاوضات الإيرانية الأميركية السرية في مسقط لم تتطرّق إلى القضايا الإقليمية، فمجرد تأكيد أوباما على ضرورة قبول دول الخليج العربي اقتسام المنطقة مع طهران هو إظهار لجوهر استراتيجية هذا الرئيس للمنطقة... تحويل "إيران الإسلامية" إلى حالةٍ طبيعيةٍ في المنطقة، ورأسمال سياساتها التعديلية في المنطقة إلى مكاسب ونفوذ سياسي واسع، يستند إلى مليشيات طائفية، وعلاقات غير شرعية مع مكونات اجتماعية في الدول العربية داخل الهلال الخصيب، بمعنى آخر "اصطناع" توازن قوى بين العرب والإيرانيين، بين الشيعة والسنة. 

والآن، جاء دونالد ترامب لنسف هذه الاستراتيجية. بمجرد أن ارتقى هذا الرئيس سدة الحكم، تآكلت جاذبية طهران بين القوى التي تريد التعاون، أو التواصل مع الإيرانيين. انعكس ذلك سلباً على الدور العُماني، وأيضاً على التحالف الهش بين الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. 

حرّر وجود ترامب في البيت الأبيض قوىً كثيرة من السيف المسلط على رقبتها: كابوس اتفاق أميركي إيراني. أكثر القوى التي استفادت هي روسيا والسعودية وتركيا ومصر وإسرائيل. 

بات في وسع روسيا أن تستجر مزيداً من التنازلات من الإيرانيين في سورية ولبنان. أصبحت السعودية أكثر ارتياحاً في حربها لضمان عودة استعادة الشرعية إلى صنعاء. أما تركيا فلم تعد قلقةً على مصير الموصل. الآن، يبني الجميع سياساتهم، ليس على أساس الخشية من تعاون أميركي إيراني من تحت الطاولة، بل بناء على عداء إيراني أميركي مستحكم. 

فقد الإيرانيون الورقة الأكبر التي كانوا يلوّحون بها للدول الكبرى والإقليمية: أوباما. عادوا ليقاتلوا وحيدين في طول المنطقة وعرضها، وسط بيئة عدائية إلى أقصى حد. 

مع أوباما، وصل النفوذ الإيراني في المنطقة إلى أوسع مدى له. مع ذلك، عانت إيران خلال الأعوام الثلاثة الماضية من تقهقر حلفائها وحرسها الثوري في جميع المسارح الإقليمية الاستراتيجية. أنقذ أوباما حلفاء الإيرانيين في بغداد. استنجد قاسم سليماني وبشار الأسد بفلاديمير بوتين لوقف تدهور قواتهما في سورية بعد ضربة إدلب، وصد تقدّم المعارضة نحو معاقل النظام في حماة وحمص واللاذقية ودمشق. لبت موسكو النداء. 

أظهرت الهزيمة في سورية والعراق حدود القوة الإيرانية الإقليمية. مثلت بداية العودتين، الأميركية والروسية العسكرية، إلى الشرق الأوسط. على الرغم من ذلك، صبّ رفض أوباما المقايضة مع الروس بين سورية وأوكرانيا في صالح الإيرانيين. استغلت طهران هذا الرفض، كي تدفع الروس للذهاب إلى حلب، من أجل تأمين موقع أفضل لموسكو في الصراع مع واشنطن على كييف، ومستقبل أوكرانيا! 

ساهمت في تعزيز التحالف بين طهران وموسكو في سورية مخاوف العاصمتين من فوز هيلاري كلينتون بانتخابات الرئاسة الأميركية، ما بدا أنه أكثر احتمالاً في أواسط العام الماضي. بنى الإيرانيون حساباتهم على أن فوز هيلاري كلينتون سيعني استمراراً، بشكل أو بآخر، لسياسات أوباما تجاه الشرق الأوسط، لكن فوز ترامب قلب المقاييس. 

تحت وطأة التصريحات المعادية لترامب، ولكبار المسؤولين في إدارته، لم يعد أمام إيران سوى إعادة ضبط استراتيجيتها الإقليمية. قرّرت استباق المواجهة مع الرئيس الجديد. عيّنت سفيراً من الحرس الثوري في بغداد، ولوّحت بإعادة نوري المالكي إلى رئاسة الوزراء، دافعةً وراء تعيين بهاء العرجي (المنتمي لمنظمة بدر المقرّبة من إيران) وزيراً للداخلية العراقي. 

ولأن المواجهة مع ترامب في العراق لا بد أن تتمدّد إلى لبنان، مضت إيران في عملية أستانة. أرادت إيران من مشاركتها في مفاوضات العاصمة الكازاخية تنفيذ خطةٍ من شعبتين. تتمثل الأولى في تقليص وجود عناصر المليشيات العراقية في سورية، وسحب قطاعات منها إلى العراق بهدف إحباط السياسة الأميركية المعادية لها هناك. تتمثل الشعبة الثانية في إعادة توزيع مقاتلي حزب الله بين سورية ولبنان، من أجل التحوط لأي مغامرة إسرائيلية في جنوب لبنان. ولعودة مسلحي حزب الله إلى الجنوب فائدة إضافية، تتمثل في إبقاء ورقة تهديد جدية ضد الإسرائيليين. تتكامل هذه الخطة مع ضغط إيراني على النظام السوري، من أجل إشعال الجبهة الجنوبية بهدف إيصال قوات إيرانية، ومن حزب الله، إلى القنيطرة، بما يزيد أوراق الضغط الإيرانية على الإسرائيليين وحلفائهم الأميركيين. 

على أية حال، تبقى الاستراتيجية الإيرانية الجديدة محفوفةً بالمخاطر، نتيجة خطوة أقدم عليها الإيرانيون أنفسهم قبل حوالي العام ونصف العام، عندما طلبوا النجدة الروسية للنظام وقواتهم في سورية. ستترك هذه الخطوة، في الماضي القريب، مناورات طهران الإقليمية تحت رحمة بوتين. بطبيعة الحال، لا ينسى الإيرانيون الصفقات الكثيرة التي عقدتها موسكو على حسابهم. وهم بلا شك قلقون مما يحضّره لهم سيدا البيت الأبيض والكرملين.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات