خلفية مفاوضات أستانا وتحديّات ما بعدها

خلفية مفاوضات أستانا وتحديّات ما بعدها
يشكل إعلان موسكو الصادر في 20 ديسمبر من العام المنصرم الخلفية السياسية الأوضح في قراءة مفاوضات أستانا، وما بعدها من مفاوضات مرتقبة في جنيف 4، ويصح أكثر من ذلك القول أن مخرجات أستانا هي ترجمة سياسية مباشرة لتوافقات القوى الثلاثة الضامنة في إعلان موسكو. 

لا يُغيّر من هذه الحقيقة محاولات القفز عنها، أو طرح تأويلات بعيدة عن سياقها. ثمة فارق لابد من استيعاب دلالاته، بين الفهم السياسي السليم لما يجري من حولنا وعلينا، وكيفية التعامل معه رفضاً أو قبولاً بناءً على ذاك الفهم. 

كان جلياً في أستانا حرص الضامنين الروسي والتركي، على شرعنة دخول الجانب الإيراني كضامن ثالث، وهو ما تحقق في صدور البيان الثلاثي المشترك، وعدم رهنه بموافقة طرفي المعارضة والنظام، طالما أن كليهما متحرر من تبعات التوقيع والموافقة عليه. بيدَ أن ذلك لا يضعهما في نفس الموقف والأثر المترتب عليه، إذ أن المتضرر فعلياً من تحول إيران طرفاً ضامناً في اتفاقية وقف إطلاق النار، هو الوفد العسكري للمعارضة، الذي أعلن صراحةً تحفظه على هذا البند الوارد في ديباجة البيان المشترك. بينما كان السؤال عن مدى إمكانية تحول إيران من طرف داعم للنظام بكل ما أوتيّ لها، إلى طرف شريك في ضمان وقف اطلاق النار؟ معضلةً لا جواب لأحد عليها. لكن بالمقابل أيضاً لا أحد يعلم فحوى توافقات الأطراف الثلاثة في المرحلة التي ستلي محطة أستانا. لاسيما لجهة أدوار كل منهما في مشروع ومفاصل الحل السياسي السوري القادم. ما بدا ملتبساً بهذا الخصوص، يضعنا أمام حزمة من معطيات تسهم في توضيح المشهد إلى حدٍ ما، من أهمها احتكار القوى الثلاثة رسم خريطة طريق الحل السوري، من خلال تكفّل الطرف الروسي تغيير تموضعه، بما يتناسب ودور العرّاب القادر على فتح القنوات بين كافة الأطراف السورية، وإزالة فيتو قوى الثورة والمعارضة على دوره ابتداءً، ومن ثمّ تحضير المسرح التفاوضي للحل السياسي، وفق قواعد جديدة ليس بيان جنيف 2012 من أسسها. 

تدرك إيران ضرورة مجاراة الروس، كي لا تُبدّد المكاسب التي حققتها على الأرض السورية، في حال ممانعتها التصور الروسي على الصعيدين الميداني والسياسي، في الوقت الذي تراهن فيه على تمرير الوقت، لاستكمال سيطرة ميليشياتها وقوات النظام، على ما تبقى من المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة. أما تركيا التي بات من أولويات أمنها القومي، منع تمدد القوات الكردية على حدودها من جهة غرب الفرات، فقد رأت في صرف تأثيرها على فصائل المعارضة، كي لا تكون الأخيرة عقبة أمام توافقاتها الروسية والتركية، دافعها للتعهد بحضور تلك الفصائل في مفاوضات أستانا، في مقابل حرص تلك الفصائل على إنجاح المساعي التركية في تثبيت وقف إطلاق النار، تحت وطأة تصعيد قوات النظام وحلفائه لعملياتهم العسكرية، في وادي بردى ومناطق سورية أخرى. كان لافتا، أن التفاوض بين طرفي المعارضة والنظام للوصول إلى اتفاق سياسي، لم يكن هدفاً في أجندة القوى الثلاثة لمفاوضات أستانا. 

كان المطلوب ايصال رسالة للعالم ممهورةً بتوقيع روسيا وتركيا وإيران على البيان المشترك: أنهم القوى النافذة والقادرة على فرض التسوية السياسية في سورية، ولن يقبلوا مستقبلاً بأي أدوار أمريكية وأوروبية وعربية، تنتقص من أوزانهم، أو تضع حلولاً لا تراعي حساباتهم ومصالحهم. واستطراداً لن تحدِّ الخلافات البينية بينهم وهي قائمة في مطارح عدة، من مساعيهم المشتركة في صياغة إطار جديد للتسوية، ليس مقيداً بالمرجعيات والقرارات الدولية وإن جاء على ذكر بعضها، وإنما قائماً على تلبية الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية لكلٍ منهما بالدرجة الأولى. كان ممثلو الاتحاد الأوروبي في أستانا يدركون فحوى تلك الرسالة، ولم تخفِ تعبيراتهم غير المريحة حيالها، عن خشيتهم من مضمونها، وأبعد من ذلك تأثيراتها على تهميش دولهم في الملف السوري، إذا ما قُيض النجاح للدول الضامنة في الاستحواذ على الملف بصورة حصرية. 

من ناحية أوضح، أوجز الرد الأمريكي السريع جداً على مفاوضات أستانا، عشية نشر الخطة الأمريكية للمناطق الآمنة في سورية، أن إدارة ترامب الجديدة لن تقبل بأي حل أو مسار للقضية السورية، يتم دون موافقتها والإقرار بدورها، وبأنها قادرة على إعادة خلط الأوراق، من خلال إثارة مخاوف المسألة الكردية بالنسبة لتركيا وإيران على وجه التحديد. بمعنى أدق، هناك تحديّات جديّة أمام قدرة الدول الضامنة على تامين سكة انفاذ توافقاتها، في ظل متغيرات سياسية من شأنها أن تقلب ظهر المجن. لعلّ تأجيل مفاوضات جنيف4 إلى نهاية شهر فبراير كما صرح وزير الخارجية الروسية، من ضمن لزوم فحص واستجلاء الموقف الأمريكي، قبل التورط في إطلاق عملية سياسية، من المحتمل للموقفين الأميركي والأوروبي تعطيل مفاعيلها وهي لم تزل في بداياتها. 

شاءت رياح الدول الضامنة في أستانا، أن تحصر التفاوض بين وفدي النظام وفصائل المعارضة، بوقف اطلاق النار في المناطق التي تخصهما، وحتى محاولة الروس لطرح فكرة احداث جمعية قانونية تتولى كتابة دستور سوريا والتحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية، كانت جس نبض لوفد المعارضة على مدى استعداده التفاوض في القضايا السياسية، وقد أجاد وفد المعارضة في رفض الفكرة بكل صراحة ووضوح، وكذلك حين رفض قبول مناقشة مشروع دستور( معد مسبقاً ) عرضه ممثلو روسيا عليه، وبذلك قطع الطريق على أن يكون منصة سورية معارضة، تضاف إلى منصات موسكو والقاهرة وحميميم وأستانا سابقاً. كي لا يتحمل مسؤولية في تشتيت التمثيل السياسي لقوى الثورة والمعارضة، في وقت تفرض فيه التحديات الكبيرة التي تواجه الثورة السورية، تحمُّل المسؤوليات الوطنية، في تعزيز وحدة التمثيل السياسي والعسكري والمدني لقوى الثورة، من خلال الحفاظ على شرعية واختصاص الهيئة العليا للتفاوض في أي مفاوضات قادمة، والتمسك بالمرجعيات والقرارات الدولية وبالخصوص بيان جنيف 2012، وعدم التفريط بها أو التنازل عنها، لأنها ضمانة رحيل بشار الأسد وعصابته، وتمكين السوريين من الانتقال نحو بناء سوريا الجديدة، كوطن لكل السوريين وليس كعكة يتم تقاسمها بين الدول. 

التعليقات (1)

    Alialibasha

    ·منذ 7 سنوات شهر
    القرار الأول والأخير لمعلم الجميع.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات