سنوات ترامب الطويلة ...

سنوات ترامب الطويلة ...
بعد أداءه القسم ، وكبداية لفيلم إثارة طويل ،ابتدأ دونالد ترامب عهده الرئاسي بزيارة إلى مقر المخابرات الأميركية في "لانجلي"، وأعقبه بتوقيع مرسوم  عن اعلان الخروج من اتفاقية التجارة الحرة  مع دول المحيط الهادي ، التي أتاحت طوال نصف القرن الماضي بدعم اقتصادات دول المحيط الهادي الناشئة وتحويل السوق الأميركية إلى سوق لتصريف بضائع دول مثل أستراليا و نيوزيلندا والفيلبين وماليزيا، وأتبع هذا المرسوم بالتقوقع مجدداً ضمن خارطة الولايات المتحدة عبر بناء أول جدار يعزل الولايات الجنوبية عن المكسيك الدول الأكثر تصديراً للمهاجرين ،ومن ثم أطلق مرسومه بإعادة التفاوض مع الشركات الكندية من أجل مد خط نفط داكوتا \\كندا ،لمد أنبوب النفط الذي كان الرئيس أوباما قد أوقفه بسبب الأصوات التي تعالت ضده من أنه سيؤثر بيئياً وروحياً على مدافن أجداد الهنود الحمر الذين مارسوا احتجاجاً كبيراً ضده.

بالطبع ترامب لا يعبأ إلا لقيمة النقد والسيولة المالية، حيث أنه قادم من خلفية رجل أعمال ناجح، تحول إلى حوت عقاري ونفطي عالمي، وبالتالي هو سيضرب عرض الحائط بكل أخلاقيات الرؤساء والادارات التي سبقته، تلك التي كانت تأخذ مواضيع من قبل البيئة و تنمية دول الجوار و حقوق المهاجرين و مشاريع انماء دول العالم الثالث، كقيم تحدد مسار سياسات تلك الادارات .

ولكن هل تحتاج أميركا فعلا ً إلى التخلي عن قيم مؤسسيها ،جيفرسون و فرانكلين وواشنطن ،وصولاً إلى حق تقرير المصير مع الرئيس ولسون .

أم تحتاج إلى واقعية مالية اقتصادية ،تنقذ بيتها الداخلي وتقوم برفع أروقة اقتصادها المتداعي بفعل تضخم الدين العام الذي وصل في عام 2016 إلى 20 تريليون دولار وهو ما يصل إلى 98% من الناتج المحلي الأميركي ،ويبدو أن تلك الدولة الحالمة التي بناها الآباء المؤسسون ل الولايات المتحدة بناء على أحلام وآمال ملايين المحبطين الخائبين الخائفين المهاجرين من العالم القديم ، ممن لفظتهم بلدانهم بسبب حروب ومجاعات و انتهاكات جعلت الوطن يأكل فيه أبناءه ،تلك الدولة الطوباوية ،لم تعد موجودة بعد أن تجاوزت تلك الدولة سن المراهقة الحالم بعد  250 عاماً من امتداد ذلك الطور الحالم ، وها هي الدولة الأميركية تحذو حذو جميع امبراطوريات العالم كما رواها ابن خلدون في مقدمته الشهيرة ، وتصل ذروتها الحضارية متخذة الطريق نحو الصراع من أجل الوجود والبقاء ، وليس من أجل تطبيق القيم التي أسست عليها ، و ها هو الرئيس ترامب الذي هاجر جداه لوالده من جنوب المانيا قبل مائة وخمسون عاماً يقف سداً منيعاً أمام أحلام المهاجرين الجدد، وها هو يقوم بتحويل أرض الأحلام الشهيرة إلى "غيتو جديد"، معزول عن المستقبل وعن البيئة والكوكب وحتى عن مواطنيه المختلفين عنه ،فأميركا التي تحوي 192 مليوناً من البيض الأنجلوساكسون ،صوتت بشعبوية كبيرة لرئيس لا يتفاعل مع 35 مليوناً من أصول افريقية و50 مليون من أصول هسبانية ،ويتوقعون أن يقمع بقوة مصير 11 مليون مقيم غير شرعي فيها.

أرقام تجعل الثقل الأخلاقي كبيراً على الادارات الأميركية المتعاقبة وصولاً إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي عصفت بأميركا وكادت تعصف بالاقتصاد العالمي سنة 2008 واستطاع الرئيس أوباما تجاوزها بصعوبة ، ولكن الرئيس ترامب أعلن أنه سيقوم باستباق أية أزمة جديدة بتعديلات جذرية في آلية التفكير الحكومية و الاقتصادية التي أوصلت اقتصاد أميركا إلى هذه الأزمة ،على حد قوله طبعاً ، ولكن المخيف في الأمر أن الأمور تبدو وكأنها تتجه بالاتجاه الصحيح مع الرئيس الجديد الذي ينتظر منه أن يفض اتفاقية الاقتصاد الحر أيضاً عبر الأطلسي مع أوروبا ، فلأول مرة ومنذ 130 عاماً على تأسيسها ارتفع مؤشر داو جونز وتجاوز حاجز 20000 نقطة في بورصة وول ستريت ،بعد اجراءات وصفها الاقتصاديون بالموثوقة والمنتظرة أصدرها الرئيسي ترامب ،مما شكل صدمة كبيرة لجميع المراقبين الذين توقعوا أن يقوم الأخير بادخال الأسواق الأميركية في حيص بيص ، فهل فعلاً يقود ترامب الولايات المتحدة إلى خلاص جديد ، أم هي دورة الاقتصاد المتضخم الذي بلغ اقصى مداه قبل أن ينفجر ، أم هو تحالف جديد من الأوليغارشية ورجال الأعمال الذين سيستنفذون البلاد والعباد من أجل مصالحهم ، على حساب باقي فئات الشعب والعالم بأجمعه ، ولكن الأمر الوحيد المؤكد أن فيلم الرأسمالية الأميركية وصل إلى مرحلة لا يمكننا اطلاقاً أن نشيح بأبصارنا بعيداً عنها، لأن سنوات ترامب ستكون طويلة وبطيئة على الجميع .

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات