مدافع ترامب الإعلامية

لم تنفك مدافع آية الله الخميني عن القصف من باريس إلى طهران طوال فترة السبعينات، حينما استقر رجل الدين الإيراني الخميني في باريس وبدء بشن قصف إعلامي كبير منها على نظام الشاه، حتى سقط نظامه وأسس الخميني الدولة الاسلامية في إيران، التي نعرفها حالياً.

ولكن الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي أعطى لمفهوم الشعبوية معناه العملي في العصر الحديث، استخدم الأسلوب ذاته في تواصله مع الشرائح العريضة التي صوتت له في الانتخابات الأخيرة، فهو يدرك تمام الإدراك أن الفلتر الذي تقوم به وسائل الاعلام والصحافة عادة في توجيه السياسيين وإحراجهم أو تنحيتهم أو تسليط الضوء على أخطائهم أو حياتهم الخاصة، بات أمراً من الماضي، حيث أنه قفز قفزة ما فوق الإعلام، وتجاوزهم جميعاً صحافة وتلفزيونات وإذاعات ولوبيات إعلامية موجهة تخضع للضغط الداخلي تارة والخارجي تارة أخرى، تجاوزهم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي و خصوصاً التويتر، معشوقه الأهم، حيث بات ومنذ لحظة ترشيحه يتواصل بشكل مباشر مع الملايين عبر حسابه الخاص على التويتر، ويوجه الاتهامات والمدائح أو الشتائم أو الهجوم على منافسيه عبره دون أي حاجة لمستشارين أو نصائح مقربين أو لتقييم أو حجب من وسائل الاعلام التقليدية في الولايات المتحدة التي كان للأخيرة أكبر أثر على توجيه الرأي العام خلال السبعين سنة الأخيرة من عمر الصراع السياسي في الولايات المتحدة، ولكن شعبوية ترامب، وفطنته الأصيلة تجعله يحيد عن طريق العوائق التي نصبها لوبيات الإعلام وحيتانه الكبيرة والتي غالباً ما أسقطت رؤساء ورفعت وجوه وعومت مشاريع وقضايا.

وهاهو الآن دونالد ترامب، الرئيس المنتخب لـ الولايات المتحدة الأميركية و قبل أن يصل رسمياً إلى البيت الأبيض، يحرك العالم من مقر إقامته الحالية في نيويورك من أبراج ترامب التي يملكها بنفسه، ومن هناك يوجه الضغوط و الوعيد والتهديد، تارة عبر المراح وتارة عبر الشتائم، لكل من يعبر في خاطره، متوعدهم حالما يصل إلى سدة الحكم رسميا.

وهاهي بورصة أسهم شركة تويوتا تنخفض بمعدل ثلاث نقاط حالما أطلق ترامب تغريدته الشهيرة التي توعد فيها بفرض ضرائب على شركة تويوتا إن هي لم تعمد إلى بناء مصنعها الجديد في الولايات المتحدة وليس في المكسيك كما أعلن مديرها التنفيذي مؤخراً، مما أربك الشركة وأربك حتى جمعية مصدري السيارات إلى الولايات المتحدة من إمكانية جدية تنفيذ تهديد ترامب.

ولكن ما أربك السياسيين قبل الاقتصاديين هو أن دونالد ترامب ليس لديه أي حرج من التغريد بصراحة وبراغماتية حول أي قضية تمس السياسات الداخلية أو الخارجية ل العالم، مما جعل قادة الأجهزة الأمنيين في أميركا والحلفاء في أوروبا من القلق حول افشاءه أية أسرار قومية أو عسكرية أو استراتيجية قد يطلعونه عليها، فهو قد توعد أثناء حملته الانتخابية أنه سيقوم بإفشاء بنود الاتفاق النووي الإيراني كاملة أمام العالم، الذي أبرمه الغرب مع طهران، وظلت تفاصيل كثيرة منه طي الكتمان والسرية.

مما جعل قادة أجهزة الاستخبارات الأوربيين إلى التحفظ على سياسة تبادل المعلومات القصوى مع إدارة ترامب خوفاً من رؤيتها منشورة على تويتر لاحقاً.

طبعاً الرجل ليس بهذا القدر من السذاجة، بل على العكس هو يمتلك قدرة فائقة على مخاطبة الجموع والتأثير على الكتل الانتخابية والشرائح المجتمعية التي صوتت له والتي تشعره بقدر ما من الأمان، في أي خطوة يقوم بها، فذلك النوع من صناع القرار المعتدين بأنفسه ممن لم يتمرسوا في أروقة السياسة الأميركية، أو بمعنى آخر من خارج العائلات السياسية والوجوه المتعارف عليها في الديمقراطية الأميركية، يلجأ إلى حشد أكبر قدر من التصفيق لقراراته السياسية و الإدارية، تماماً كما حكام العالم الثالث ممن يحشدون البشر في الساحات ويجعلونهم يصفقون لهم حتى الصباح، كي يعزز ثقته بنفسه وبما فعل، فكل ما كان يهم ترامب سابقاً كان إرضاء ناخبيه ودفعهم للتصويت له، ناسياً أن علاقة المرشح للانتخابات مع الناس مختلفة عن علاقة الرئيس نفسه مع الشعب،ه ناك في مقر الرئاسة حيث، السرية القصوى وأسرار العالم كلها تفتح أمام رجل واحد هو الرئيس، هناك يجب عليه التعامل بطريقة مختلفة مع الجمهور، حيث قد لا يفيده كثيراً تصفيق الناس له، فهو ليس كجوليان أسانج مؤسس الويكليكس، الذي طالما أبدى ترامب إعجابه به، ولكن مهمته تختلف عن كشف أسرار فلان وتعرية فلان الآخر ،ولكن ربما يكون أحد جوانب شخصية دونالد ترامب السرية هي تحطيم كل الشكل والعرف القديم للمؤسسة السياسية الأميركية التي وكما يقول هو قد باتت بالية ومهترئة وبحاجة إلى تجديد ودماء جديدة ،وحتى نكتشف ماهية الرجل في العشرين من كانون الثاني الحالي، تبقى مدافعه عبر التويتر تصم آذان العالم وتحبس أنفاسه بوجل.