هدنتنا ومفاوضاتهم ... هكذا نقرأها ونتعامل معها

هدنتنا ومفاوضاتهم ... هكذا نقرأها ونتعامل معها
بعكس النظام وأسياده الروس والإيرانيين الذين يعرفون ماذا يريدون ويوجهون جمهورهم وفق ذلك، ترى معسكر الثورة السورية يعج بالتناقضات المستندة إلى قراءات خاطئة أو ساذجة للمشهد أو تلك المستندة إلى تضليل متعمد لمن يريد تبرير ركوبه القطار، ولأصحاب الذاكرة الضعيفة أن يتذكروا ما حصل قبيل جنيف2 عام 2014 حيث كانت المشاركة خيانة حتى أسبوع قبل المؤتمر لتتغير الصورة وعلى لسان نفس "المنتفضين" في الائتلاف الوطني بعد أن أيقنوا أن المؤتمر سيعقد مع أنهم أنذروا بعدم الذهاب إن استمر قصف حلب ثم ذهبوا واستمرت المجزرة في حلب مع إعلان لوقف إطلاق النار لم يلتزم به العدو لحظة.

 وهو ما حصل عند تشكيل هيئة التفاوض ومؤتمر جنيف3 عام 2016 أثناء قصف الغوطة وبعد اغتيال الشيخ زهران علوش ثم ذهبوا والمجزرة مستمرة مع وقف لإطلاق النار لم يلتزم به العدو لحظة وكلنا يذكر التسريبات عن تهديدات "كيري" الوقحة للمعارضة يومها، ونفس السيناريو يحصل اليوم قبل مفاوضات "أستانا" ووقف إطلاق النار الذي رافقه والذي لم ولن يلتزم به العدو للحظة بينما معارضات عديدة منشغلة بالبحث عن مقعد على طاولة المفاوضات.

ما جري خلال الأشهر الأخيرة التي تلت جنيف3 هو سباق مع الزمن من قبل الروس قبل رحيل أوباما وبمباركته "الصامتة"، مترافقة مع صمت السعودي المنشغل في اليمن والمنتظر لرحيل أوباما الذي باعه للإيراني، وتراجع في الموقف التركي للقبول بفتات "غزة" سورية في جرابلس والباب مكتفياً بكسر المشروع الكردي الانفصالي لحزب العمال الإرهابي مغمضاً عينيه عن الخطر الوجودي للإيراني، سباق روسي/إيراني مع الزمن لتثبيت وقائع عسكرية ومن ثم وقائع سياسية تساعد "الروسي/الإيراني/الأسدي" في نجاح مشروعهم لإنهاء الثورة السورية والحفاظ على النظام الطائفي الأسدي كواجهة لإعلان انتصار المشروع الإيراني في المنطقة، ولتثبيت القدم الروسية في الشرق الأوسط من جهة ثانية، وقطع الطريق على مشروع الغاز القطري إلى أوروبا عبر تركيا ووضع اليد على الغاز السوري والتحكم بمسار غاز المتوسط إلى أوروبا من جهة ثالثة، لذلك رأينا هذه الهجمة الوحشية على حلب وسط صمت حلفاء الثورة، ومن ثم المسارعة الروسية للذهاب إلى مفاوضات في "أستانة" تثبت هذه الانتصارات العسكرية سياسياً وتضع إطاراً جديد للتفاوض قبل تولي إدارة ترامب.

لضمان ذهاب المعارضة للتفاوض كان لابد من جائزة ترضية فكانت كما كل المفاوضات السابقة "وقف إطلاق النار" في إطار السياسة المفضلة لدى الروسي/الإيراني/الأسدي (ومعهم الأمريكي كما تسريبات كيري إن كنتم تذكرون قبيل جنيف3) تحت شعار "المفاوضات كما نريد أو نحرق البلد والمدنيين"، فكان أن قدم الروس ورقة وقعتها الفصائل الثورية العسكرية الرئيسية تبين بسرعة أنها مختلفة عن تلك التي وقعها النظام والتي عرضت على مجلس الأمن لإقرارها لتثبيت الوقائع الجديدة دولياً، حيث تم في الورقة المعروضة على النظام ومجلس الأمن ووافقت عليها تركيا استثناء جبهة فتح الشام "والفصائل الإرهابية التي ستعرفها روسيا" من وقف إطلاق النار، كما تم تجاوز وصول المساعدات للمحاصرين، كما تم تجاوز مرجعية بيان جنيف1 وتشكيل هيئة حكم انتقالي.

كما تم تجاوز بيان فيينا والقرار 2254 ليصبح قراراً "استرشادياً" ويثبت الروس كراعي رئيسي للاتفاق السياسي ومراقب للتنفيذ على الأرض بعد أن كان الروس طرفاً، كما يتجاهل وجود الميليشيات الطائفية الشيعية ويركز على أن الأجانب الواجب خروجهم موجودون في طرف المعارضة.

تصوير الروس كمخلصين مقابل الإيرانيين كما يجري تسويقه منذ معركة حلب أمر يثير القرف من هكذا سياسيين ضالين أو مضلين، وينطبق الأمر على تصوير مفاوضات "أستانة" كخلاصٍ وتسويق أن الإيرانيون يسعون لإفشاله بخرق وقف إطلاق النار ما يترتب عليه عدم ربط الأمر بالمفاوضات والإصرار عليها كما يقول جهابذة التفاوض الموزعين ما بين جاهل ضال ومرتزق مُضِلْ، فالأدوار الروسية الإيرانية الأسدية متكاملة، والاتفاق الموقع الذي صادق عليه مجلس الأمن فيه كثير من الألغام الميدانية التي افجرت منذ الساعات الأولى بخرق وقف إطلاق النار بل وتصاعد الهجمات العسكرية بمشاركة روسية غير معلنة مع التلطي وراء مقولة أن الإيرانيين هم من يفعل ذلك وهو أمر غير صحيح فالجميع مشتركون بالأمر ويتوزعون الأدوار مع أن القوى الثورية المسلحة وافقت عليه لتخفيف معاناة المدنيين غير مكترثة كثيراً (مع الأسف) بما يليه من أجندة مفاوضات سياسية هي الأساس مكتفية بتحديد ممثليها بالإضافة إلى جانب هيئة التفاوض كوفد للمعارضة.

 كما يحمل الاتفاق أيضاً (وهو الأخطر)  الكثير من الألغام السياسية والخداع الرخيص عندما تجاوز أطر التفاوض السابقة (على سوءها) كما بدأت موسكو توزع بطاقات الدعوة على وليمة أضحية "الثورة السورية" في "أستانا" كما تشاء، لتدعو معارضات "مفبركة" كمنصتي القاهرة وموسكو وحميميم، وتدعو دولاً كإيران ومصر وتستثني أخرى كالسعودية وقطر، وتدعو الأمم المتحدة وديميستورا كضيف "قلة شرف" وتعد إدارة ترامب بالنظر في إشراكه متجاهلةً أوباما إمعاناً في إذلاله الذي يستحق.

الصراع مستمر وطويل في سوريا لن تحله أجندة مفاوضات "أستانا" المصممة لإنهاء الثورة السورية وتثبيت النظام حتى رأسه حسب التصريحات والتسريبات الروسية التي تتحدث عن بقاء رأس النظام لفترة والمحافظة على كل مؤسساته الطائفية الأمنية والعسكرية والسيطرة الطائفية التامة على الدولة مع إشراك المعارضة "شكلياً" بحكومة "وحدة وطنية" متجاهلة كل القرارات الدولية السابقة والعدالة والمعتقلين والمهجرين وترحيل كل الملفات العالقة إلى قبول أطراف التفاوض لنصدق أن النظام سيوافق بالتفاوض على حلها وحل نفسه وتسليم رقبته لحبل المشنقة.

الأمر ليس أن البعض قد "تعب" البض ويريدون الخلاص بأي طريقة و"إيقاف نزيف الدماء وتدمير ما تبقى من سوريا" كما يعد المهرولون للتفاوض تحت أي شروط وهم يبيعون وهم الخلاص لتبرير عملهم أمام المتعبين من مهجرين ومعتقلين، سواء بحسن نية ورؤية خاطئة أو بسبب ارتزاق البعض الآخر، فالمعركة طويلة والتوقف ولو قبل خطوات وفق المقاربات الحالية يعني ضياع كل التضحيات هباءً، وهنا لا يمكن لوم الناس العاديين بل المسؤولية يتحملها القادة المطلوب منهم رص الصفوف وشرح الوضع وتقوية العزائم ورسم الاستراتيجيات والعمل عليها بانتظار ظرف مناسب لحل سياسي حقيقي عادل "نسبياً"، لا الهرولة للخلاص بأي ثمن.

سيسعى الروس اليوم للإصرار على "كذبة" وقف إطلاق النار مع تجاهل كل الخروقات التي سيقومون بها مع الإيراني والأسدي مع تبريرها "بوقاحة" كما فعلوا قبل جنيف3، وسيطلبون من الأتراك استمرار ضغوطهم على المعارضة لا للالتزام بوقف إطلاق النار بل للذهاب إلى مفاوضات "أستانا" كما حصل في كل المفاوضات السابقة التي تجاوزت جائزة ترضية المعارضة المتمثلة بوقف إطلاق النار، ولأن هذه المفاوضات من مصلحتهم؛  ستبقى عيونهم معلقة على اجتماع "أستانا" لتمريره بأي شكل وهنا بالضبط نقطة ضعفهم التي يمكن استغلالها.

من جهةٍ أخرى إن وقف إطلاق النار مصلحة مباشرة للثورة السورية في هذه المرحلة للالتقاط الأنفاس وانتظار تغير الظروف الدولية والإدارة الأمريكية الجديدة وكذلك للاستعداد لجولات قادمة في صراع مستمر وطويل.

من هنا فإن التهديد الحقيقي المجدي لتثبيت وقف إطلاق النار وإنقاذ المناطق المهددة بالسقوط لا يجدي بنقض المعارضة الثورية المسلحة لتوقيعها على اتفاق وقف إطلاق النار الذي هو مصلحة الثورة السورية، بل بالتهديد بعدم الذهاب إلى مفاوضات "أستانا" الذي هو مصلحة روسية/إيرانية/أسدية وهدف هؤلاء الذي يستعجلونه وهنا فقط سيستجيب هؤلاء غالباً للالتزام به وفق تفسير الثورة لا تفسيرهم.

أثيروا أمر خرق النظام وأسياده لوقف إطلاق النار وتصريحاتهم بذلك وأكدوا علناً التزامكم به، ثم اخرقوه أينما رأيتم مصلحتكم لكن دون إعلان ولا ضوضاء وإن أحرجوكم قولوا بأنكم فقط تردون على خرق العدو في تلك المنطقة تماماً كما يفعل عدوكم، لكن لا تهددوا بتراجعكم عن وقف إطلاق النار الذي هو مصلحتنا، بل هددوا بعدم الذهاب إلى مفاوضات "أستانا" التي هي مصلحة عدونا وعندها غالباً سيستجيب العدو، فإن استجاب فاذهبوا لكن بعد إصراركم على عدم إشراك معارضات ومنصات "مفبركة" وإلا امتنعتم عن الذهاب وغالباً سيستجيبون، فإن فعلوا فاذهبوا إلى المفاوضات وناوروا ما استطعتم لكن لا تقدموا تنازلاً واحدا في الأساسيات: لا بقاء للنظام الطائفي ومؤسساته وخلاص طائفته وضماناتها وقبولها في سوريا الجديدة بعد كل ما فعلت تكمن بقبولها بذلك في إطار دستور مدني وخروج الإيراني.

 ليكون خروج الروسي لاحقاً تحصيل حاصل، ولن يقبلوا بذلك، لكننا نكون قد كسبنا عندها وقتاً لنعيد بناء قيادة سياسية فعالة وطنية مؤمنة بالثورة وأهدافها وحازمة في قيادتها مع   وحدة عسكرية فعلية ونبذ للنتوءات الغريبة، لنتابع ثورتنا حتى النصر المحتم بإذن الله وفق كل المعطيات لمن يحسن القراءة الاستراتيجية.

التعليقات (2)

    يامراقب ارجو عدم التأخير kk

    ·منذ 7 سنوات 3 أشهر
    وحضرتك سيد تللو ليش تارك هالناس لحالها .. ماتنضم للتشكيل وتروح معهم ل استانا وجنيف وغيرها.. آرائك كلها صائبة وتحليلاتك كلها واقعية ودقيقة وكاشفة لكل ابعاد العدو واسراره والاعيبه وخونته... لا نريدك حاملا قلمك فقط.. نريدك ان تحمل لسانك وصوتك العالي الا هناك تساعد المفاوضين في صفوفهم الأولى وتكشف الاعيب العدو وان تتمهلوا بدراستكم لنفسيات وطروحات عدوكم و لقرارتكم قبل الرد ولو بعد أيام .. خذوا وقتكم هكذا يقول الامريكان .. فالهدنة قائمة .. وأول طلب هو ارسال المساعدات الآن بينما نحن جالسون نتفاوض

    جنيد حسن تقال

    ·منذ 7 سنوات 3 أشهر
    تحليل من ذهب،هذه الحقيقه المره. لا بوتين ولا ايات الله ولا المعتوه الاسد حيعطونا شيئ الا بالصرمايه
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات