لماذا ستستمر الحرب في سوريا..؟

لماذا ستستمر الحرب في سوريا..؟
لا يمكن تصور وجود مسار للوصول إلى حل سياسي في سوريا دون وجود حوافز تجعل الأطراف المتحاربة منذ سنوات، يوافقون على المضي فيه. 

اللغة في السياسة تختلف كلياً عن لغة الحروب، رغم اعتبار الحرب فعلاً سياسياً يقوم على أدوات عنفية، ومن ضرورات بناء اللغة السياسية التي سيتخاطب عبرها المتخاصمون، ألا تكون مفرداتها ناقصة، فحين يجلس هؤلاء على طاولة التفاوض، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمتلك طرف كل تفاصيل نجاحه بينما يكون الطرف المقابل ضعيفاً لا يملك ما يسنده في مواجهة خصمه.

ما جرى في سوريا طيلة السنوات السابقة، وعبر تداعيات الثورة، هو أن غالبية المبادرات التي طرحت للحل، والتي اتفقت عليها أيضاً غالبية الأطراف الإقليمية والدولية، كانت تقوم على أن الوضع الذي ذهبت إليه الأحداث يؤكد أن لا سبيل لعودة نظام الأسد إلى حكم البلاد، وأن على المعارضة السياسية والمسلحة أن تضع كل جهودها في سبيل دعم الخيار السياسي، طالما أن "الحوافز"، وهي مفردة أصيلة في لغة المفاوضات، تبنى على رحيل نظام الاستبداد، وعلى بناء دولة عادلة يتمتع أفراد المجتمع فيها بحقوق متساوية، وعلى تداول سلمي للسلطة..

النظام أدرك منذ البداية أن كل الخيارات المطروحة ستفضي إلى رحيله عن السلطة، ولهذا فإن حوافزه للمضي في مسار التفاوض، تبدو ضد مصلحته العميقة، التي تقوم على البقاء في حكم البلاد وقمع شعوبها ونهب ثرواتها، ولهذا كان من الضروري بالنسبة له أن يعطل كل هذه الخيارات، وأن يستدعي الجميع إلى اللغة الوحيدة التي يتقن اللعب بمفرداتها، أي لغة العنف، فكان طيلة الوقت يزيد من جرعات القوة في محاولته لقمع الحراك السلمي، حتى وجد الثائرون أنفسهم مضطرين لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم، في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن أداء واجبه في حماية المدنيين.

حوافز النظام في اتباعه لغة العنف أعلى وأكثر جدوى، فهو يستطيع تبرير كل أفعاله حينما يدعي أنه يواجه إرهاباً من نوع ما، وحينما سعى لأن تتم صباغة الحركات العنفية المضادة بالصبغة الجهادية، كان يحاول المطابقة بين خطته لقمع الثورة، وبين الهوس العالمي بخطر الإرهاب القاعدي، الذي بات منذ بداية الألفية الجديدة عنواناً للسياسة الأمريكية، ومن خلفها غالبية دول العالم. 

وفي المقابل كانت حوافز الثائرين في نهجهم حمل السلاح، دفاعية في البداية، ولكنها سرعان ما ذهبت نحو عتبات هجومية، اضطرد توسعها مع خلط الأوراق الذي تفاعل على مستويين، أولهما دخول الحركات الجهادية على خط الثورة، وثانيهما محاولة الدول الإقليمية فرض حضورها في الملف عبر دعمها لهذا الفصيل أو ذاك، وتوسيع مجالات قوته وسيطرته.

كل ما جرى هنا، كان يتناسب مع خطة النظام الذي كان يدعي موافقته على الحلول السياسية ثم يقوم بتعطيلها عبر اختراع التفاصيل، و إدخال الجميع في المتاهات، بينما كان يزيد من جرعات العنف على الأرض، وبما يشجع الجميع على الانخراط فيه، في حين يتركز جهد أجهزته الأمنية على قتل كل أنواع الحراك السلمي المعارض، حيث كان مصير كل الناشطين الذين ظلوا مصرين على هذا الخط إما السجن وإما القتل، وإما النفي.

نهج العنف، لم يبق دائماً في مصلحة النظام، إذ كان دائماً سلاحاً ذو حدين، فبعد فترة من خسارته لمساحات كبيرة من الأرض، بات تهديد الفصائل المسلحة أكبر من قدرته على صده، لهذا كان لابد من توريط أطراف أخرى، عبر توفير حوافز إضافية، كان منها إضفاء ملامح دينية طائفية على ما يجري على الأرض السورية، فخلقت قصة المقامات الشيعية المقدسة وضرورة حمايتها، شعاراً للتجييش الطائفي، حتى باتت تشبه لواء الصليب في الحروب الصليبية، ورغم أن أقل الناس معرفة بشؤون التاريخ كان يدرك بأن فتح هذا الباب على مصراعيه سيعني خلق حوافز لدى السلفية الجهادية ليكون عنفها مبنياً على "مظلومية" مضادة، ما يعني توسعاً في الحرب، إلا أن النظام كان يريد لأعدائه أن يخوضوا في هذه اللجة، فهو الرابح من تصعيد العنف المشوب بالارهاب والطائفية. ، فهو يمتلك أدوات القوة، كما يمتلك دعماً غير محدود من قبل حلفائه، كما أنه يمتلك الإطار الإعلامي الذي يبرر له كل ما يفعله، فالجميع يخشى الإرهاب، ولاسيما ذلك الذي تزينه الرايات السوداء، وتتصدره صور الذبح، والذقون والألبسة الأفغانية، وغير ذلك من علامات كانت تجعل السذج، لا يرون توزع الأدوار في صناعة المشهد، قدر توقفهم عند سطحه الظاهر.

مراجعة بسيطة للأدوار التي قامت بها الفصائل الجهادية المسلحة، بالتوازي مع الأدوار المقابلة للميليشيات الطائفية التي تم استقدامها لتقاتل بجانب النظام وفق أجندة إيرانية لا تخفى على أحد، توضح كيف أن الحوافز لدى الجميع تبدو متكافئة، طالما أن أرضية المجابهة كانت تقوم على أفكار دينية، لا على مبادئ قامت الثورة من أجل تحقيقها. وهكذا يمكن استرجاع حوادث كثيرة ومواقف شتى، كان عنف النظام فيها يتجه صوب معارضين سلميين، وفي الوقت ذاته، كانت الفصائل المسلحة، توجه كل فعاليتها لقمع الناشطين السلميين واختطافهم وتغييبهم، في حال لم يرضخوا لها، ولم يغادروا مناطق سيطرتها. 

لعبة الخداع ذاتها، قامت بها القوات الروسية، في تدخلها في الحرب السورية، فظاهرياً كان الدافع هو مكافحة الإرهاب الداعشي، ولكن الشعار الحقيقي كان يقول: أن كل من يحمل السلاح في مواجهة النظام هو إرهابي، وبينما كانت الميديا الروسية وقبلها تصريحات دبلوماسييها تدعي أن الطيران الروسي يدك معاقل داعش، كانت الوقائع والأرقام توضح كيف أن الجهد العسكري الروسي العنيف جداً كان يتركز على مواقع فصائل الجيش الحر، وبعض الفصائل الإسلامية المعتدلة.

وبالتزامن مع حوافز إيران الطائفية والأيديولوجية، كانت حوافز الروس مصلحية مافيوزية، تهدف إلى الضغط على الغرب من أجل إجباره على الجلوس على طاولة تفاوضية تشمل ملفات عالقة في أوكرانيا وفي القفقاس وفي شرق أوروبا، بالإضافة إلى ملفات النفط والغاز، عبر أداة ضغط هي الملف السوري، الذي بات يؤثر على العالم الغربي من خلال أزمة اللاجئين، وعمليات داعش الإرهابية. وبينما غرق الأوروبيون في الواقع السوري من خلال محاولتهم التخفيف من تداعياته عليهم، كان الأمريكيون يميلون إلى الانسحاب الفعلي من التأثير، بحوافز تقوم على توريط الروس، وإضعاف الجميع، وصولاً إلى مرحلة يمكن فيها فرض شروطهم للتسوية.

ضمن هذا الوضع المعقد، لايبدو أن هناك أي أمل في تحقيق أي انفراج سياسي، إذ لا يوجد أي حوافز لدى الأطراف من أجل المضي في مفاوضات تحقق الخطوات التي تضمنتها البيانات الدولية الملزمة، وينطبق هذا الأمر على الدعوة الروسية التركية من أجل مفاوضات في في العاصمة الكازاخية أستانة، التي تأتي بعد ما جرى ويجري في مدينة حلب، فبدون أفق سياسي يتضمن حوافز أساسية مثل رحيل نظام الأسد ومعه الميليشيات الطائفية التي غزت الأرض السورية، لن يلقي السوريون في جميع الفصائل وعلى تعدد أنواعها ونزعاتها وميولها السلاح، لا بل إنهم سيسعون للحصول على المزيد من أدوات القوة، طالما أنهم يجدون أنفسهم وحيدين في مواجهة أعدائهم، في ظل إغماض العالم عينيه عن رؤية ما يجري. 

التعليقات (3)

    سوري

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    قال كاتب المقال الآتي (إلا أن النظام كان يريد لأعدائه أن يخوضوا في هذه اللجة، فهو الرابح من تصعيد العنف المشوب بالارهاب والطائفية. ، فهو يمتلك أدوات القوة، كما يمتلك دعماً غير محدود من قبل حلفائه، كما أنه يمتلك الإطار الإعلامي الذي يبرر له كل ما يفعله ، فالجميع يخشى الإرهاب ، ولاسيما ذلك الذي تزينه الرايات السوداء ) ونسي أخونا الكاتب أهم نقطة جوهرية وهي أن العالم كله مع بشار , ولن يقف مع الشعب السوري حتى بني دينهم وجلدتهم , وظهر وبكل أسف أن التعاضد الشيعي كسب هذه الأدوات مائة بالمائة .

    من الداخل السوري

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    هل انتهى النهم الدولى وولع النظام العالمي برؤية دماء السوريين تسيل عندما يصار الى التوقف عن تقديم الوقود الايراني الطائفي للنار السوريه عندما يقتنع الدب الروسي ان تدمير البيوت فوق رؤوس السوريين لا يشكل اي ضغط على الغرب ولو دمرت سوريا باكملها واصبح الروبل في مهب الريح وعادت روسيا متسولة على ابواب البنك الدولي فلن يشعر ترامب بتانيب الضمير عندما يشعر السوريين بخطر المال السياسي ويعودون الى وحدة الهدف ووضع اهداف من هو خارج الحدود جانبا في ذالك الوقت ابدا بالعد التنازلي لماسات السوريين

    كوردو

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    مقال جيد ولكنه ناقص لانه لم يقل كل الحقيقة واخفى الارهاب التركي الاوردغاني في دعم ارهاب داعش وتصديرهم الى سوريا ثم انبطاح السلطان التركي اوردغان والركوع ل القيصر الروسي بوتين وتسليمه مفاتيح ابواب حلب وسحب المرتزقة وتجار الحروب الذين تحولوا الى بندقية ل اجندة تركية لحماية حدوده ك كلاب حراسه والقضاء على كل احلام الحرية للشعب السوري كما كان في بدايته والقادم سيكون اسؤء لان التامر الاوردغاني لن يتوقف عند ابواب حلب وانما عليه تنفيذ اوامر بوتين سمعة وطاعة في القضاء على ثورة الشعب السوري
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات