نتظاهر "دفاعاً عن النفس"

نتظاهر "دفاعاً عن النفس"
سوريا بشكلها الجديد الذي عرفناه منذ ستة أعوام يبدو أنه ترسخ منهاج حياة لأهلها أو لجلهم، رغم ما قاسوه وعانوه خلال السنوات الماضية، إذ لا يمكن لأحد اليوم في العالم أن ينكر حجم المأساة التي تسبب بها نظام الأسد في سوريا ومعه الروس والإيرانيون ومن جلبوا من مليشيات ومرتزقة، لا بل يمكن القول إن ما جرى في سوريا هو الأكثر مأساوية منذ الحرب العالمية الثانية على صعيد القتل وحجم الموت والدمار.

 ما يمكن اليوم الوقوف عنده في ظل هذا الكم من الأحداث التي ترافق تهجير الناس من أرضهم وإفراغ مدن كاملة كحلب وقبلها داريا ومدن ريف دمشق، في جريمة لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث، يمكن الوقوف عند تعبير الناس في سوريا عن شعورهم بالغضب ومطالبهم بالتظاهر، وفي ذلك عودة لروح الثورة التي حسب البعض أنها انتهت بفعل براميل الأسد أو بفعل صيغ الحكم التي كانت قائمة في مدن وبلدات سوريا المحررة، لا يمكن اليوم البحث في المطالب التي يرفعها المتظاهرون وهي حكما مطالب محقة وإن تركناها اليوم لما للحدث من وقع عظيم، فهو تأجيل لحديث ومكاشفات لاحقة لابد منها بين الجميع، حتى يكون الدرس الأخير في النصف الثاني من هذا العام درسا ملهما لقادم الأيام.

 لكن الأبرز هو نشوة لا مثيل لها تقابل شعور الانكسار الذي يعاني منه بعضنا، نشوة تحمل الأمل واليقين بأن الثورة بشكلها الأول وبفطرتها الأولى لم تمت لكنها غابت لعوامل عدة، وهذا الوقت كان آوان عودتها لنشهد تظاهرا أمام مقرات كل الفصائل العسكرية وفي كل الأماكن ومطالبات سلمية بضرورة التوحد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرض، يحاججني البعض بأن قرارا بتسليم المناطق قد اتخذ سابقا ومايجري الآن ليس إلا الصيغة التنفيذية للصفة الإقليمية التي عقدت واطلعت عليها بعض الفصائل الفاعلة، ولا جدوى من كل هذه الأفعال والمطالبات، قد أرى في هذا اتهاما لا أبرأ منه أي من الدول التي تشتغل لمصالحها أولا.

 لكني أقف مليا أمام الاتهام للفصائل هل هو حقيقي أم أنه محض افتراء؟ ليس لدي الجواب القاطع ولكني أراقب عن كثب كل يجري وأرى أحقية الناس بالمطالبة بالوحدة والدفاع عن الأرض وهذا بحث طويل، فمن فرض عليه القتال في سوريا ولبى نداء الدفاع عن نفسه وماله وعرضه لا يمكن أن يبيع اليوم قيمه ويعقد صفقات تسليم، لكن ماذا عن المشاريع التي كانت تديرها فصائل وقوى محلية طوال السنوات الماضية هل وصلت لمبتغاها وكان آخر المطاف أنها دخلت في دهايز الصفقات مع اللاعبين وأصبحت جزءا منها مما اضطر الناس اليوم وهم يعيشون تحت حكم هذه الفصائل والقوى ويرون أخوة لهم في حلب يقتلعون كما اقتلع قبلهم سكان ريف دمشق من بيوتهم ويهجرون بعد أن بذلوا الدماء والغالي والنفيس من أجل لحظة الحرية، الناس خرجوا هذه الأيام للتظاهر دفاعا عن أنفسهم أولا وثانيا عن حلب ولسان حالهم يقول لكل من يحمل السلاح أو ينطوي في فصيل مسلح "حاكم" إن لم تستطيعوا سوى حكمنا ولم تستطيعوا الدفاع عنا وقت حاجتنا للدفاع فما جدوى وجودكم، لا أستطيع الحكم بالجدوى والأحقية لكنني منحاز تماما للسوريين وهم يرفعون أصواتهم مجددا وراياتهم وسلاحهم حناجرهم فهذا أس الثورة وعصا سحرها.

في العام 2011 و2012 كان إحصاء المتظاهرين مستحيل، وكنا نستبدله بإحصاء نقاط التظاهر في سوريا وكانت تبلغ المئات في كل يوم إلى أن حول الأسد وقواته ومليشيات أرسلتها إيران البلاد إلى ساحة حرب "مفروضة" لا مناص منها، واجهها المتظاهرون أنفسهم لكن بحلة مقاتلين وقدموا دمائهم دفاعا عما اكسبتهم إياه المظاهرات من حرية، وبعدها تغيرت الحال وحسبنا منهج الحرب وطابعها طغى، وما وفر الأسد أسلوب قتل إلا واستخدمه للقتل، فقتل كل شيء إلا روح الثورة، ولا يعتقد أحد أن التظاهر ضد ممارسات فصيل أو أمام مقر فصيل يختلف عن التظاهر ضد النظام، فالثورة واحدة والكرامة واحدة، والروح واحدة ولا مجال لشامت من تبع الأسد يقول "هاهم اختلفوا وقتل بعضهم بعضا"، فالثوار الحقيقيون لم يفنوا لأنهم الشعب، وإن أي اختلاف هو مرحلي والأصل هو الثورة باقية في الضمائر هكذا أراها وهكذا يراها من رفع صوته ضد الأسد وحكمه وضد أي أحد أخر فالحرية صالحة لكل زمان ومكان.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات