لا تحلموا بنجاح الثورات حتى لو قادها الرقاصون والرقاصات

لا تحلموا بنجاح الثورات حتى لو قادها الرقاصون والرقاصات
لا شك أن هناك ألف عيب وعيب في الجماعات الإسلامية إن كانت فعلاً مستقلة وليست مجرد أدوات، وخاصة على صعيد التناحر والتنافس والتكفير فيما بينها، فعلى الرغم من أن الإسلاميين يرفعون دائماً الشعار الإسلامي العظيم : "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" إلا أنهم أكثر من يضرب عرض الحائط بهذا الشعار، فهم لم يدخلوا منطقة إلا وتقاتلوا فيما بينهم، ولم يوحدوا صفوفهم، وتصارعوا على المغانم وإقامة الإمارات بدل أن يرصوا صفوفهم، ويكونوا كالبنيان المرصوص. تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى. لا شك أبداً في أن الجماعات الإسلامية وتشرذمها واختلافاتها الفكرية والدينية جعلت الجميع ينظرون إليها على أنها لا يمكن أن توحد صفوفها، وتملك مشروعاً، وتحقق الأمن والاستقرار فيما بينها، فما بالك أن تحكم المجتمعات وتبني دولاً، وتجمع الشعوب تحت لواء واحد. لا أحد يمكن أن ينكر هذه التهمة الموجهة للجماعات الإسلامية التي فضحت نفسها أثناء الثورات ونفّرت الكثير من الناس حتى انفضوا عنها وفضلوا العودة إلى أحضان الطواغيت بدل أن يلتحقوا بصفوفها. 

ولا أحد ينكر أن تلك الجماعات ساهمت في تثبيت الطغاة بعد أن قدمت نموذجاً أسوأ من نموذج الطغاة في بعض الأحيان. لكن مع كل هذه الانتقادات للجماعات الإسلامية، فلا يمكن أبداً تحميلها وحدها فشل الثورات أو لنقل تعثرها في بلدان الربيع العربي. لا شك أن الإسلاميين أخطأوا، لكنهم ليسوا المسؤولين الوحيدين عن مآلات الثورات ونتائجها فيما لو كانوا فعلاً ثوريين صادقين وليسوا مجرد طابور خامس في أيدي القوى الدولية. من السخف القول إن الغرب توقف عن دعم الثورات بعد أن دخل على خطها الإسلاميون أو خطفوها. لا أبداً. ربما استغل البعض ارتداء بعض الثورات ثوباً إسلامياً كي يشيطنها ويتوقف عن دعمها، أو يقف ضدها، لكن السبب الرئيس في امتناع الغرب عن دعم الثورات والعمل على إنجاحها لا يتعلق أبداً فقط بوجود عناصر وفصائل إسلامية داخلها. 

دعونا نعترف أن لا مصلحة لجهات كثيرة في الغرب وفي المنطقة في نجاح الثورات، وبما أن أمريكا وإسرائيل تحديداً لا مصلحة لهما أبداً في تحرر الشعوب وظهور ديمقراطيات جديدة في المنطقة على حدود إسرائيل، فهذا بالضرورة سيجعل أطرافاً كثيرة تدور في الفلك الأمريكي والإسرائيلي تمتنع عن دعم الثورة، وربما تعمل على وأدها وإفشالها بشتى الطرق، بغض النظر عمن يقوم بتلك الثورات. بعبارة أخرى، فإن الغرب وإسرائيل تحديداً لا تخشى من الإسلاميين، بل تخشى من أي قوى وتيارات شعبية علمانية مدنية جديدة تطالب بالتغيير، حتى لو كانت تلك التيارات تيارات ليبرالية أو حتى ملحدة تابعة لحزب الرقاصات والعرصات والمعرصين. 

ليس صحيحاً أن أمريكا خصوصاً والغرب عموماً يفضل القوى العلمانية غير الدينية على الجماعات الإسلامية في المنطقة، لا أبداً، بل إن الغرب يفضل الديكتاتوريات العسكرية المستبدة حصراً لأنها تضمن حماية إسرائيل والمصالح الغربية في المنطقة، وتقمع الشعوب، وتدوس عليها، وتمنع أي نهضة ديمقراطية وعلمية وصناعية وحضارية مما يخدم مصالح القوى الغربية. بكلمات أخرى، فإن إسرائيل وحلفاءها الغربيين لا يحبون الجنرالات العرب الحاكمين لأنهم علمانيون، بل لأنهم بالدرجة الأولى يحققون المصالح الغربية من خلال ترويض الشعوب وإبقاء المجتمعات العربية في حالة تخلف وخمود كي تبقى إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. إن هؤلاء الديكتاتوريين العسكريين ليسوا سوى كلاب صيد لصالح الإسرائيلي والأمريكي. لهذا منع الغرب سقوطهم، أو استبدل بعضهم بأسوأ منهم في بعض بلدان الثورات، وربما أيضاً تعاون معهم في خلق الإرهاب والإرهابيين لتخريب الثورات. 

إن تعثر مسار الثورات ليس سببه الإسلاميين ولا أسلمة الثورات فقط، فحتى لو كان الثوار يلبسون التي شيرت والسراويل القصيرة، ويرقصون مثل مايكل جاكسون، ويستخدمون عطورات إيف سان لوران وشانيل، ويشربون البيرا والويسكي والكوكاكولا في حروبهم، لما سمحت لهم أمريكا وإسرائيل أن ينتصروا في سوريا وغيرها. لا تحلموا أن يناصر ضباع العالم ثورة الشعب السوري حتى لو رفع الشعب راية كفار قريش، لأن إمتلاك الشعب لحريته وقراره يعني نهضة تخيف إسرائيل والغرب، وتشكل أكبر خطر عليها. وهذا ينطبق على جميع الشعوب الحالمة بالحرية، والباقي تفاصيل. 

لو لم تظهر الفصائل الإسلامية التي يتهمونها الآن بتخريب الثورات، لكان أعداء الثورات قد صنعوا ألف بعبع آخر لتخريب الثورات غير الإسلاميين. هل تعتقدون أن الاستخبارات الأمريكية التي تراقب دبيب النمل في بلادنا لم تكتشف أن المخابرات السورية كانت تصنع وتربي المتطرفين الإسلاميين في سجونها وفروعها الأمنية لاستخدامهم ضد الثورة في الوقت المناسب، أم إن الاستخبارات العربية المختصة بصناعة التطرف الإسلامي تعمل أصلاً لدى الاستخبارات الأمريكية في هذا المجال، وأن الإسلاميين مهما كانوا أقوياء يبقون مجرد أدوات يتم تحريكهم لخدمة مصالح الكبار كما شاهدنا في أفغانستان وسوريا وغيرها؟. المشكلة باختصار ليست أبداً في الإسلاميين فقط، بل في إرادة دولية وإقليمية وحتى عربية قذرة لإجهاض الثورات، وخاصة في سوريا، لأنها لا تناسب مصالحهم وأنظمتهم. المرفوض إذاً ليسوا الإسلاميين إن كانوا صادقين أو مجرد عتلات، بل المشكلة في أي فصيل، أياً كان توجهه، يريد أن ينتقل بشعوب المنطقة من حالة التخلف والاستبداد إلى حال الديمقراطية والنهضة.

التعليقات (21)

    سلام سليم

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    رائع جدا حكي صحيح جدا والله وواقع أليم برافو والله برافو

    ابو نور

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    دكتور فيصل مقالك كالعادة رائع قلت ما نريد قوله بحرفية عالية شافى و كافى كما يقولون لكن يبقى الامل و الثقة بالله و فى الشعوب الواعية و دماء كل الشهداء لن تذهب هباءا و الغرب لن يعرف السلام بعد ما حدث فى سوريا و بشار لن يعود الاسد و المنطقة لن تعود كما كانت

    محمد من ليبيا

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    لماذا دعمتم الثورات منذ البداية , أذا كنتم تعلمون ان الغرب لن يسمح بحصول مثل هذه الاشياء في البلاد العربي والاسلامي

    محمد العبادي

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    نحن كالدمى يلعب بنا كيف يشاءون ولن تقوم لنا قائمة الاسلاميون كالاخوان منظمات ماسونية كالصهيونية يقطفون ثمار الثورات ويشربون دم الشهداء ولبءس ما يصنعون فالنصبر والنحتسب إلى الله والذي يحدث هو لصالح الاسلام وسيخرج من تحت ركام الموصل وحلب جيل الصحابة وتفتح لهم مدائن كسرى وهرقل

    ابو ضامر

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    يا استاذ فيصل بختصار شديد نحن نعيش تحت أكذوبة جعلوها حقيقة و منها قامت حقائق(العلم ونظرياته) و اكاذيب(الدين و ارهابه)

    ‏!‏!!

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    استاذ فيصل هذه الجماعات ليست اسلامية و هذه الثورات نهى عنها العلماء لعدم المقدرة و الحسم و رجحان المفسدة بسفك الدماء المسلمين و انتهاك اعراضهم هؤلاء ليسو من اتباع السلف الصالح هؤلاء اخونج يختلون الدنيا بالدين

    الأمغاري

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    ومحاربة تركيا وأردوغان غفضل مثل وأقوى دليل على هذا الأمر

    مسلم

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) فكفاك شيطنة للاسلاميين وترويج للعلمانيين. تريد النهضة والرفعة فراجع دينك.انتهى

    wagawaga

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    دائماً الغرب هو المسؤول. كفوا عن هذه السخافات لأنها لم تعد تنطلي على أحد. الثورة السورية خانها أصحابها و لا لوم إلا على السوريين أنفسهم.

    بطرس

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    نعرف هذا الشئ من زمان الاستقلال الكاذب . لكن ماهو الحل ياجماعة الخير ؟؟؟!!!

    نور بارسباي

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    ان الذين ادعوا بانهم اولياء الله على الارض بكافة الوانها و مسمياتها .فشلوا في ادارة الثورة .و في ادارة الشؤن المدنية حتى في المناطق التي كانت تحت سيطرتهم و اثبتوا للعالم بانهم غير مؤهلين في ادارة شؤون الدينا و ما عليهم الا ان يعتكفوا في صوامعهم بعيدا عن العباد لانهم لن يجدوا نصيرا بعد الان. وان انسان القرن الحادي و العشرون لا يقبل ان يتعامل بمفا هيم القرن السا دس ان كان من الغرب اوالشرق,وان فصائل حزب الله الاجرامية و الفصائل الكردية يوحون الى المتابع بانهم الافضل شكلا وتنظميا من ثوار السنة

    ابن صالح

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    مقال رائع لكنه متحامل بعض الشئ على الاسلاميين

    ااحمد

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    كﻻمك صحيح لكن ماهو الحل الحل هو في تنفيذ كﻻم ربنا القوى العزيز

    !!!!!!

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    توضيح للتعليقين اللذان يحملان نفس العنوان يحرم الخروج على حكام المسلمين مثل حكام الاردن و الامارات و مصر اما سوريا فيحرم مع انه كافر اما و قد ثاروا الان فلا اعلم حكم التوقف او الاستمرار لاني قصدت الحكم قبل الثورة

    !!!!!

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    الحاكم الكافر كفر يخرج من الملة يشترط للخروج عليه القدرة لعدم توريط المسلمين بسفك دمائهم و هتك اعراضهم فلماذا ورطت هذه الجماعات المسلمين

    عبد الله

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    تأخرت بهذه المقولة جدا يا دكتور! ولكن كما يقول المثل: ان تأتي متاخرا أفضل من ان لا تأتي ابدا. اضافة بسيطة أرجو ان لا تحذف: تقاتل العرب فيما بينهم من المعلوم تاريخيا ومنذ القدم، وهو الوتر الذي لعب عليه الشرق والغرب لتحجيمهم وهو ماكان، حتى جاء الاسلام فوحدهم وصارت لهم دولة وهيبة، وهو ما يحاول فعله اليوم البغدادي وجماعته، بغض النظر عن منهجهم المتطرف، والذي ربما كانت له اسبابه من وجهة نظرهم هم. ولذلك نرى الشرق والغرب اجتمع وأجمع على قتالهم واستئصالهم، لاستئصال فكرة ومنهج وليس استئصال أشخاص،،

    سعيد السعدي

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    يبدأ المقال بمدح الإسلام و يعرج على مدح العلمانية، أي المسيحية ! بما أن الأصل النظري للعلمانية هو حث الإنجيل: "إعط ما لله لله و ما لقيصر لقيصر"! و حق قيصر هذا هو ما برر للغرب إبادة الشعوب على مر تاريخه. و من أجل هذا الحق لازال الغرب يعتبر نفسه مسيحيا حتى و إن رمى المسيحية وراء ظهره. كما أن إسرائيل تعتبر نفسها يهودية و إيران شيعية. مع الفارق أن التشيع دين بشري مائة بالمائة. لذلك يفتخر الشيعي حين يقتل، في حين قد يندم الغربي أو الإسرائيلي بعد حين. لبعض ما احتفظ به ديناهما من تعاليم السماء.

    ابومحمد

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    ياسيد فيصل ليش مين عم يقود الثورات غير الرقاصين والرقاصات ان شالله امفكر انن بكم صيحة تكبييييير صاروا ثوار هدول والله غوار مو ثوار هدول ثوار قرى ثوار معامل ثوار تلال ثوار مسميات والقاب وابو فلان وابو علتان وقبو مابعرف شو هدول اللي عم يسموهن ثوار والمساكين الناس لازالوا عاقدين عليهم الامل الان يفكروا يفكككروا بتوحيد الفصائل ونسيوا اخوات ال..انو في ناس مو مصابة بفقدان الذاكرة وقرات الف خبر ونبا وانباء عن توحيد البصائل من اربع او خمس سنين والى الان ومافي غير هات وخود وخود وهات اخدنا حندرات استردو

    قارىء

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    ممم ... لا أعتقد

    سوري

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الاجسام بالعلل

    ابو حمدي

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    مالت عليك اذانت فهمان من اسلامك شي.... ماقاله السيد فيصل القاسم هو القاسم المشترك لما يحدث الان فهؤلاء ليسوا اكثر من تجار حروب انتهازيين لا علاقة لهم بالجهاد ولا بالحياد ورطوا المساكين اصحاب النوايا السليمة ولكن الجاهلين بمعنى الجهاد فوقعوا بشراك هؤلاء الوصوليين اذناب وعباد الدولارات والمسميات فاين انت مما تقول جهاد ومهاد روح اتعلم وبعدين انتقد يالله وترحل اذلف.....ايش عم تخربط وتعربط اي جهاد يا حبيبي خربتوا بيتكم وبيوت العالم بجهلكم بابسط قواعد دينكم ............................................
21

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات