لا أنتمي لجيل صادق جلال العظم

لا أنتمي لجيل صادق جلال العظم
أنتمي لجيل الثورة السورية، لجيل رضع الخوف من صدر أمه، وقرأ الكتب الممنوعة اجتماعياً أو دينياً أو سياسياً بالخفية، لجيل خبأ بعض القصائد السياسية التي تشتم السلطة بين خشب سقف الغرفة القديم، وخرجت من سوريا بدون أن أتذكر أين وضعت تلك القصاصات.

أنتمي لجيل قرأ صادق جلال العظم، ولا أنتمي لجيله، وتابع بفرح مواقفه من الثورة السورية التي تخلى عنها أدونيس فتلقفها العظم، أنتمي لجيل هرول بين سطور "نقد الفكر الديني" ليصل للسطر الأخير، دون أن يرف له جفن أو تغمض له عين قبل أن يصل للصفحة الأخيرة، وأما ما بعد الصفحة الأخيرة، فهو جبل كبير من الاسئلة والشك واليقين، ولعل "نقد الفكر الديني" الذي كتبه العظم عام  ١٩٦٩ والذي اشتهر به صادق، وكان ولا يزال مثار اهتمام القراء، جدير بأن يضع جيل كامل أمام أسئلة لا حصر لها. 

لا تجربة شخصية لي مع المفكر العظم، لأكتبها وأوثقها وأنشرها على صفحتي الفيسبوكية كما سيفعل الكثيرون، ولا صورة تجمعنا لأنه لم تجمعنا أي مناسبة لا ثقافية ولا اجتماعية، ولست صديقة ولا قريبة ولا جارة، أنا ببساطة صحافية سورية ترك خبر وفاة المفكر السوري أثراً عميقاً في نفسها، ورغم أنني لا أملك من الذكريات ما يجعلني مؤهلة لنعيه، إلا أنني أملك من كلماته هو وآراءه وانتقاداته ونظرياته، ما يجعلني أكتب عنه كواحد من أهم مثقفي سوريا الحقيقيين، وأحد أهم الأجوبة التي نشير لها كلما تعامل معنا العالم على أننا بلد داعشي بالفطرة.

صادق جلال العظم، واحد من قلائل اضطهدتهم بيروت بسبب رأيه،  إذ أنه تعرض إلى المحاكمة والملاحقات القانونية في بيروت وتم سجنه عدة أيام بسبب كتاب "نقد الفكر الديني"، بحجة إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعنصرية، أو الحضّ على النزاع بين مختلف طوائف الأمة أو تحقير الأديان، بالرغم من أن الكتاب كما جاء في حيثيات الحكم الصادر بحق العظم يضم مقالات، ما هي إلا "أبحاث علمية فلسفية تتضمن نقداً علمياً فلسفياً".

وصادق جلال العظم كان من أنصار الفكرة التي تقول أن المجتمع الدولي ترك النزاع في سوريا يطول ويتعسكر، معتبرا أن عزوفه عن مساعدة الشعب السوري في البداية خلق فراغاً ملأته الجماعات الإسلامية المتطرفة المرتبطة بالقاعدة.

وصادق جلال العظم السوري لم يخذلنا في ثورتنا كما فعل كثيرون من مثقفي سوريا، فقال رداً على سؤال "كيف يقف مؤلف "نقد الفكر الديني" مع ثورة خرجت من المساجد؟" مع موقع الجمهورية، قال أنه سبق وأن وقف مع ثورة الشعب الإيراني، على الرغم من أن الدور القيادي لرجال الدين وآيات الله، وأن "اليسار"، في تلك الأيام، كان برمته تقريباً مؤيداً لثورة الشعب الإيراني، وداعماً لها، ومهلّلاً لخطابها، على الرغم من خروج المظاهرات يومها من المساجد والحوزات، وربما بجوابه هذا رد للسوريين جزءا صغيراً من حقهم المعنوي باتهام ثورتهم بأنها إسلامية منذ يومها الأول، وتابع العظم إجابته "... هل يمكن لمؤلف "نقد الفكر الديني" أن يتقاعس أو يتخاذل في مسألة الوقوف مع ثورة الشعب السوري على حكم تفوق في طغيانه وقتله وتدميره على سوموزا وبينوشيه وجنرالات الأرجنتين وشاه إيران مجتمعين كلهم معاً؟ التناقض هنا ليس عندي، بل عند الذين انتصروا في يوم ما لثورة الشعب الإيراني ولـ لاهوت التحرير وكنائسه ولحركات التحرر الوطني في كل مكان تقريباً، ولكنهم يرفضون الانتصار لثورة الشعب السوري بذريعة أن مظاهراتها واحتجاجاتها تخرج من الجامع وليس من دار الأوبرا أو المسرح الوطني على حد تبرير أدونيس".

لم يعنيني يوماً أن المفكر العظم دمشقي المنشأ، ولم أفكر أن وفاة شخص "حتى لو كان مفكر سوري كبير" سيترك ذلك الأثر، ولم أحاول تسويق كتبه انطلاقاً من أن من يريد المعرفة عليه أن يبحث عنها، ولم أكتب عنه، ولم أستطع الحصول على حوار معه، وفوّت ندوة في البلد التي أقيم فيها مخصصة للكلام عنه لأني لا أحب التأبين، ولكنني اليوم أشعر بحزن عميق، مع غياب سوري صادق ومفكر أعطاني إمكانية أن أفخر بانتمائي لنفس البلد الذي أخرج واحد من أهم المفكرين والفلاسفة العرب في العصر الحديث، أنا حزينة جداً لغياب صاحب " الحب والحب العذري"، "فلسفة الأخلاق عند هنري برغسون"، "دراسات في الفلسفة الغربية الحديثة"، "النقد الذاتي بعد الهزيمة"، "نقد الفكر الديني"، "دراسات يسارية حول القضية الفلسطينية"، "الصهيونية والصراع الطبقي"، "زيارة السادات وبؤس السلام العادل"، "الاستشراق والاستشراق معكوساً".

التعليقات (3)

    نظال نعيثة

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    ماشاء الله

    عادل

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    لا حول ولا قوة إلا بالله

    سعيد السعدي

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    عظمة و لو طارت. إصرار مازوخي على أفكار لا يمكن أن تصلح في زمن تدمير الشعوب. فقط لكي يرضى عنا العالم. أي الغرب المجرم. لا أدري كيف لا تفهم بنت ثورة كالثورة السورية أن العلمانية إنتحار حضاري لا فائدة منه بما أن الغرب العفن لن يكتفي بإنتحار المنتحر بل سيطلب منه أن يقتل كل ما يحب و بعد أن يفعل سيطلب منه أكثر و أكثر ... و لن يرض عنه. بين قوسين: العلمانية العربية مرتبطة عضويا بالغرب بما أنها هي عقدة الخواجة بالذات، لذلك لا يمكن الحديث عن الواحدة دون الآخر.
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات