التسوية التاريخية تحت شرفة فيلق قاسم سليماني

التسوية التاريخية تحت شرفة فيلق قاسم سليماني
وزير خارجية النظام الحاكم في سوريا، وليد المعلم، وأثناء مؤتمره الصحافي الذي جاء متسارعا لرفض مقترح المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا حول إقامة إدارة ذاتية في شرق حلب، قال في إجابته عن سؤال حول الدور الروسي في سوريا: تمنيت لو وجه لي هذا السؤال في بداية المؤتمر، ثم تناسى متعمداً الإجابة عن الشطر الثاني الذي يتعلق بحقيقة مشاركة الحشد الشعبي الطائفي في سوريا بعد الانتهاء من معركة الموصل.

الصمت ربما لم يعد مهماً في تفسير دلالاته ضمن واقع ما يجري، بل تأكيد على بديهيته؛ فالمشروع الإيراني يسعى جاهداً وبكل ما أوتي من قوة إلى فرض لغته وحربه الطائفية وبحثه الدائم عن تنشيط مفاعيله وإنشطاراته المذهبية، وتحويل كل الصراع في المنطقة إلى وجهة واحدة مبتغاها البحث عن أعداء يحملون مرضه وعناصر أعراضه ليجعل منهم أدوات يحارب بهم ومعهم وضدهم لسحق وجرّ كل الأطراف إلى مبرراته.

نجحوا في جزء كبير من تحقيق أهدافهم، أما الجزء المتبقي الصامد فهو استحالة تمرير غيبوبتهم الطائفية مع ثوابت أمتنا ومشروعها الحضاري المنفتح على الحياة والتقدم والدين الوسط، والأهم رفض النزوع الطائفي الإيراني الذي تنجذب إليه وإلى أوهامه بعض التجمعات ضبابية المواطنة وانكشافها لصالح الخطاب الطائفي.

حقائق الأرض نتعامل معها دون متاهة في مصطلحات أو تفاصيل أو ألوان باهتة ومتناقضة لا تمكن معها السيطرة على مراقبة الطرق الفرعية الواصلة إلى نقاط التقاء واحدة. فالجيش الإيراني النظامي مثل كل جيوش العالم، حركاته وتنقلاته ضمن حدوده الجغرافية وأيّ خلل يندرج تحت فقرة تجاوز الحدود الدولية يعني قوة احتلال ومساءلة دولية وإجراءات قانونية، لكن قوة رديفة يمثلها الحرس الثوري الإيراني ورغم كل المؤشرات عليها، لكنها تظل خارج السيطرة وتتعامل وفق تشكيلات الميليشيات التي قد تبدأ بخلية حراسة لشخصية ما في أي مكان وتحت ظروف بيئة مساعدة لتنتشر على مراحل، أي أنها تنمو في الداخل، ولذلك تتخلص بالنتيجة من المتابعة والملاحقة والقصاص الدولي، ومعه تستفحل لعدم وجود الردع.

ثم تتشكل لها سلطة من الخوف وانفلات لقوتها في الشارع لفرض إرادتها، وبعدها تتكون لها أفكار لتبدو حينها رقماً صعباً تسايره وتتعايش معه مجموعة قوى لا تنتمي إليه، وقد تكون قوى ناعمة لتوصله إلى غايات ومحطات أبعد في الثقافة والسياسة؛ ولِمَ لا والشكل الديمقراطي لنموذج الحكم، كما في العراق وحتى في سوريا ولبنان وكذلك اليمن، ينظم له حركته مع حركة حبله السري متصلاً بحاضنته الأم؛ ونعني بها ولاية الفقيه وحكم الملالي في طهران؟

الحرس الثوري الإيراني استطاع “بكفاحه الطائفي” تأسيس فروعه بنواة سياسية أو بأقنعة فكرية، أو مؤسسات إغاثية أو طبية ورعاية إنسانية، أو زيارات سياحة دينية أو بناء فنادق استثمارية أو مراكز ثقافية دينية مجردة وعامة أو مصارف صغيرة، وهكذا عندما تكتمل الأدوات تبدأ بتوجيه الرجات الطائفية لتنتهي باستعراض الدبابات والمجنزرات والمدفعية وكل صنوف الأسلحة إلى الصواريخ الباليستية وما سيعقبها.

فيلق القدس أو فيلق قاسم سليماني المطلوب للعدالة الدولية، اكتملت فروعه بتسميات مختلفة، لكنها تمثل الجيش الإيراني المحتل للعراق وسوريا ولبنان واليمن ودول أخرى ضمن خط سيره وتكوينه الذي سبق وأن مرت به الدولة المذكورة.

الحشد الشعبي الطائفي في العراق وخلال أيام أو أسابيع قليلة انحرفت حركته عن الخط الأول المعلن الذي جاء في خطاب رئيس وزراء العراق القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي الممهد الأول للحشد، فبعد التكليف بمهمات بعيدة عن محور الموصل والاكتفاء بالتطويق عن بعد وفي جبهة واحدة، استدار الحديث في المناسبة الدينية إلى الدفاع عن خروقاته وإدانة كل وسائل الإعلام التي تشير إلى جرائمه؛ وسبقها تسفيه لمنظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان لتقاريرها عن الجرائم الموثقة، وكذلك اللامبالاة بكل ما يصدر من تصرفات الحشد الطائفي التي تتهيأ للمضي في مشروع الربط الجغرافي بين إيران والعراق وسوريا ولبنان، استكمالا لذلك الهلال الذي كان حلم الوحدويين العرب الذين ناضلوا طوال عقود تدعيماً لدور أمتهم الحضاري وتطوير رغبتهم في التحرر والتكامل الاقتصادي والاجتماعي؛ الهلال الطائفي العنصري القائم يستهدف حياة أبناء العروبة وتمزيق نسيجهم العاطفي والإنساني الذي يوحدهم ويصهرهم بكل نشاطاتهم وإبداعاتهم وانتمائهم النفسي في حلم واحد زحف عليه ظلام ولاية الملالي.

خلال مدة قصيرة انعطف حيدر العبادي ليكون جندياً في جيش الأهداف الطائفية الإيرانية، ويكون محامياً عن القاتل وممهداً لجريمة قادمة في تلعفر وأماكن أخرى، وتحت أيّ تسمية أو أزياء عسكرية، لأن المشروع من المستحيل تجاوزه بالقفز التكتيكي فوق الهدف الرئيسي الذي يستهدف إنجاز عناصر التفرقة الطائفية وترسيخ الثأر التاريخي المكرس للانقسام بالوراثة لتكون المصالحة أو أي حديث عن تسوية تاريخية مجرد زراعة أوهام أو ترضية للغول الطائفي المتربص في كل نفس على قيد الحياة، تريد المرور في حقل تم الإجهاز عليه ومنحت فيه للمجرم حقوق إبداء الرأي واختيار وسائل دخيلة على ثقافته وتكوينه وفرتها له سيطرته المطلقة.

بعد أن تم استقطاع نصف الشعب وتذويبه في الخوف والإذلال والعقاب الجماعي والتشريد والتجويع، ترتفع الأصوات للمطالبة بالدولة المدنية وسياسة تصفير المشاكل ولا غالب ولا مغلوب، وبعروض سخية من دعاة الطائفية وقادة الميليشيات وصناعها ومؤسسي الانقسام المجتمعي ورواد المشروع الإيراني الذي ابتلع العراق تماماً في جوفه وينفث نيران سمومه في احتيال نماذجه الطائفية التي تمارس سلوكها بدهاء ومكر افتقدته أعتى منظمات الفاشية والنازية؛ هل هناك نكتة أكبر من “لا غالب ولا مغلوب” و”دولة مدنية” على آثار مدن وخراب نفوس وزوال أسر وغياب كرامة؟

الأحزاب الدينية، المعروفة بولائها ومصالحها ورؤوس أموالها وسطوتها العقائدية، ستمهد للوئام والمصالحة المجتمعية والدولة المدنية؛ عجيب أمر المصالحة أو التسوية التاريخية التي ستتسلم فيها الأحزاب والشخصيات العلمانية والليبرالية رايات السلطة بتبرع مجاني وهبة دولة العدل الطائفي بعد قناعتها بفصل الدين عن الدولة والاكتفاء برضا خامنئي والوالدين.

وما لم يستطع كتبة الدستور من صياغته ستتم تكملته بملحق يؤسس بعد عقد أو أكثر ربما لعراق مختلف يعيد إحياء الآلاف من علماء وخبراء وأطباء وأساتذة ومفكرين وطيارين وخيرة العقول التي استهدفتها كواتم صوت ولاية الفقيه وإدارة حكمها الذاتي لولاية المنطقة الخضراء مع مئات الآلاف من ضحايا الإرهاب والعنف الطائفي.

صمت وزير خارجية النظام السوري وعدم التعليق عن الدور القادم للحشد الشعبي الطائفي في سوريا، ربما كان تهكماً من سؤال أخير في نهاية أسئلة هذه الأمة عن مفارقة جيش ليس هو بجيش، وأنظمة حكم لا علاقة لها بمن تحكمه، ودمى في كراسيها تتقن تحريك الشفاه على وحدة قياس ما تبقى من دم الشعوب.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات