أليس حرياً بالعرب قبل أن يتهكموا على الرئيس الأمريكي ويصفوه بأقذع الأوصاف، أن ينظروا حولهم أولاً كي يروا بشاعة حكامهم على كل الأصعدة. إن العرب في هجائهم لترمب أشبه بالذي يرى القشة في عيون الآخرين، لكنه لا يرى الخشبة في عينه. إنهم بعبارة أخرى، كما يقول المثل الشعبي، كالجمل الذي "لو شاف حردبتو لوقع وانفكت رقبتو". هل يحق لكم أيها العرب فعلاً أن تقيّموا رؤساء الدول الأخرى وأنتم مبتلون بأسوأ أنواع الحكام عبر التاريخ؟
هل حكامكم قمة في السياسة والفكر والثقافة والدماثة كي تتهكموا على رئيس الأمريكيين؟ وقبل أن نقارن ترمب بالحكام العرب، على الأقل فهو رئيس انتخبه الشعب الأمريكي بحماس لم يسبق له مثيل، ولم يأت على ظهر دبابة أو بانتخابات مفبركة نتائجها في أقبية المخابرات قبل إجرائها بشهور. يعني أن الأمريكيين أحرار فيمن يختارون. ولو سلمنا جدلاً أن الأمريكيين أساءوا لاختيار، كما يرى الكثير من العرب، فهل يحق لكم أيها العرب أن تنتقدوا الاختيار الأمريكي أو غيره بينما أنتم لم تستطيعوا حتى الآن اختيار رئيس بلدية منذ عشرات السنين، فما بالكم أن تختاروا حكامكم المفروضين عليكم بقوة الحديد والنار والاستفتاءات المخابراتية السخيفة.
ما الذي لا يعجبكم في دونالد ترمب أيها العرب؟ ربما تقولون عنه إنه مهرج وبهلوان ومجنون. يا للهول. ألا ترون حكامكم المهرجين وكيف يتندر ملايين البشر بعباراتهم وتصريحاتهم الفوق كوميدية وهزلية في مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل يمر يوم إلا ويخرج أحد الحكام العرب على الإعلام بتصريح يجعلك تفضل مشاهدته على مشاهدة مسرحيات عادل إمام ومسلسل توم أند جيري؟ لم أر حتى الآن تصريحاً تهريجياً كوميدياً هزلياً سخيفاً للرئيس الأمريكي الجديد كتصريحات بعض الرؤساء العرب الذين جعلونا نترحم على القذافي، فالمهرجون الجدد لا يصلون حتى إلى مرتبة القذافي الذي أثبتت الأيام أنهلا رغم شطحاته تنبأ بالكثير من الأحداث المهولة التي نراها أمام أعيننا هذه الأيام. إن المهرجين من حكامنا يفوقون ترمب بسنوات ضوئية في التهريج والإسفاف، لا بل إن ترمب يحتاج إلى دورات تدريبية كثيرة كي يرتقي إلى مستواهم الهزلي السحيق.
نرجو أيضاً من العرب الذين يهاجمون ترمب أن يعلموا أن الرجل صنع ثروته المهولة بعرق جبينه، ولم يسرقها من خزينة الدولة، كما يفعل الكثير من الحكام العرب.
صحيح أن الرئيس الأمريكي الجديد ليس شاباً، إلا أنه يُعتبر في عمر السبعين "زغنطوط أوي" مقارنة ببعض الرؤساء العرب الخارجين من القبر بكفالة، أو الهاربين من ثلاجات الموتي، أو الذين لا يستطيع بعضهم أن يتحكم بوظائفه الفيزيولوجية، أو يتجول في كرسي متحرك، أو الذين يكبرون الفنانة صباح رحمة الله عليها بعشر سنوات. هل تذكرون ذلك الرئيس العربي المرحوم الذي كان الوزراء يدخلون إلى مكتبه في آخر أيامه وهم يضعون أيديهم على أنوفهم بسبب الرائحة الكريهة التي كانت تنبعث من غرفة سيادة الرئيس الذي لم يعد يسيطر على وظائفه الجسدية؟
بعض العرب يسخر من طريقة دونالد ترمب في الحديث والكلام. وااااااااااااو. ألم تشاهدوا يا رعاكم الله بعض زعمائكم وهم يخطبون على شاشات التلفزيون في القمم العربية وغيرها وهم يقترفون أبشع الجرائم التاريخية بحق اللغة العربية، حيث يجرّون الفاعل، وينصبون المجرور ، ويرفعون المنصوب بأريحية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً؟ على الأقل فإن الرئيس الأمريكي الجديد لا يلحن في اللغة الانجليزية التي يقنها اتقاناً رائعاً، ويستطيع من خلالها أن يجتذب ملايين الأمريكيين للتصويت له في انتخابات حرة من رأسها حتى أخمص قدميها. هل سمعتم ترمب خلال حملته الانتخابية يقول: آي إز غو تو سكول"؟ بالطبع لا، بينما تجدون بعض الحكام العرب يتفنن في إيذاء اللغة العربية على شاشات التلفزيون، وليس لديه أي مانع أن يطيح بكل قواعد سيبويه، ويمسح بها الأرض دون أن يرمش له جفن خجلاً أو وجلاً.
بالله عليكم أيها العرب: اخجلوا واسكتوا أشرف لكم!
التعليقات (20)