المنطق يُسقط الائتلاف

المنطق يُسقط الائتلاف
بينما ينشغل الائتلاف بتوسعة هيكله، ينشغل النظام بتحسين صورته في الإعلام الغربي، وفي الوقت الذي يسافر "الرحّالة الائتلافيون" من عاصمة إلى أخرى، ينظم والد زوجة الأسد مؤتمراً في وسط دمشق للصحافيين الأمريكيين العاملين بوسائل إعلام مهمة كالنيويورك تايمز وغيرها، وينهمك الائتلاف بما يسمى "الكوتا النسائية"، فيظهر الأسد على صفحات الإعلام الغربي في 10 مقابلات خلال 3 أشهر.

وعلى عكس المقابلات الماضية فإنه هذه المرة التقى الصحافيين على جبل قاسيون في دمشق، وإن كنا لا نريد أن نكذب على أنفسنا، فعلينا أن نعترف أن الأسد نجح سابقاً وينجح اليوم في العمل على حملة إعلامية منسقة تحسن صورته وتناقش إعادة إعمار بلدنا، بينما نحن لا نزال نعيش ضمن بلاء الفساد والمحاصصة والتجاهل.

لماذا تغيب المعارضة ويحضر النظام، وألم يحن الوقت بعد 6 سنوات من الموت أن نقف وتقف المعارضة السياسية أمام المرآة وتنتقد نفسها أو ربما تحل نفسها وتعترف بفشلها، وإن كانت مصائب المعارضة المسلحة كثيرة جداً وتغرقنا كل يوم بكم كبير من الحروب الجانبية، فإن الرد على حملات الاسد الإعلامية المنظمة لا يمكن أن يكون إلا عن طريق المعارضة السياسية، وعندما ننتقد الائتلاف بشكل رئيسي ومن ثم باقي التشكيلات التي تنضوي تحت صفة "معارضة الأسد"، فذلك لأنها شئنا أم أبينا، الوجه المدني للمعارضة في المحافل الدولية.

يمكننا كسوريين أن نفهم أن الثورة لم تكن عملاً مخططاً له، ولكنه بالتأكيد كان نتيجة طبيعية وحتمية للوضع الذي عاشته سوريا، ونعرف أن الثورة فاجأت الجميع، وفاجأت كبار المعارضين الذين تربينا على أسماءهم، ولكن مالا نفهمه أن يبقى هؤلاء في موقف الذهول والمفاجأة على مدى 6 سنوات، هذا على افتراض أنهم كانوا يحاولون التعلم.

تشكلت هيئات معارضة تحت اسماء بدأت بالمجلس الوطني ثم الائتلاف بالإضافة إلى هيئة التفاوض، جميعها تعاملت مع السوريين بطريقة النظام، تجاهل الناس، الإصرار على الخطأ، غياب النقد الذاتي والمراجعة، التعامي عما يحدث في الأرض، ما جعل الشارع يسبق المعارضة السياسية والثقافية، لكن ليس كما قيل بأن الشارع قاد المعارضة، للأسف بقي قادات المعارضة في واديهم الخاص يثبتون أن لا شعبا يقودهم ولا يقودوه.

على مدى 6 سنوات، لم نسمع بمعارض واحد اعترف بأخطاء وقعت فيها المعارضة، إلا من باب الرؤية الذاتية، أو الخصومة الشللية؛، ولم يحاول أقطاب المعارضة التواضع أمام ثورة الشعب السوري، وإعادة النظر بأفكارهم وأيدلوجياتهم ونظرياتهم، حول الدولة والإقليم والعالم، حول سوريا والثورة، بل استكانوا بكل عناد، إما لعقلية قديمة عاجزة عن القراءة، أو لتداعيات مرض صعود الأنا، أو لما يمليه سوق الصراع السياسي والإعلامي، فساهموا مع غيرهم بإغراق الشارع السوري بالأوهام، الأوهام التي ربما لم يدرك غالبيتهم أنها أوهام، لأنهم لم يدركوا أهمية سوريا بالصراع الدولي، ولا مصالح الدول.

 ولا فهموا ما هو الفرق بين التصريحات الديبلوماسية الإعلامية، وما بين المواقف السياسية؛ لقد بنى العديد منهم مواقفهم، والوعود التي يطلقونها للشارع السوري المتألم والمرهق والباحث عن أمل، بناء على  وعد من سفير أمريكي في بلد ما، أو رأي شخصي لموظف ما في سفارة ما، أو حتى بناء على تصريحات سياسية رسمية، فهم لم يتعلموا من تاريخ الألم الفلسطيني ماذا يعني تصريح سياسي، وربما أنهم لم ينتبهوا أننالو جمعنا التصريحات حول فلسطين من 1948 حتى الآن وجعلنا انساناً مريخياً يقرأ هذه التصريحات ، لاعتقد أن فلسطين جنة الله على الارض. لم يدركوا ربما أن الصراع الدولي على سوريا، فاق بشراسته الصراع على فلسطين والعراق، ولم يعرفوا كارثية نشر الوهم بين شعب يتلقى ضربات هذا الصراع كل يوم.

غابت المعارضة السياسية وجزء من المعارضة المثقفة عن الشارع تماماً، فلا هي حاولت التقرب منه بشكل جدي بمحاولة معرفة أوضاعه وفهم ما يتعرض له، ولا جربت أن تستقطب أشخاص آخرين لإدخال دم جديد إلى هيئاتها، وإنما حافظت على نفس الأسماء أو نقول الحصص، لقد توهموا أن سياسة الخطاب الشعبوي الحماسي هي معنى "القيادة الشعبية"، فاستنسخوا خطاب النظام العربي، بما فيه نظام الأسد، عندما كان يملئ الفضاء بخطاب شعاراتي شعبوي حماسي عن فلسطين والتحرير، وساهموا، سواء بصمت البعض أو أصوات البعض، في سياسة ترسيخ شقوق تشرذم الشعب السوري وفق الموقف السياسي والطوائف والقوميات. 

لم تفهم المعارضة السورية المصالح الدولية إلا من باب التفسير المؤامراتي المغرق بالغيبية، وأحيانا من باب الجهة الداعمة، وبالتالي لم تحسن التعامل معه ولا شرحه للشارع. ولعلنا نتفهم أنه من الطبيعي أن سياسيي ومثقفي سوريا عاشوا 40 عاماً تحت حكم نظام خنق كل تفاصيل الحياة السياسية، ولكن هذا التبرير يمكن أن يُفهم في العام الأول وحتى الثاني، ولكن بعد 6 سنوات هذا المبرر يسقط بالتقادم ويحل محله "جرائم سياسية" بحق الشعب.

ولا ننسى كيف تعامل أقطاب المعارضة على أنهم "آباء وأمهات" الثورة السورية، ما حولهم لأشخاص مغرورين في الحالة العامة، وديكتاتوريين بالحالة الخاصة.

فشلت المعارضة إعلامياً، سياسياً، عسكرياً، اجتماعياً، أخلاقياً، ولم تستطع أن تمثل السوريين، ولم تزعج نفسها بمحاولة إعادة قراءة لتجربتها، رغم أن ألف باء النجاح هو القراءة الذاتية ومراجعة الذات، وهو الأمر الواضح لأي شخص يحاول قراءة جزء من التاريخ العالمي.

نعرف جميعاً أن المعارضة السياسية لا تملك أوراق قوة تقليدية تضعها على طاولة التفاوض السياسي (مال، سلاح، جيوش، إعلام)، ورقة القوة الأساسية للمعارضة السياسية في حالة الثورات الشعبية هي الشارع، لكن معارضتنا لم ترى الشارع إلا من خلال ذاتها وتعاملت مع التفاوض على أنه سباق بالتفلسف حول القانون والأخلاق والسلام وحقوق الإنسان، بينما في الحقيقة هو ميزان لأوراق قوة كل الأطراف، وحسب ثقل كل ورقة ينال صاحبها حصته. فأين أوراق المعارضة ببعدها عن شارعها وناسها؟ 

لم تستطع المعارضة السياسية ولا الثقافية أن تتواصل مع الإعلام، ولم تعبر عن حاجتها للمساعدة من السوريين أنفسهم، واعتبرت أنها بمكاتبها الإعلامية "الساذجة" وبياناتها الجامدة التي لا يقرأها أولئك الموقعة باسمهم، تستطيع أن ترد على حملات بشار الأسد المنظمة، لتأتي مقابلة الاسد مع الصنداي تايمز ووصفه للغرب بأنه ضعيف صفعة على وجه كل المكاتب الإعلامية، وليكون وصف الصحافية لهيئة مجرم قتل شعبه بـ" إنها قابلته بزي "الرجل الرشيق الذي يرتدي حلة زرقاء كرجل أعمال، بينما تنتشر صورته بالزي العسكري والنظارات الداكنة في شوارع دمشق”. خاتمة مناسبة لإعلان الفشل الذريع للمرة المئة ربما، على أمل أن يمتلك أحدهم الشجاعة بالاعتراف والبوح للشعب الثائر الذي يموت على مدار الساعة.

التعليقات (1)

    AZ

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    كلا صحيح ،١٠٠٪‏
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات