معركة "القيامة" في حلب.. ومآلاتها الموعدة

معركة "القيامة" في حلب.. ومآلاتها الموعدة
مر يوم الجمعة كما كان متوقعا، لم يخرج ولم يدخل أحد، يوم يشبه إلى حد بعيد يوميات أحياء حلب الشرقية المحاصرة، كل ماكان في المشهد الظاهر على الشاشات بدا واضحا أنه ضرب من ضروب التمثيل والتجيش الإعلامي ولا صدقية لما كان يقدمه الإعلام من حالة انتظار وتأهب لخروج الناس (مقاتلين أو مدنيين) من أحيائهم، فالكل مدرك أن هذه المسرحية الروسية المتمثلة بــ"هدنة الخروج"، لن تنتج شيئا حتى ولو كانت النوايا الروسية حقيقية ومخلصة فأهل المدينة أنفسهم لن يغادروا بيتوهم بعد صمود أسطوري لثلاث سنوات....فلماذا إذا تقدم روسيا هذه الهدن؟

في الإجابات السريعة يمكن أن يرجح أحد أمرين، أولهما أن هذه الهدنة أرادتها روسيا متزامنة مع هجوم الثوار على قوات النظام في غرب وجنوب المدينة لتقدم نفسها ونظام الأسد للعالم كحمامة سلام مقابل هجوم ممن تصفهم بــ"الإرهابين"، قد يكون هذا الرأي مطروحا لكنه ليس مقنعا كفاية لأني العالم يعلم أصلا ما يجري والمجتمع الدولي مدرك بشكل كامل لحقيقة الوضع ولا يمكن خداعه بهذه السهولة، وهذا لا ينفي أن ذات المجتمع الدولي يعلم جيدا ولايتصرف بناء على علمه بكل الأحداث بل بناء على تراتبية المصالح والموازين المختلة..

الأمر الثاني أن هذه الهدن والهدوء، هو ما يسبق عاصفة تعد لها روسيا بشكل جدي (أو هكذا تقول) وهذه المرة تتواتر أخبار عن إستقدام جنود روس للقتال المباشر برا والتعاقد مع شركات أمن لتأمين عدد أكبر من المرتزقة لزجهم في المعركة المنتظرة، فضلا عن تحريك بوارج بالبحر المتوسط وإعداد القاعدة العسكرية على الشاطئ السوري المحتل، كلها معطيات تُخرج حلب أصلا من الحسابات الجيوسياسية السورية لأن ما يتم الإعداد له روسياً إن كان حقيقيا فثمة قيامة تنتظر الجميع في حلب، الجنود الروس لن يكونوا أكثر حصانة من نيران الثوار ممن سبقهم من إيرانيين ولبنانيين وعراقيين وغيرهم.

ولايمكن أن تزج بهم روسيا دون أن تضع حسابات الخسارة فهل هي ماضية لمعركة احتلال بري كامل لحلب؟ هل يمكن أن تمر هذه المعركة فيما لو كانت حقيقية دون تضحيات من الثوار دفاعا عن مدينتهم وثورتهم؟..كل الأجوبة تؤدي إلي نتيجة مفادها أن أي تحرك روسي بهذا الحجم يعني معركة كبرى ولكن هل روسيا فعلا تخوضها حربا ضد الثوار وأهالي الأحياء الشرقية في حلب أم أن لها أبعادا آخرى تقرأ في أنقرة مثلا التي تشهد للمرة تلو الأخرى سقوط كل مراهناتها على تعهدات روسية أو أميركية، أنقرة المكتفية إلى الآن على مايبدو بغرورها تجاه ماحققته من عملية درع الفرات بالقضاء على أحلام اكتمال الكيان الكردي شمال سوري وإبعاد عناصر التنظيم بعيدا عن الحدود، لكن ثمة قائل "هذه حلب" ولو سقطت فعلا بعملية روسية إيرانية فالرسالة لأنقرة ستكون بمثابة صفعة بل هزة مذلة.

مؤشرات التصعيد موجودة وكذلك مؤشرات المناورة، لايمكن الحكم على مدى جدية الروس والإيرانيين الذين أعلنوا أيضا عن استعدادهم للمشاركة في الحرب المنتظرة، لكن ماذا عن الطرف الأخر المظلوم المسحوق بالصواريخ بالبراميل، ماذا عن ثوار أرادوا فك الحصار عن أهلهم، هل هؤلاء هم القوة الحقيقية التي تحتاج هذه الجحافل والاستعدادات والبوارج والطائرات، لا اعتقد! ..ثمة مايراد تحصيله من أثمان سياسية على دمائهم وثمة من يريد أن يستغل انشغال العالم بالرئيس الأميريكي القادم لتهيئة واقع يقدم له كصورة جديدة لخارطة النفوذ سياسيا وعسكريا في سوريا وأهم ركائز هذه الخارطة بلا شك هي مدينة حلب، وهذا ما تريده موسكو التي تعتبر نفسها الان ناجحة تماما في إقصاء الأوربيين عن الملف السوري برمته وبالتحديد عن ملف حلب الذي حاول الاوربيون أخيرا التصدي لجانبه الإنساني على الأقل.

 لكنهم فشلوا وثم ترنحوا قليلا قبل أن يعلنوا انكشاف هزيمتهم أمام موسكو الجادة، الراغبة  في الاستيلاء على سوريا كملف كامل سياسيا وعسكريا يرفعها لمرتبة الند القوي للولايات المتحدة هذا إن كانت الولايات المتحدة معنية أصلا بأن تتناول الأمر السوري بجدية أكبر.

إذا ما هي مآلات الحرب الموعودة من كلا الطرفين بعيدا عن أحقية أحدهم بالأرض، وعدم أحقية الأخر الذي يعتبر محتلا بأقل تقدير، لكنهما لا يخفيان رغبة في السيطرة على حلب، الثوار بإمكاناتهم المحدودة، روسيا وصبيها المحلي بشار الأسد وشريكهما الإيراني.

كنت ولا أزال أعتقد أن هجوم الثوار مبرر ودوافعه البحث عن حل ما للأحياء الشرقية "فقط"، ولا أزال أعتقد أيضا أن الأسد بقواته عاجز عن احتلال هذه الأحياء حتى لو أحالتها روسيا ترابا وركام، فإلى أي المآلات ذاهبة حلب.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات