حلم على حافة الحدود

حلم على حافة الحدود
هل كان الرحالة العربي "أحمد بن فضلان "يتوقع أنه سيرى تلك الأحداث الغريبة في رحتله الى بلاد "الصقالبة" هل مشهد الخنق و الضرب بالخنجر للجارية التي أختارت لنفسها أن تموت وراء سيدها جعله يعود أدراجه الى بغداد؟

لم أرى في رحلتي الصغيرة ما رآه ابن فضلان ولكن ما رأيته جعلني أقلص أحلامي كثيرا ريثما تعود الدولة العباسية يوماً ما

انا (إيهاب) طالب سوري تركت جامعتي ولحقت بالحياة في المناطق المحررة

دائما ما قرأت عبارة تركيا "جنة الله على الأرض" لم يكن يراودني الذهاب الى تركيا قبل الثورة ،فالعين بصيرة واليد قصيرة وأقصى أحلامي السياحية كغيري من السوريين الذين يعيشون في كنف الأسد هو زيارة شاطئ أم الطيور في محافظة اللاذقية وذلك يتطلب دراسة للرحلة لمدة سنة

قامت الثورة وأصبح الذهاب الى تركيا  أسهل بكثير من الذهاب الى حلب حيث جامعتي التي فارقتها وتركتها لآل الأسد عندها أصبح يجول في خاطري أن أزور تركيا لما سمعته من الزائرين إليها حتى شاءت الأقدار أن لا بد من الذهاب اليها

كان وقتها قد مضى من الثورة سنتين ونيف وكان لابد عندها من الدخول الى تركيا بطريقة التهريب فكان السيناريو المحتم علينا أن نؤًمن طريقة ومهرب لنا لكي ندخل

حملتنا تلك المركبة الحمراء من نوع  MAZDAذهابا من الريف الشمالي الشرقي لمحافظة ادلب الى الريف الشمالي الغربي للمحافظة الى منطقة التهريب الواقعة في  ريف جسر الشغور قبل الثورة كنت أذهب الى جسر الشغور لم يكن الطريق بتلك الوعورة والطول ربما تجعدت الأرض وأصبحت وعرة بفعل القصف المكثف على تلك المنطقة

رافقني صديقي عبد القادر الذي كان حلمه يشابه حلمي في أن نزرو تلك البلاد الجميلة

مالت بنا العربة شمالاً وألقت بنا في أرض لم تخطر لنا على بال فقد نزلنا بين أناس غير مرحبين فجل الحديث بيننا تلخص بكيفية العبور وتكلفة العبور

دخلنا تلك الغابات الخضراء كل منا يحمله على أكتافه أحلاماً  كلهم يسيرون وراء شخص لم يسمعنا كلمة واحدة تشعرنا بالكرامة على الرغم من أنه سوري ونحن سوريون مثله

أذكر أنني دخلت أرض الأحلام تلك وبقيت فيها ثلاثة أيام شعرت بها بكرامة الإنسان وكيف تتعامل الحكومات مع شعوبها

نحن جيرانهم لكن لماذا لا تعاملنا حكومتنا مثل حكومتهم في اليوم الثالث قرعت أجراس الرحيل الى الوطن عزمت أنا ورفيقي عبد القادر على أننا سنعود الى تركيا في زيارة طويلة ثم توجهنا الى الحدود السورية لنصل معبر باب الهوى حيث كانت الصدمة الأولى فالعسكر لم يسمحوا لنا بالعبور وكان المعبر قد أغلق ماذا ترانا نفعل

إنهم ينتظرونك بغير ميعاد إنهم يلتفون حولك كالوحوش تلتف حول فريستها ولكن الغريب في الأمر هنا أن الفريسة تأتي إليهم بدون أية مقاومة

إنهم المهربون إنهم كثر ويعرفون أنك آت اليهم لا محالة

بدأت المفاوضات معهم في داخل السرفيس ونحن في الطريق الى نقطة التهريب  ولم نتفق بعد وصل الأمر بنا حتى العراك ولكننا موقنين أنهم أصحاب الأرض والجمهور وأننا خاسرون لامحالة

أعطى كل منا المبلغ المتفق عليه للمهربين وبدأنا السيرخلف القائد بين أشجار الزيتون وقبل أن تنتهي بنا أشجار الزيتون أشار لنا المهرب أن تابعوا ركضا الى الشرق فقد وصلتم أرضكم فأنتم الطلقاء

علت البسمة وجوهنا وبدأنا نركض متلهفين أنكشف عنا الزيتون وإذ بنا محاصرين من قبل عسكر الحدود المعروفين بال جندرما

غال غال هي العبارة التي كانت الأكثر مقولة من قبلهم عرفت لاحقا أنها تعني اقترب أو تعال عندها بدأ الحلم بالعودة الى تركيا يتراجع قليلا فقد بدؤوا بتفتيشنا وتجميعنا  ولم يعد يسمح لنا بالتحرك وألزمونا بالبقاء صفا واحد دون معرفة ماسيحل بنا وبين الفينة والأخرى يذهب وفد منا الى الضابط يحاوره بالسماح لنا بالدخول ولكنه يرفض

اكثر ما أوجعني وقتها هو قصر المسافة بيننا وبين المخيمات السورية  مسافة عشرة امتار تفصل بيننا وبين أرضنا

قاربت الشمس على المغيب ولا نزال وقوفا ثم يأتي صوت عالي وكلمات غير مفهومة غيت تروكي عرفت ممن معي أنها تعني ارجعوا الى تركيا

نحن سوريون ولا نريد العودة انظر هذه مخيمات أهلنا هذه العبارات التي كنا نصرخ بها في وجه الضابط عندما أمرنا بالعودة

عدنا الى الوراء بعيدا عن الجندرما  لنعقد اجتماعا ونقرر ماذا نفعل

انقسمنا كعادتنا  نصف عاد الى تركيا ونصف قرر العبور متخفيا

حاولنا محاولتين لنعبر ركضا ولكنهم اكتشفوا أمرنا واستطاعوا أن يمسكوا شاباً وأوسعوه ضرباً

لم يبقى منا سوى ستة اشخاص قررنا جميعنا ان نحاول مرة أخرى

اسدل الليل ستائره علينا وبدا البرد يراودنا وصدحت المأذن معلنة دخول وقت العشاء وكان حلمي في العودة يتقلص شيا فشيا

ألقى كل منا ما في جعبته من كلمات محفزة على الرغم من سماع أصوات الرصاص التي قيل انها تطلق على كل من يقترب من الشريط الحدودي

بعد اكثر من ساعة من الرصد والترقب لعربات الجندرما حانت ساعة الصفر حيث صاح الجميع بصوت خافت الله اكبر هذه العبارة الخالدة وبدأنا تلك الركضة المصيرية

اذكر ان رفيقي تعثر وسقط أرضا لكن ذلك لم يشفع له فأنت وقتها كيوم القيامة ربي اسالك نفسي

ها قد وصلنا الاسلاك الشائكة وضعت يدي عليها فجاوبتني بالوخذ  اننتقلت الى مكان أخر بحثا عن منفذ  ثم غمرت نفسي من اللهفة في فتحة كنت أظنها طاقة الفرج كما نقول في لهجتنا  وإذا بي لا أستطيع الحراك حاولت عبثا ان اخلص نفسي ولكنني تعبت  خاصة وأنا ارقب ضوء عربة الجندرما تقترب منا

دخل الخمسة كلهم  عندما رأيتهم دخلوا أصبح حلمي فقط أن اسقط بنصف جسدي فوق تراب بلدي لأنجو

وكأنه الفارس المنتظر أتى الي ذلك اليافع ليمسك بيداي ويبدأ بسحبي نحو الأراضي السورية وانا أقول له اتركني اذهب فقد انتهى امري  وهو يقول لي لا أبرح حتى انقذك

نعم تذكرت إنه الشاب الذي أعطيته إحدى كنزاتي قبل أن نركض لأنه شعر بالبرد إنه يرد لي الجميل  يالله إنني ادخل شيئا فشيئا الى الحدود السورية

كانت الدماء تملا جسدي تمزقت ثيابي وتمزق معها حلمي العودة

هدأت قليلا ثم دخلت بين الخيام  رأيت رفيقي فقلت له رافعا إصبعي السبابة أحلف على العودة الى تلك الحدود فحلمي اصبح أن أعود الى بيتي فقط

كنزة لا قيمة لها أنقذتني وجعلت من ذلك الشاب صديقا لي بحق

لماذا بلدي منذ ألاف السنين يعطي الخير لباقي البلدان وليس لديه حتى اليوم صديق

لقد ايقنت ان المئتا دولة  أصدقاء سورية لم تسمع بالمثل القائل  الصديق وقت الضيق

التعليقات (3)

    محمد مالك الشيخ

    ·منذ 7 سنوات 5 أشهر
    اللجوء معاناة ليس بعدها معاناة

    سلطان الدعجاني

    ·منذ 7 سنوات 5 أشهر
    كلمات معبرة... هي اجمل ما يكتب ، ولكني تمنيت منك املائيا، ان تفصل بين زخم كلماتك بالفواصل والنقاط... فما ترويه فاق ما رأه ابن فضلان، بل هو كالحلم.

    ايهاب البكور

    ·منذ 7 سنوات 5 أشهر
    شكرا اخي على التعليق،ولكن تقصدت عدم وضع الفواصل بين الكلمات لانني ظننت ان المدونة لا تقبل الفواصل
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات