داخل أسوار جامعة تشرين.. فساد يعتاش على مستقبل الطلاب وأحلامهم

داخل أسوار جامعة تشرين.. فساد يعتاش على مستقبل الطلاب وأحلامهم
تنتظر هبة اتصالاً من السيد أبو علي، أهم شخص في حياتها على حد تعبيرها، على اعتبار أن اتصاله سيحدد مستقبلها الدراسي، وسيجيب عن سؤالها إن كانت ستنجح خلال هذه السنة، أم أن الفشل سيكون حليفاً لها كما حصل معها في العام الماضي.

أبوعلي ليس مدرساً أو استاذاً جامعياً، هو غير متعلم أساساً ولا تعرف هبة ما هي وظيفته او اسمه الحقيقي، لكنه يعتبر تجسيداً حياً ومباشراً للفساد الذي لحق بموظفي جامعة تشرين وأساتذتها، الذين باتت لهم اليد الطولى في تدهور العملية التعليمية داخل أسوار الجامعة، حتى بات بيع وشراء المواد يطبق بشكل علني، من خلال علاقات تربط موظفي الجامعة بوسطاء منتشرين في جميع أنحاء اللاذقية، حيث استعانت هبة بواحد منهم لشراء مادتين مقررتين ضمن منهاج كلية الحقوق التي تدرس بها كطالبة تعليم مفتوح، لكن ضيق الوقت والتزامها بأعمال أخرى شغلتها عن دراستها، أجبرها على اللجوء لعملية شراء المواد لتؤمن انتقالها للسنة الثالثة بعد رسوبها مرتين متتاليتين في السنة الثانية.

الديلر

المسمى الوظيفي المتعارف عليه لأبو علي وأمثاله بين طلبة جامعة تشرين هو " الديلر"، لكن هذه التسمية تختلف في الناحية التطبيقية عن المفهوم المتعارف عليه للكلمة، فالديلر الخاص ببيع وشراء مواد أقسام التعليم المفتوح في جامعة تشرين يمكن أن يكون من داخل الجامعة أو من خارجها، لا يمكنك أن تعرف مع من يتعامل أو يتعاطى من موظفي الجامعة، المهم بالنسبة لك أن تجد اسمك بين قوائم الناجحين، دون أن تسأل عن الآلية.

مهيار هو واحد من الطلبة الذين تعاملوا مع ديلر للنجاح في دراسته بقسم الترجمة، و يوضح أن" الموضوع ليس سريا إلى درجة كبيرة، فمن الممكن خلال جلوسك في الكافيتيريا داخل أي كلية في الحرم الجامعي التحدث بالموضوع بأريحية كبيرة، ليعطيك أحد الطلاب رقماً ما ويخبرك بإمكانية التواصل مع صاحبه والاتفاق على السعر، الذي يتراوح بين 150 إلى 200 الف ليرة سورية للمادة الواحدة".

لا يخاف الديلر من اكتشاف أمره وخلق مشكلة بينه وبين مشغليه في الجامعة، بل على العكس يعرف أنه الأمل المنشود لكثير من الطلاب الذكور الذين لجؤوا للتسجيل ضمن أقسام التعليم المفتوح لتأجيل سحبهم إلى صفوف الاحتياط في جيش النظام، فرسوبهم المتكرر يعني فصلهم وجرهم إلى الكابوس الذي فروا منه، لكن الطلاب يخافون أيضا من عمليات نصب محتملة يمكن أن يقوم بها الديلر، لا شيء مضمون، فالطالب لايعرف اسم ومهنة من يتعامل معه، هي مجرد مغامرة أو مقامرة بالمعنى الحقيقي للكلمة، الكلام لمهيار الذي يضيف قائلا:"حاول طلاب كثر التشكيك بوجود أسماء لأصدقاء نجحوا رغم أنهم لم يحضروا الامتحان أصلا، ووصل الأمر للإدارات العليا، ليكون جواب الموظف أن الاسم ورد خطأ بين قوائم الناجحين، وأن الخطأ وارد، لينتهي الأمر برمته عند هذا الحد".

دوامة علامات العملي

الكليات العملية من هندسات وطب أسنان وصيدلة ليست بعيدة أيضا عن جو الفساد المستشري في باقي الكليات النظرية، أو التعليم المفتوح، لكن يظهر الفرق في لهفة الطلاب للحصول على علامة مرتفعة في القسم العملي الخاص بكل مادة، نظرا لتخصيص خمسين بالمئة من الدرجات لهذا المجال، هنا تكمن كارثة الطلاب على حد تعبير زين الذي يدرس في السنة الرابعة بكلية طب الأسنان، وأشار زين إلى " وجود تمييز واضح في التعاطي مع الطلاب لدى وضع العلامة العملية، مما خلق مشكلة كبيرة للطلاب، من هو والدك وهل لديك أقرباء في اتحاد الطلبة وعوامل اخرى باتت معيارا لتحديد الدرجة، بغض النظر عن مهارة الطالب وإجادته للعمل، الأطباء باتوا يخافون من أقرباء عاصر الدفاع الوطني، كما أن حارساً من كتائب البعث على أحد أبواب الجامعة، يستطيع فرض سطوته على العميد في حال أراد إنجاح أحد أقربائه واعطاءه علامة عالية يمكن أن تصل للخمسين درجة".

مبررات وأخذ ورد

يضحك أبو فؤاد وهو موظف في شؤون الطلبة لدى سؤاله عن الفوضى الحاصلة بموضوع النجاح والرسوب في كليات جامعة تشرين، يرتشف من كأس الشاي الموضوع أمامه ويتسائل متهكما: هل الفساد أمر جديد على هذه الجامعة؟.

لا يرى أبو فؤاد في الفوضى الحاصلة أمرا مشينا، بل على العكس يعتبره نتيجة طبيعية لحرب طحنت كل شيء على مدى سنوات، الفقر والعوز دفع الكثيرين لارتكاب موبقات لم يفكروا يوما بالقيام بها، " لماذا لا يذكر الطلاب موضوع الترفع الإداري الذي أتاح الفرصة لعديمي الكفاءة في الترفع لسنوات أعلى؟" , بتسائل ابو فؤاد الذي لا تعترف بأهلية الطلاب الدارسين في كليات الجامعة منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، ويقول: "جميعنا نعرف كيف دخل هؤلاء إلى هنا، هل يعقل أن نجد في كلية الطب وحدها هذا العام1800 طالبا في السنة الأولى؟، إنه رقم كبير لم نشهده قبلا، أظن أن العملية التعليمية انتهت منذ خمس سنوات، إنهم جيل الحرب، الجيل الذي لا يعول عليه".  

طلبة المحافظات الأخرى لهم حكايتهم

أصابت الدهشة عبد الرحمن، الذي انتقل من جامعة حلب إلى جامعة تشرين ليتابع دراسته في كلية الهندسة المدنية، دهشة سببتها الطلبات التعجيزية التي يترتب عليه تحقيقها لإتمام أوراق النقل، فبغض النظر عن تحميله عددا من المواد من سنوات سابقة نظراً لاختلاف المناهج وطريقة التدريس، إلا أن ابتزار الموظفين وسير العملية الروتينية للاوراق جعلته يغض النظر عن الفكرة وينتقل للعيش والعمل في تركيا.

ينفي عبد الرحمن الأرقام التي أعلنتها الجامعة والتي تقر بوجود آلاف من طلبة المحافظات الأخرى هو أمر مبالغ به، فالرقم باكمله لا يتعدى 1700 طالبا وطالبة موزعين على جميع الكليات، ويعاملون معاملة قاسية وغير منصفة، الأمر الذي أكد عليه وليد القادم من الرقة، الذي اضطر للتسجيل في جامعة خاصة لدراسة الصيدلة،" لم أجد في حياتي فسادا يشبه ما وجدته في هذه الجامعة" يتابع وليد الذي اشتكى من معاملة الموظفين السيئة له واللمز بكونه داعشيا نظرا لأن أهله ما زالوا يعيشون في الرقة حتى الآن.

ويضيف وليد : "يتعامل الموظفون معنا بنظرة فوقية غير مقبولة، الأوراق تتأخر دائما بحجة انقطاع النت عن جامعة حلب، يمكن أن يدخل منتصف العام دون أن يحقق الطالب أوراقه المطلوبة، لكن في الوقت ذاته كل شيء يمكن أن يحصل بدفع الأموال، اعتقد أننا مصدر رزق جيد لموظفي شؤون الطلبة وإدارة السكن الجامعي، فتأمين سرير واحد لأحد اصدقائي تطلب دفع مبلغ خمسين ألف ليرة سورية، ناهيك عن الفوضى الحاصلة في موضوع المحاضرات العملية واحتكار المكتبات لها، ولأنني قادر ماديا اختصرت على نفسي هذا العناء وانتقلت لجامعة خاصة اشتري احترامها بنقودي، لكنني اتسائل دائما، ما هو مصير  النازحين غير القادرين على دفع تكاليف الموظفين لتسيير أمورهم، وأين هي تسهيلات معاملات الطلبة السوريين من باقي المحافظات الذي يتحدثون عنه دائما وأبدا؟.

يحق لاتحاد الطلبة ما لا يحق لغيره

كثير من الطلاب يوجهون أصابع الاتهام لاتحاد طلبة سورية في الجامعة، نظرا لدوره الكبير في التحكم بمفاصلها، فهذه المنظمة تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية تجاه الفساد والفضائح المنتشرة في جامعة تشرين، علي هو أحد الطلاب الذين انضموا لكوادر الاتحاد الادارية، وانفصل عنهم فيما بعد، أكد في حديثه أن المهمات التشبيحية التي تولاها الاتحاد لضبط الطلاب بداية الثورة منعا لأي حراك ثوري داخل الجامعة، تحولت لمهمات تجارية بعد انتفاء خطر التحركات الطلابية وذلك كمكافأة له من القيادة السياسة.

 ويؤكد علي أن الاتحاد يتدخل في كل تفاصيل الجامعة، بدءا من وضع الحراسة على المداخل، وصولاً لتحديد اسماء الناجحين في المواد الدراسية، نظراً لوجود علاقات قوية تجمع كوادره بأساتذة الكليات المختلفة، ولهم دور كبير في تأمين مبيع بعض المواد لقاء نسبة معينة يحددونها بانفسهم، ولفت علي إلى احتمال" ألا يقبض المدرسون ثمن المادة المباعة، وتذهب الاموال جميعها لصالح كوادر الاتحاد، وهنا لا نبرء المدرسين، لكن الكثير منهم متورطون في هذه العمليات درءا لشر هذه العصابة التي تستغل الظرف الحاصل على أكمل وجه، نظرا لعلاقاتها الأمنية الممتازة، ولا داعي للقول أن أعضائها ينجحون  في سنواتهم الدراسية دون اي مجهود يذكر، فالنجاح بالنسبة لهم مجرد تحصيل حاصل".

أين الحل؟

لا يبحث طلاب جامعة تشرين عن حلول لمشاكلهم الدراسية المعقدة، فالهم الأكبر بالنسبة لهم الخروج من هذا الجحيم الذي لا ينتهي، القصص المنتشرة عن فساد الجامعة وكيفية ابتعاث المعيدين وتعيينهم باتت معروفة ومتداولة قبل إندلاع الثورة السورية، لكن المجاهرة في الفساد والخوف من الحديث عن الموضوع يعتبر سيد الموقف، فالأمر مرتبط بقرارات عليا كما هو متداول، قرارات ارتأت تحويل مهمة صرح علمي من تخريج كوادر علمية متخصصة، إلى مجرد مرتع للسرقة والنهب يستهدف طالبا لا حول له ولا قوة.

التعليقات (1)

    باسل سوري

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    عدم اتفاق الفصائل خلانا بدوامة كبيرة الفساد في الفصائل خلانا بدوامة كبيرة والله هي المواضيع اهم بكثير من هل العلاك
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات