حرب عالمية.. أم قيامة؟

حرب عالمية.. أم قيامة؟
حالة المواجهة الظاهرة بين القوتين الروسية والأمريكية بما يخص المسألة السورية، ومع التصعيد الإعلامي بين الطرفين خلال الفترة السابقة أوحت للكثيرين على مستوى العالم باقتراب نذر حرب عالمية ثالثة!. 

تأمل ما تم الحديث عنه في هذا السياق يوضح وجود خطين رئيسيين بالتفكير، أولهما يرى، أو بالأحرى يتمنى وقوع هذه الحرب الشاملة، التي ستشترك فيها كل الأطراف، وسيدفع فيها الجميع الأثمان، كنوع من العقاب العام لجميع حكومات وشعوب الدول الفاعلة، بسبب تركهم للشعب السوري وحيداً في مواجهة القتلة والمجرمين الذين يمعنون فيه قتلاً وذبحاً وتشريداً طيلة السنوات السابقة، دون أن يقوموا بما كان يجب عليهم القيام به من أجل درء المصائب التي يعيشها السوريون! أما ثانيهما فهو ينطلق من قراءة الحيثيات السياسية والميدانية، فيقرأ منها وفيها إمكانيات وصول القوتين العالميتين إلى نقطة اللاعودة في صراعهما الظاهر، ما سيؤدي إلى انتقال المجابهة السياسية إلى عتبة أخرى يتم التصارع فيها عبر أدوات أشد فعالية وتأثير على كافة المستويات، هي الحرب التي ستؤدي ضمن المنظور العام إلى انتصار أحدهما على الآخر!. 

التفكير بوجوب وقوع الحرب الثالثة بحسب الرغبات التي يظهرها أصحاب التفكير الأول هو مسار نمطي ذهني، يرتبط بشكل أو بآخر بفكرة القيامة، والتي طالما تكرر التسويق لها، بعيداً عن جذرها الديني، في الأوقات العصيبة التي تعيشها الأمم والشعوب. إذ حينما تسد طرق الحلول للأزمات المزمنة، وعندما يفقد الناس القدرة على معالجة الإشكالات الكبرى، يصبح الرجاء قائماً على تدخل قوى أكبر، تمتلك قدرات عظيمة، لا يمكن لأحد من أطراف المشكلة الأصلية أن يواجهها، وهكذا يتم توسل فعالية أسطورية، لا تبقي ولا تذر، وهنا يمكن التقاط التقابل بين فكرة الحرب العظمى وبين القيامة، فكلاهما تعنيان تدمير الواقع السائد، الذي عششت فيه حياة مسدودة الآفاق. 

وإذ يمسي التبشير بالقيامة لدى البعض هو تنطح لممارسة دور العارف بما لا يعرفه أحد، يصبح الحديث عن حرب عالمية ثالثة تأجيل وتسويف لإمكانيات قابلة للاستخدام في سبيل مقاربة الحلول الممكنة، فترجي الحل هذا، هو انتظار لمعجزة، تتدخل فيها قوى غير بشرية، بينما يمكن في المنطق الحياتي إعمال التفكير بالأزمة ذاتها، وقراءة جوانب فشلها وكذلك الجوانب التي تمكنها من تجاوز عثراتها وصولاً إلى نجاحها، وطبقاً لهذه المقاربة فإن معالجة الحالة السورية، لا تحتاج إلى تمنيات بوقوع معجزة، أو اللجوء إلى حل يتم استجلابه من الغيب، بل تتطلب مراجعة نقدية جذرية لكل المسارات التي خاضتها الثورة، على المستوى السياسي ومنطق التحالفات التي خاضتها المعارضة فيما بينها وبينها وبين القوى الإقليمية والدولية، وأيضاً على المستوى العسكري والعقائدي، حيث لابد من إعادة طرح الأسئلة التي تناقش ضرورات تسلح الثورة، وتمر بنقد تكتيكاتها المتبعة، ولا تنتهي بالبحث في النتائج التي أفضت إليها بعد خمس سنوات من زمن التجربة.

القراءة هذه تعيد ربط مصير الثورة السورية بصناعها، فهي تذهب نحو استعادتها من القوى الإقليمية والدولية التي تستثمر فيها، لتعيد وضعها بين أيدي السوريين، الذين يتم الآن تعطيل قدراتهم على ممارسة الفعالية بحجة أن قضيتهم باتت في أيادي القوى الكبرى، وأن أي جهد سوري لتعديل المسار لن يكون ناجحاً، ولن يكون مسموحاً به، إلخ.

أما القراءة التي يقدمها أصحاب التفكير الثاني، والتي تظهر غالبيتها في المقالات التي تنشر في الصحف العالمية، فهي لا تعدو عن كونها محاولة لصناعة الإثارة، فكل من يقرأ بواطن السياسة الدولية منذ عقود يدرك أن السياسة تدار من خلال الاقتصاد، وأن وقوع حرب كبرى بات غير ممكن إلا في ظروف مختلفة يحتاج شرحها إلى مراجعات عميقة في مسارات الاقتصاد العالمي، والذي يدرك المهيمنون عليه في الوقت الحالي، أن الأثمان التي ستدفع في حال وقوع مثل هذه الحرب لن تكون عادية بالمقارنة مع ما تسببت به الحربان السابقتان، فالقدرات الحربية لدى القوى العظمى وكما هو معروف، لا تهدد خصومها فقط من ناحية الفعالية، بل إنها تهدد وجود الجنس البشري كله على كوكب الأرض! 

لن تقع حرب عالمية ثالثة، بالشكل الذي عرفت به هذه الحروب، جل ما يمكن أن يحدث هو حروب صغيرة هنا وهناك، تمتحنُ فيها إرادات القوى الإقليمية قدراتها في مواجهة إرادات القوى الكبرى، من أجل الخروج عن أطر الهيمنة المستمرة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي رسمت خرائط السيطرة على مستوى العالم، وضمن هذه الحروب تصبح القوى الفاعلة فيها مضطرة إلى الدخول في سياقات تجعلها في موقع التحالف مع هذه القوة الدولية أو تلك بحسب تقدير الجميع لمصالحهم.

نتحدث هنا عن الحروب، ويوجب علينا السياق التمييز بين الحروب وبين الثورات، ولعل الإجحاف الأكبر الذي لحق بكل ثورات الربيع العربي هو تكريس التعاطي معها على أنها حروب أهلية، ثم جرى تحويل وضعها إلى حروب إقليمية صامتة، لينتهي المطاف بقراء وقائعها المستعجلين إلى جعلها بؤرة لوقوع حرب عالمية! وبالطبع يدرك العالم كله أن إزالة حكم ديكتاتوري، في بلد مثل سوريا، هو أسهل الخيارات مقابل خيار حرب عالمية جديدة، ولكن في ظل هذا البازار الدولي، يعلو الصراخ حيناً، فيهرب البعض، معتقدين أنها الحرب والقيامة..

التعليقات (2)

    مهاجر

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    سلمت يمناك أستاذ علي، أشكرك على هذا التحليل الجيوسياسي الدقيق. لعمري لقد أبلغت في الوصف لدقائق مايجري بحرفية عزّ نظيرها.

    انس يوسف

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    كل من يحلل أو يصف المرحلة ينسى قدرة الله وان كل شئ يجري وفق مراد الله نعم الكل يجتهد لكن يجب علينا العلم اليقيني أن الله ناصر عباده الصالحين وناصر دينه لا محاله (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى....
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات