اليوم حصل تغيير كبير، بعد صعود قوى جديدة ولاعبين اقليميين ودوليين جدد. بعد نهاية أطروحة نهاية التاريخ لفوكوياما والتي أراد من خلاها تثبيت حكم النموذج الرأسمالي الأميركي- الغربي للعالم، تبين بعد عقد جديد في الألفية الحالية أن العالم يتغير بسرعة، وأن التاريخ لم ينتهي!. ولابد من أن يرافق هذا التغيير حدث ما يعيد رسم المشهد من جديد على مقاس اللّاعبين الجدد.
بعد التدخل الروسي في سوريا خرجت أصوات كثيرة تتحدث عن فخ ما نصبه أوباما وفريقه لبوتين الطامح باستعادة أمجاد قيصرية غابرة. حيث يصر أصحاب هذه الأصوات على أن التدخل الروسي سيضعف روسيا اقتصاديا وسيكون بمثابة نهاية أحلام بوتين القصيرية. ليتبين لاحقا قصر نظر هذه الاطروحة، فبوتين أرعب أوروبا حين تدخل في أوكرانيا وبعد سيطرته على القرم اقام بسرعة جسر بين القرم وروسيا كفرض امر واقع جديد.
وفي سوريا لم يبق صوت يعلو فوق صوت الطيران الروسي فوق سماء سوريا ولا صوت أعلى من صوت لافروف في المؤتمرات الصحفية، بوتين خرج بكل وقاحة وقال إن تكلفة تدخله العسكري في سوريا أقل من كلفة تدريبات أو مناورات يجريها عادة. روسيا وبذكاء استغلت الفجوة بين الاتراك والغرب وسارعت إلى نسيان قضية الطائرة بعد اعتذار أردوغان وبدأت في فتح صفحة جديدة مع تركيا، صفحة كان أردوغان بحاجة إليها بقدر حاجة بوتين. أردوغان المنتصر على أعدائه في الداخل يريد تثبيت وضع تركيا الجديد كلاعب إقليمي لا يمكن تجاهله.
الصين أيضاً بعد أن باتت عملاقاً اقتصادياً وقوةً عسكرية لا يستهان بها، وأصبح لديها طموحات توسعية أكبر من استعادة تايوان والتي تبدو أنها مسألة وقت لا أكثر، الصين عموماً تكشر عن أنيابها ببطء شديد لكن بخطوات مدروسة. وليس بعيدا عن الصين هناك الهند التي حققت طفرة اقتصادية وهي بلد ديمقراطي إلى حد كبير، بدأت مؤخراً تعيش نشوة هذه القوة، وما التحرش العسكري الأخير في الباكستان الجارة اللدود إلا مقدمة لعودة ساخنة لحدود البلدين في إقليم كشمير المتنازع عليه منذ انسحاب البريطانيين، البريطانيين عادة يتركون خلفهم الحدود كجروح نازفة لا تندمل.
بالعودة إلى روسيا، وقوتها الجديدة في المنطقة والعالم، يريد بوتين من خلال عدوانه على الشعب السوري وتدخله في أوكرانيا رداً على إهانة أوباما حين وصف روسيا بأنها قوة إقليمية، ليتبين خلال السنوات الثلاث الأخيرة أن روسيا ليست قوة إقليمية، صحيح أن أمريكا لاتزال هي القوى الأكبر في العالم وهي صاحبة أكبر ترسانة أسلحة وقوة عسكرية منتشرة في معظم الكرة الأرضية تقريباً لكن ما هو مؤكد أيضا أن العالم بات اليوم بحاجة إلى إعادة تموضع جديد للقوى الصاعدة، فأوروبا بدأت بالانهيار وما انسحاب بريطانيا إلا بداية وضوء أخضر لمطالبة دول جديدة بالانسحاب، صعود اليمين في أغلب الدول الأوروبية مؤشر واضح على عمق الازمة التي تعصف بالاتحاد.
العالم يتغير، ولا يمكن لهذا التغيير أن يمر بسلام، هكذا أخبرتنا كتب التاريخ وقصص نشوء الأمم.. لابد من حرب.
التعليقات (18)