سحلب "الحمصي".. والشرف الأبيض

سحلب "الحمصي".. والشرف الأبيض
كانت يوما الصورة رسالة السوريين إلى العالم، وكان لها صداها وأثرها، إلى أن دخلت في مرحلة "العادية" وأصبح رواج بعضها مرتبطاً بمستوى الفاجعة وشكل الموت، نعم الموت وحده ما تشير صوره إلى سوريا، موت السوريين وحده الجذاب هذه الأيام بعد ست سنوات من الثورة، وبعد أن كانت صور السوريين منوعة منها مثلا، صور لمن كانوا يوما يحسبون على المعارضة، صور بعضهم في خنادق الثوار يحملون زجاجات المياه المعدنية أو يتمشون على الحدود بين اللاجئين ويداعبون شعرهم بأناقة، وصور لرياء مفعم بالابتذال لحفنة أفرزناها نحن وسميت "معارضة سياسية".

هؤلاء البشر الذين أصبحوا متخمين بالفضائح بكل أنواعها، على رأسها الفضائح المتعلقة بالمنازعات والخلافات الساذجة والفضائح المالية، لا يعنيني كسوري ماذا قبض فلان وكم، لكن يعنيني لماذا قبض، وهل كان ما قبضه ثمنا لقضيتي أم على سبيل الشحادة، وعلمتني الأيام أن لا شيء دون ثمن فأصبح كل مال يعنيني، كيف وبعد أن صار عادياً أن نسمع عن سرقات وأرقام فلكية، والكارثي أنها تسرق ما كان مخصصاً لقوت اللاجئين المعذبين ممن خسروا كل شيء لقاء حريتهم وكرامتهم التي أصبحت أصبحت سلعة للتجارة عند أولئك السياسيين!

ما يعذب أنهم لا يدركون ولم يدركوا حجم القضية والمهمة التي يتاجرون بها لا يدركون حجم مأساة مئات الآلاف من الشهداء وعوائلهم ومأساة تشرد الملايين ودمار نصف سوريا، كانت أولوياتهم مستوى الفندق وخدماته ودرجة المقعد على الطائرة وفاتورة الاتصالات، وقد سمعت مرة عن فاتورة بلغت قرابة 3000 دولار لموبايل واحد يستخدمه شخص واحد، صور الترف والرفاهية والفنادق الفخمة والرحلات السياحية  كانت أكثر من أن تحصى وليس من قبيل الاتهام فحسب إذا قلنا بأن معظم من كان معارضا سياسيا سوريا عاملا في السنوات الست الماضية كان أحد المستفيدين وبنسب ومبالغ مختلفة كان مستفيدا بينما كان الشعب الكريم يعاني لظى العيش في المخيمات المذلة.

كان مؤسفاً أن تمر السنون على ثورة كثورة الشعب السوري دون أن يتولى شأنها من تستحق من شخصيات يقارعون العالم باسمها وهي التي ترفع وتعز كل متبنٍ، كان مؤسفا أن لا تقدم المعارضة السياسية للثورة إلا الفشل والخذلان والكثير من الاسنتغلال والارتزاق ودون مقابل يذكر ولو على سبيل ذر الرماد في العيون كم كانت عيونهم فارغة وجريئة على الثورة كم كانوا صغارا وكانت كبيرة.

 يحضرني بوح أحد الأصدقاء الذين عايشوا بعض ما كان يدور في أروقة الائتلاف إذ قال لي بأنه مستعد بعد ما رأى أن يقبل يد أي "سياسي سوري محسوب عالثورة" لو استطاع من خلال صفقة أو اتفاق أو اجتماع أو زيارة أن يمنع قتل طفل واحد أو تشريد عائلة لكن لم ولن يفعلوا فكيف سيحترمهم أو يرضى بذكر اسمهم السوري المعذب.

وفي خضم سيل صور الموت والمآسي وفي وقت ينتخب أبشعها وأكثرها ألما ليتصدر العناوين، كون الموت وحده لم يعد مغريا ليتعاطى معه الإعلام، تقفز على مواقع التواصل الاجتماعي صور للمعارض السوري محمد مأمون الحمصي وهو يبيع القهوة العربية والسحلب الشامي في شوارع فانكوفر بكندا على بسطة اتخذها كباب رزق لا ارتزاق.

 الحمصي معارض سياسي لنظام الأسد منذ 15 عاما ونائب سابق عن الشعب السوري في البرلمان قبل أن يجرد من عضويته في مجلس الشعب ومن حقوقه المدنية ويسجن، فقط لمعارضته والحمصي كان يوما صاحب ثروة في دمشق، قبل أن يهرب في العام 2006 إلى عمان فبيروت ويخسر تقريبا ماله ومدينته، وبعد انطلاق الثورة عام 2011، يُنقل عنه أنه قدم ما استطاع في خدمة الثورة لكن كان يقابل بالتجاهل من قبل دوائر المعارضة المرتبطة بأجندة والمُشكلة بناء على محددات لا تحيد عنها.

 وأتذكر جيدا ظهوره الأول في تسجيلات بدائية على موقع "اليوتيوب" وهو يتوشح بالعلم (علم النظام حاليا) يصرخ ويطلب من الناس المشاركة في الثورة وكان يشرح الحالة تماما كما هي الآن يقول ما بدأ يقال الآن، كان واضحاً في وصف نظام الأسد الطائفي وتحديد أهدافه ودوافع مؤيديه واضعاً تشريحا دقيقا للحال بينما كان غيره ينافق و يحابي العالم ويصف هذه الأصوات بالطائفية الهدامة لروح الثورة في حين ثبت العكس بعد سنين الدم والتهجير.

ليس الهدف تقديم الرجل كبطل لا مثيل له بل تقديم الحالة التي وصلت لها شخصيات كان من المفترض أن تقدم وتعمل لخير هذا هذا الوطن والشعب المنكوب، حالة يمكن وصفها بالمزرية المعيبة تجاه تضحيات هذا الشعب، التي يمكن أن تصنف فيها أيضا تضحية الحمصي وأمثاله المجهولين المبعدين التي شاء مروجو صوره أن يجعلوها مادة للشماتة والسخرية من المعارضة بينما هي تعطيه احتراما وتؤكد في مكان ما إخلاصه في معارضته لهذا النظام إذ لم تكن لمطمع أو منصب بل كانت خالصة لوجه الشام، وما بيعه للقهوة والسحلب في شوارع كندا إلا وسام شرف أبيض على صدر مسيرته.

التعليقات (2)

    أحمد الطبقاوي

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    براي لازم اولا نسقط جماعه الاعتلاف لحتى تنجح الثورة تبعنا

    الله والعقيد النمر

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    الحمصي مادة للشماتة والسخرية والسحلب يتاجر به HHHAAAA
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات