روسيا في شعاب سوريا: سنة مضت

روسيا في شعاب سوريا: سنة مضت
مرت سنة من انخراط روسيا في المذبحة السورية، وهي منهمكة الآن في تعداد "الانتصارات والإنجازات". وكادت أن تنجح في وضع اتفاقية الهدنة الأخيرة في رأس لائحة هذه الانتصارات، بعد أن عاشت جو "انتصار فعلي" عقب 9 ايلول/سبتمبر، وكانت تعجل أميركا بالاعتراف به والإقرار بهزيمتها في سوريا والمنطقة مع أصدقائها من العرب، على ما كان يطالب به إعلام الكرملين.

وهي، في الحقيقة، لم تَدّعِ زوراً على ما يقر المساعد الخاص السابق للرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط فيليب غوردون، في مقالة نشرها في صحيفة "واشنطن بوست" في 28 من الشهر الحالي. فقد ذكر غوردن أنه لو قيض لهذه الإنفاقية أن تنفذ، لكان من شأن ذلك أن يحول دون تغيير النظام في دمشق في المستقبل المنظور، ولكانت روسيا ثبّتت مواقعها في الشرق الأوسط كدولة رائدة.

ليس بقاء الأسد بالسلطة في طليعة الانتصارات التي تفاخر بها روسيا، بل هي قالت غير مرة، سواء تلميحاً أو مباشرة، إنها على استعداد للتفاوض حول مصيره. هو انتصار بقدر ما يعني بقاؤه هزيمة للغرب ليس إلا، وبيان مجلس الإتحاد الروسي في 28 ايلول/سبتمبر بمناسبة سنوية تشريعه للعملية العسكرية في سوريا، لم يأت على ذكر الأسد لا من قريب أو بعيد. "الانتصار" الذي لا تساوم موسكو بشأنه، هو استعادة روسيا مكانة الدولة العظمى، بعد إذلال التسعينات، وعودتها لتكون شريكاً لأميركا والغرب في معالجة قضايا المنطقة. بل هي تفاخر في هذا الإطار بأن موقعها في المنطقة ونفوذها لدى كافة أطراف النزاعات، بلغ من القوة ما يتيح لها الحديث عن "شرق أوسط روسي جديد"، يساهم في "استقرار المنطقة وحماية حدود روسيا الجنوبية.

جميع المواقع وأجهزة الإعلام الموالية للكرملين تردد في هذه المناسبة معزوفة الانتصارات على وقع "الانتصار الحاسم"، الذي "يتحقق" هذه الأيام في حلب. هذا الانتصار، الذي سيشكل "انعطافة حاسمة" في مجرى الصراع، ليس في سوريا فحسب، بل في مجرى الصراع مع الغرب حول النفوذ في الشرق الأوسط ككل. ولا تختلف عن ذلك المواقع والصحف الناطقة باسم القوى السياسية المعارضة من داخل النظام مثل الحزب الشيوعي، وحزب "روسيا العدالة"، و"الحزب الليبرالي الديموقراطي الروسي"، بل هي تزايد في شأن المجزرة السورية على الكرملين وحزبه "روسيا الموحدة".

"الانتصار"، الذي يجمع عليه الكل، هو "انتصار السلاح الروسي" والخبرة القتالية، التي اكتسبها الجيش الروسي في سوريا. وكان بوتين قد ذكّر في آذار/مارس الماضي أن العملية الروسية في سوريا لم تكلف الموازنة الروسية شيئاً، بل إن كلفتها هي جزء من ميزانية التدريب في وزارة الدفاع الروسية. وتفاخر وزارة الدفاع الروسية الآن، أن خبرة القتال في روسيا قد اعتمدت في مناورات "القفقاز2016" خلال الصيف الأخير، وهي الأكبر في تاريخ روسيا ما بعد الشيوعية. وصدر في مناسبة الذكرى السنوية هذه كتاب بعنوان "السلاح الروسي في الصراع السوري"، نصحت بقراءته أسبوعية المجمع الصناعي الحربي الروسي "VPK"، وهو بقلم دكتور في العلوم التقنية، وهو "البحث العلمي الأول" في استخدام السلاح الروسي على مسرح العمليات الحربية في الشرق الأوسط. لكن هذا السلاح ليس بلا عيوب، كما ذكرت أسبوعية "VLAST" في التحقيق المفصل عن العملية الروسية بهذه المناسبة، حيث قالت إن طائرة روسية لم تتمكن من إلقاء قنبلتها الموجهة بسب تعطل... الآلة التي تحمل القنبلة!

الصوت المفقود في هذه المناسبة هو، في الحقيقة، صوت المعارضة الليبرالية وصوت أحرار روسيا، على ضعف شأنهم في هذه المرحلة، وليس فقط بسبب سياسة الإغتيالات والقمع التي ينتهجها بوتين، بل لأسباب أخرى اشد عمقاً بكثير. فقد بينت الانتخابات الأخيرة أن سوريا لم تكن على جدول أعمال أي من هذه القوى المعارضة، سوى في المواقف المبدئية، التي أعلنتها في بدء العملية العسكرية الروسية في الخريف الماضي، مثل بيان "الحزب الديموقراطي الموحد" (يابلوكا) وموقف حزب "حرية الشعب" (بارناس) بقيادة رئيس الوزراء السابق ميخائيل كاسيانوف، والمعارض المستقل أليكسي نافالني، والقليل غيرهم. وقد أظهرت هذه الانتخابات مقارنة بالانتخابات الرئاسية الأميركية، أن سوريا ليست قضية روسية داخلية، ولا يربط الروس بين تدهور أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والحرب في سوريا، بل يردون ذلك إلى سعر النفط  و"مؤامرات الغرب" وسعيه الدؤوب لإفقار روسيا والروس وتدميرهم. فقد حقق بوتين وحزبه في هذه الانتخابات ما لم يحققه في اي انتخابات سابقة، بينما لم يتمكن أي من الأحزاب الليبرالية المعارضة من تخطي عتبة 5 في المئة، التي تتيح له دخول الدوما.

المواقع والصحف التي تحتفظ ولو بمسافة بسيطة بينها وبين الكرملين تحدثت، في هذه المناسبة، من موقع الحرص على "الانتصارات" في سوريا، والدعوة إلى تحصينها في وجه من يريد بها شراً في سوريا. فقد كتبت صحيفة "KOMMERSANT" في 29 ايلول/سبتمبر، أن "حزب الحرب" ينتصر في الجهتين في سوريا، في دمشق، وفي المعارضة المسلحة. ويتسنى لهذا الحزب "فرض إرادته على موسكو وعلى واشنطن، ويجبر القوى العظمى على الإختلاف مجدداً والإشتباك في مجلس الأمن". وتقول الصحيفة إن "تمديد الحرب هو سيناريو ليس مرغوباً به بالنسبة لروسيا، فهذه الحرب هي في نهاية المطاف حرب غريبة عنها. نعم هذه الحرب تقدم لروسيا إمكانية الإعلان عن نفسها بصوت جهوري في الساحة الدولية، والتذكير بقوتها العسكرية وطموحاتها الجيوسياسية، وتحرير تدمر من "الدولة الإسلامية". أجل، لكن ماذا بعد؟".

وترى الصحيفة أن أنصار الخط المتشدد في دمشق يصرون على مواصلة الحديث عن "هدف غير قابل للتحقق-كسب الحرب وفرض السيطرة التامة على حلب، ومن ثم استعادة السيطرة على جميع المحافظات، حتى تلك البعيدة منها، التي ليس فيها علويون موالون للسلطة، ولا مسيحيون، وحيث السكان هم من السنة المعادين للحكومة". وتضيف الصحيفة "طبعاً من السهل الإعلان عن مثل هذه الأهداف الطموحة، حين تسند ظهرك إلى القوات الجوية الروسية، التي تحل أعقد المهمات". وتشدد الصحيفة على أن موسكو لا تستخدم قواتها البرية في سوريا (وشكراً للرب، على حد قول الصحيفة)، مما يعني أن قوات النظام هي التي "عليها أن تنتصر".

يبقى أن نذّكر في مناسبة سنوية دخول روسيا الشعاب السورية، بأنه خلال السنة الماضية، بل ما قبلها أيضاً، لم تخرج تظاهرة واحدة في روسيا استنكاراً لمشاركة روسيا في المذبحة السورية، ولم تنتشر، كما في كل أنحاء العالم، على وسائل التواصل الاجتماعي صور أطفال سوريا المنتشلين جثثاً وأشلاء من تحت الأنقاض، الذين تخلفهم طائراتهم الروسية؛ فهم من قدموا لبوتين كل هذه المقاعد في الدوما الحالية. سوريا ليست فيتنام روسيا، كما لم تكن أفغانستان كذلك بالنسبة للاتحاد السوفياتي، الذي سقط بسبب الخبز وليس بسبب تظاهرات الروس واحتجاجاتهم. ولا أعتقد أن بوتين سوف يسقط، حين يسقط، بسبب سوريا، بل بسبب سعر الروبل وسعر النفط.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات