بين راشد عيسى ورشا عمران.. جريمة النقاش

بين راشد عيسى ورشا عمران.. جريمة النقاش
"المثقف هو الشخص الذي يتدخل في مالا يعنيه، ويمتلك القدرة على الجهر بالحقيقة"

جان بول سارتر

كتب السوريون على مدى 6 سنوات من ثورتهم الكثير الكثير عن النظام ورئيسه القاتل، وأكاد أجزم أنه لم يبقى تفصيل يفضح كذبه وممارساته وإجرامه وسطحيته إلا وتصدر صحافي سوري أو ناشط أو مدون للكتابة عنه، ولكن بقي أن نتكلم عن أنفسنا، نحن الشعب السوري الذي قال "لا" للنظام.

ثمة مسافة بين ما يعلنه المثقف السوري وما يطبقه، بين الشعارات والسلوكيات، الأقوال والأفعال، وإن كنا عشنا 40 سنة تحت حكم نظام فاشي حاول إفراغ المجتمع السوري من الثقافة، و"طفّش" جزء كبير من مبدعيه، وسجن جزء آخر، وحول المدارس إلى مداجن، واستخدم أجيال في ماكينته البعثية، إلا أنني اليوم أجرؤ أن أقول أن كل مثقف ومفكر ومعارض وسياسي وسجين سابق وصاحب رأي ومبدع، لم تجبره الثورة السورية على التوقف وإعادة التفكير بتاريخه وافكاره ونظرياته، هو بالتأكيد يقف في المكان الخطأ والزمان الخطأ، ما حدث في سوريا وما يحدث يجب أن يجبر كل انسان ذو فكر أن يقف وينتقد كل ما فكر به سابقا، وما مارسه على مدى سنوات ربما.. 

هل يمكن أن يذكر أحدنا أن معركة كلامية بين مثقفين سوريين انتهت بسلام وبلا شتائم أو تخوين؟ هل لأحد منا أن يتقبل انتقاداً "بغض النظر عن مدى دقته" دون أن يفتح صفحته الفيسبوكية لشتم وتخوين وتصغير المنتقد؟

مناسبة الكلام معركة صحافية انشغل بها عدد غير قليل من المثقفين السوريين على صفحات الفيسبوك، بين الصحافي راشد عيسى "وليس العيسى كما كرر اسمه أحد منتقديه"، وبين الشاعرة السورية رشا عمران، وبغض النظر عن موافقتي أو عدم موافقتي على رأي راشد ورشا، فإن ما حدث من "تشبيح" ثقافي باسم الاثنين يضعنا أمام مأزق حقيقي، هل خرجنا من عباءة النظام؟

يحق لراشد عيسى "كصحافي" أن يقول رأيه بمقابلة مع شاعرة سورية على قناة "البي بي سي"، ويحق لراشد أن يعبر عن رأيه بالطريقة التي تعبر عن شخصيته الصحافية وبأسلوبه الخاص، ويمكنه أن يعبر عن وجهة نظره بصراحة ووضوح حتى لو كانت وجهة النظر تلك تُختصر بأنه وجد كلام رشا عمران في المقابلة "تسطيح للثورة السورية" وأنه شعر كسوري أن تلك المقابلة احتوت في ثناياها على حكايتان"فيهما تبييضاً مجانياً لصورة النظام، عدا عن أن فيهما من الهزل ما يجعل من تبقى حياً من المعتقلين يتمنى الموت"، وإن كنت أوافقه في وجهة النظر هذه إلا أنني أترهب من إعلان الموافقة على بعض مشاهدات راشد وأحكامه "ربما خوفاً من حفلة شتائم جديدة كالتي طالت راشد".

ومن جهة أخرى يحق بالطبع لرشا عمران ان تدافع عن تصريحاتها، وأن تشرح وجهة نظرها أو سياق حديثها، ويحق لأي سوري أن يقف معها وينتقد مقال عيسى، ولكن أن تتحول الصفحات إلى ساحة "للتشبيح" وفرصة للشتم "خصوصاً لراشد" فهو طامة ثقافية كبرى.

أنا شخصياً لم أعجب بالمقابلة، ووضعت عدة إشارات استفهام عليها، ووافقت على عدد من الانتقادات التي ساقها راشد، ولكنني في الوقت نفسه رأيت أنه قسى في بعض الأماكن وحمل رشا ما بيزيد بكثير عما قالته أو عبرت عنه، ولكني لم أجد مساحة كافيه للتعبير عن رأيي وسطك التحزبات التي جرت، واللغة التشبيحية من جهة والتأليهية من جهة أخرى، فتحول راشد إما إلى مجرم أو نبي، وتحولت رشا "تقريبا كل الوقت" إلى أهم اسم في الثورة، والتوصيفين بالتأكيد غير دقيقين ولا منصفين. 

يمكننا كسوريين أن نفهم أن الثورة لم تكن عملاً مخططاً له، ولكنه بالتأكيد كان نتيجة طبيعية وحتمية للوضع الذي عاشته سوريا، ونعرف أن الثورة فاجأت الجميع، وفاجأت كبار المثقفين الذين تربينا على أسماءهم، ولكن مالا نفهمه أن يبقى هؤلاء في موقف الذهول والمفاجأة على مدى 6 سنوات هو عمر الثورة في سوريا، ويختفون من المشهد السوري الحقيقي، بينما تسود حالة ثقافية عرجاء تصيبنا بخيبة أمل تلو الأخرى كلما حاول أحدهم أن يقول رأي.

على مدى 6 سنوات، لم نسمع بمثقف واحد اعترف بأخطاء وقع فيها، وإنما كل ما حدث  عبارة عن حفلات شتم وتخوين، فحل التخوين مكان الانتقاد، والشتم بدل الاعتراف.

قال الفيلسوف جان جاك روسو "الطريقة الوحيدة لتفادي الخطأ هي الجهل"، فهل نجن مصرون على عدم الخطأ، ألم نصل للوقت الذي غطى الدم فيه وجوهنا لدرجة يصعب معها أن نبقى مستمتعين بتفادينا للخطأ.

التعليقات (2)

    المالك الحزين الواعي

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    على عيني ولله كلام موزون وصورة متكاملة للواقع الثقافي السوري وياخوفي ان يمتد هذا الواقع الى مستقبل سوري وبذلك نهوي وتهوي سوريا في دوامة الكره اللامنتهي ، شكراً هنادي ولعل كلماتك تجد من يسمعها .

    سامي الصوفي - واشنطن

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    رشا عمران يزعجها منظر الموظفين المسلمين "و هم يتوضأون و يصلون" في وزارة الثقافة السورية، و كتبت مقالة في العربي الجديد تنتقدهم. و لكن رشا عمران لا يزعجها موقف أدونيس من النظام السوري كما قالت في مقابلة مع ملاذ الزعبي قبل ٣ سنوات قالت فيها؛ «أنها لا تستطيع انتقاده، فهذه وجهة نظره». يا هيك العلمانية ... يا بلا!
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات