كره المسلمين كسياسة

كره المسلمين كسياسة
أحسنت مرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون عندما افتتحت الجزء المخصص للأمن الداخلي، في المناظرة الرئاسية مع منافسها الجمهوري دونالد ترامب، بالإشارة إلى أن الخطر الاكبر الذي يتهدد الولايات المتحدة هو القرصنة التي تمارسها بعض الحكومات، في اشارة الى موسكو، التي تتهمها واشنطن باختراق حسابات اميركيين، منها ذاك التابع للجنة المركزية للحزب الديموقراطي.

تقديم كلينتون القرصنة الروسية على الإرهاب، المحسوب عادة على المسلمين، كان هدفه توجيه النقد الى العلاقة الطيبة التي تجمع ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكن التفافة كلينتون لم تثن ترامب عن توجيه اتهاماته للمسلمين مجددا، مكررا مطالبته بفك تحالف اميركا مع بعض الحكومات المسلمة، ومطالبا ايضا بجعل ممارسة شرطة نيويورك التوقيفات العشوائية، لمجرد الاشتباه بأميركيين من غير البيض، ممارسة على صعيد البلاد بأكملها.

ومن نافل القول أن هجوم ترامب على المسلمين هدفه حصد الصوت المسيحي، فاليمين الأميركي والأوروبي، عمد على مدى العقدين الماضيين الى تحويل الاسلام الى فزاعة للمسيحيين. وترامب، المسيحي المولد، لا يمارس مسيحيته أصلاً، وهو أخطأ حتى في اقتباس العبارات المعروفة في الاناجيل في احد خطاباته. لكن ترامب يعلم ان مهاجمة المسلمين هي مصدر شعبيته لدى غير المسلمين.

وترامب ليس وحيداً في العالم في تلويحه بالعداء للمسلمين لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية، فأوروبا مليئة بالسياسيين الديماغوجيين الذين يلقون باللائمة على المهاجرين المسلمين لتبرير تراجع الدور الأوروبي اقتصادياً وعالمياً، بدلاً من مصارحة مواطنيهم بالقول إن سبب تراجع الغرب هو صعود دول شرق آسيا وجنوبها.

العداء للمسلمين تحول إلى مكسب سياسي، لا في أوروبا وأميركا فحسب، بل في روسيا كذلك، حيث يبني بوتين زعامته على اخافة الروس، ذوي الغالبية الارثوذوكسية، من تهديد اسلامي وجودي مزعوم، نظرا الى ان المسلمين يشكلون غالبيات سكانية في الدول الشيوعية السابقة المتاخمة لحدود روسيا الجنوبية. 

ومن أميركا وأوروبا وروسيا إلى مصر، حيث غالبية السكان مسلمة. في مصر، استغل الجيش المصري، وهو الزمرة الممسكة بزمام الحكم، العداء العالمي للمسلمين لتنفيذ انقلاب موصوف. في مصر، صوّر النظام العسكري ردة الفعل العنفية لبعض الاسلاميين ضد انقلاب وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي على أنها سبب الانقلاب.

ولأن الطيور على أشكالها تقع، وجد السيسي أصدقاء فوريين في بوتين وترامب. فكلينتون اجتمعت والسيسي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وخرجت لتقول إنها ذكّرت السيسي بضرورة احترامه حقوق الانسان. صحيح أنها، مثل أوباما، لن تخرج ادانتها للسيسي عن التصريحات في حال وصولها البيت الأبيض، ولكن تصريحات الشجب أفضل بقليل من بيان لقاء ترامب والسيسي، والذي أشاد فيه ترامب بعظمة حاكم مصر، في مديح يشي بأحلام ترامب أن يتحول حاكماً أميركياً يشبه حاكم مصر: يطبق على أنفاس مواطنيه تحت شعار مكافحة الاسلاميين، او مكافحة الاسلام فحسب عند ترامب.

حتى في لبنان، البلد الذي لا يدخل في حسابات الأمم، يتفنن وزير الخارجية جبران باسيل في عنصريته ضد المسلمين، يوما ضد اللاجئين السوريين والفلسطينيين، ويوما آخر ضد السنة اللبنانيين. وكما ترامب والسيسي، يعلم باسيل ان عملية اخافة المسيحيين من المسلمين تكسبه تأييدا واسعاً بين مؤيديه المسيحيين.

كره المسلمين صار سياسة عالمية تستتبع حكماً اعادة كتابة التاريخ. فجأة، صار المسلمون وحدهم غزاة التاريخ ودموييه، وكأن التاريخ لم يشهد الامبراطور الروسي الجزار “ايفان الرهيب”، ولا الملكة الكاثوليكية البريطانية التي احرقت البروتستانت من مواطنيها فاكتسبت لقب “ماريا الدموية” (بلودي ماري)، وغيرهم الكثير من الحكام الدمويين عبر التاريخ.

وحتى لا نخرج عن حكمة سقراط “ اعرف نفسك”، لا بد لنا من الإشارة إلى أن الأميركيين المسلمين يشاركون، من حيث لا يعلمون، في السماح بصناعة صورة سيئة عنهم، فهم بدلاً من أن يحتموا بالمؤسسة الديموقراطية التي تنسج تحالفا من الاقليات في وجه البيض الجمهوريين، يتمسكون بمرشحي الهامش، اذ بعد خسارة بيرني ساندرز، انتقلوا إلى جيل ستاين، بدلاً من ان يظهروا حنكة سياسية في الانخراط في المكان السياسي الأنسب، لا المبدأ الأصح فحسب.

التعليقات (1)

    مظلومي اخر الزمان

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    اعتقد أن (البيض) هم الغالبية السكانية في امريكا، ولو كان الواقع كما يصوره المقال لما وصل أوباما (الاسود) و (المسلم) من ابوه على الاقل، الى راس هرم السلطة في اميركا. لكن ملاءكية وطموع العرب، يساء فهمها من غالبية سكان المعمورة على ما يبدو!؟
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات