أوروبا الجبانة مشكلتنا

أوروبا الجبانة مشكلتنا
يزداد الغضب السوري من الدور الشرير الذي تلعبه الولايات المتحدة تجاه الثورة السورية، والرئيس الأمريكي باراك أوباما نال ما ناله مستحقاً من سخط السوريين وسبابهم، المشهد دولياً بات مختصراً على كاوبوي أمريكي يدّعي الضعف وأزعر روسي يدّعي الزعامة، الحراك الوحيد حالياً اجتماعات ومشاحنات تافهة بين كيري ولافروف، ونحن نغرق بمتابعة التفاصيل دون الانتباه إلى الاختفاء الفاضح للدور الأوروبي، والذي ندفع ثمن جبنه أمام الولايات المتحدة، ثمن يدفعه السوريون الآن بأقسى صوره ويدفعه وسيدفعه الأوروبيون بالتقسيط. 

ورغم الضجيج الأوروبي المساند للثورة السورية، إلا أن آخر موقف شجاع شهدناه منهم كان في مارس عام 2003، حينها كانت العلامة الفارقة بخطبة نارية من "دومنيك دوفيلبان" وزير الخارجية الفرنسي في مجلس الأمن والمعبرة عن موقف بلاده برفض الحرب على العراق، لم يكن الفرنسيون وحدهم آنذاك بل كان المستشار الألماني "غيرهارد شيرودر" علي يمين الرئيس الفرنسي جاك شيراك رافضين للحرب الأمريكية البريطانية على العراق، الحرب التي كلفت العراق نفسه.

ولكن هل تعلمون ما الذي حصل بعد هذا الموقف ؟؟؟!!

اختفى دوفيلبان من الساحة السياسة، ورحل شيراك  يجر في أذياله ملاحقات قضائية لم تخلص لشيئ ولربما كانت فقط لإذلاله، أما فرنسا فحظيت بنيكولا ساركوزي، كاوبوي آخر بنكهة فرنسية ليست خالصة، رئيس الفضائح الجنسية والعنصرية، ذهب ساركوزي فجاء "فرانسوا أولاند" الرئيس خالي الدسم  حتى في فضائحه!! 

وفي ألمانيا انتهت مع شرودر هيبة الزعامة الألمانية، مؤكد أنكم تذكرون فضيحة التجسس الأمريكية على غرفة نوم ماما ميركل محبوبة السوريين !! ولكن الفضيحة الأصل هي أن ميركل لم تستطع أن تحرك ساكناً، هي علمت ونحن علمنا ولم تحرك ساكناً !! ويبدو هذا منسجماً مع عموم المشهد الأوروبي، فمن وصل إلى زعامة أوروبية بعد ٢٠٠٣ لا يشبه بأي حال من وصلها قبل ٢٠٠٣!!

 

يبدو أن هذا العام، كان عاماً مفصلياً، فقد انفلت فيه السعار الأمريكي على العالم، فإلى جانب الحرب الجريمة على العراق والتي حازت على جل التركيز إعلامياً آنذاك، فالإعلام المتعطش للدماء لم يوازِ بين أهمية تغطية الحروب وأهمية التركيز على ما يجرى في الكواليس وكيف يتغير العالم !!

 ففي عام ٢٠٠٣ أكد الاتحاد الأوروبي وجود شبكة تجسس على مكاتب الاتحاد الأوروبي في بروكسل وباريس وبرلين، حينها الولايات المتحدة رفضت التعليق، ولكن لم يطل الزمن طويلاً وإن مر عقد من الزمن، فظهر إدوارد سنودن المستشار السابق في وكالة الأمن القومي والذي سرب وثائق أكدت عمليات التجسس الأمريكية، حتى في إحداها وبحسب ما نقلت صحيفة دير شبيغل الألمانية، فإن وكالة الأمن القومي الأمريكية  "الوكالة المصيبة" وصفت الأوروبيين  بأنهم "أهداف ينبغي مهاجمتها".    

استكمالاً لنفس الفكرة، في الفيلم السينمائي الذي يعرض حالياً عن سنودن وتفاصيل عمله مع وكاله الأمن القومي، يظهر مشهدٌ أثار ضحك المتابعين، إلا أنه يعرض حقيقةً كان على الرؤوس الأوروبية أن تشيب لها، إذ ينصب التركيز الأمريكي على التجسس على أوروبا بمراكز قواها وحتى بعيداً عنها، أمريكا حتى لا توفر التجسس على النمسا الشهيرة بأبقارها!!

فسنودن عندما دخل الوكالة كان مؤمناً  بالحرب على الإرهاب وما من منطقة في العالم تحظى بهذه البلية كالشرق الأوسط، وكان يطالب مديره بإرساله للعمل الميداني مفترضاً دولاً  كإيران والعراق وغيرها، إلا أن الجملة الحاسمة جاءته مباغتة فمديره قال له المعركة ليست هناك، فبلاد النفط والرمال كما سماها، ستقَضي أغراضها وبعد سنين قليلة لن تقوم لها قائمة  بالنسبة للولايات المتحدة، الحرب القادمة هي برلين وباريس وأوروبا عموماً، وعلى ذكر الفيلم أدعوك قارئي العزيز أن تشاهده، وبعدما تفعل ستتأكد أن بلادنا هي فقط الساحة التي تتصارع فيها الديوك وليست المبتغى على عكس ما يعتقد معظمنا!!

 

أوروبا مستهدفة عيني عينك، ولكن هي مستسلمة عيني عينك أيضاً! تعالوا نرصد الآثار التي تعيشها أوروبا على وقع حروبنا، حدود مفتوحة مع مناطق ملتهبة، اقتصادات انهارت وبعضها تعافى ولكن بعدما أرهق اقتصاداً ألمانياً واعداً !! 

اجتماعياً أوروبا ليست بخير ٫ لا هي منارة حقوق الإنسان ولا هي عنصرية، والفجوة تزداد فمع كل موجة لجوء تخسر أوروبا الحديثة جزءا من قيمها جراء تعاطيها، ونقضها لقوانين حقوق الإنسان تجاه منكوبين ما كانوا ليصلوها لو لم تكن أوروبا بهذا الضعف السياسي، ضعف أوصلها لمجسات تجسس في غرفة نوم الزعامة الأولى في القارة العجوز.

 

لربما كانت الأمور تتوازن لو كانت القوى في العالم موزعة بشكل ثلاثي، الولايات المتحدة ومن لف لفها، روسيا ومن لف لفها، والاتحاد الأوروبي ومصالحه والتي بالضرورة تحتاج لشرق أوسط هادئ، ولكن على بابا يا ماما!! 

فالولايات المتحدة واعية لهذا الأمر، وواشنطن تعتاش على الحروب وإدارة الأزمات، لذلك من الطبيعي أن يكون الاتحاد الأوروبي بتصنيف العدو لها، ولعل آخر الضربات التي وجهتها واشنطن للاتحاد الأوروبي كانت عبر بريطانيا، بانسحابها من الاتحاد الأوروبي ما يفتح الباب لتفكيك هذا الكيان عاجلاً أم آجلاً، فلندن  أيضاً تحولت من زعامة أوروبية ومملكة لا تغيب عنها الشمس لمجرد صبي أوروبي يتحرك وفق هوى البيت الأبيض وهذا التحول أخذ مداه وبدأ عهده من زمن المرأة الفولاذية مارغريت تاتشر، ووصل لزهوته بعهد مجرم الحرب توني بلير ويستمر حالياً وإنما بصورة أقل فجاجة أو ربما أكثر، هنا علينا أن ننتظر سنودن البريطاني لنعرف. 

 

 بالنهاية السؤال لم يعد لِمَ الولايات المتحدة تستهدف أوروبا، السؤال هنا لِمَ أوروبا مستسلمة !!

التعليقات (5)

    سامي الابراهيم

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    مقال غاية في الروعة سلمت يداكي

    الأفق البعيد

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    صحفيي البي بي سي تحديدا تجدهم مزيج من الخبث و النفاق .....هي غير مكترثة بسوريا تماما

    الافق البعيد

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    مقال رائع لم أكن أضن أن هذه الصحفية لذيها كل هذه الافكار ...لقد احاطت بمشاكل الشرق الاوسط و اوربا في مجال زمني مند 2003 الى اليوم مرورا بالعراق و الى الكارثة التي نعيشها اليوم و أضفت بعدا اخر على القضية وهي استهداف أمريكا لأوربا وتطويعها و الذي قد يعتبر غريبا للكثيرين.

    كمال

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    كلام في صلب الموضوع واصبت الحقيقة

    نوؤي

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    تحليل راءع ولكن على حسب معلوماتي ان موسس التحاد الاوروبي هو روار شومان وقد ثبت بانه كان عميل للمخابرات الامريكية cia وارى ان من مصلحة امريكا ان تقوي التحاد الاوروبي الذي يصب في مصلحة العولمة وهو نظام قطبي موحد للتحكم في كل مسيرات العالم
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات