الإرث المجنون..لهجمات 11 أيلول

الإرث المجنون..لهجمات 11 أيلول
رسالة زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري في الذكرى الخامسة عشرة لهجمات 11 أيلول على نيويورك وواشنطن، مثيرة للسخرية، برغم أن أي تقييم موضوعي للحصيلة النهائية البعيدة المدى لتلك الهجمات لا يمكنه أن يناقض حقيقة أن الأميركيين تعرضوا بالفعل لهزيمة ساحقة على يد تنظيم صغير، يكاد يبدو اليوم أنه جرت تصفيته من الوجود، برغم أن روحه ما زالت حية.

في الذكرى ال15، هدد الظواهري أميركا بآلاف الهجمات المشابهة ، طالما أنها تعتدي على المسلمين في ديارهم الممتدة من افغانستان حتى المغرب  مروراً بفلسطين والشام والعراق واليمن وصولاً الى مصر ، ودعا الأميركيين السود إلى الإسلام بوصفه حلاً وحيداً لمشكلاتهم السياسية والاجتماعية،  لكنه أحجم، ربما بدافع التواضع، عن التدخل في معركة الانتخابات الاميركية كما في مرات عديدة سابقة.

التهديد شبه فارغ من المضمون لأن صفوف التنظيم فرغت من الأعضاء والمريدين، وتفرعت الى تشكيلات صغيرة متفرقة لا يجمع بينها رابط سوى الفكرة، ولا تتصل بالظواهري وقيادة التنظيم في افغانستان، حتى بالفتوى.. وهي مهتمة بالصراعات المحلية التي إنفجرت في اعقاب الغزو الاميركي لأفغانستان، وإن كانت تنتج بعض "الذئاب المنفردة" للقيام بعمليات أمنية في عدد من البلدان الاوروبية الغربية من دون ان تستطيع بلوغ البر الأميركي.

مع ذلك فأنه لا يمكن للتنظيم المفكك أن يعلن أنه هزم في تلك المواجهة، مثلما لا يمكن لأميركا المتهالكة أن تزعم أنها انتصرت. الضربات المتبادلة كانت موجعة للطرفين، بل ربما كانت قاضية على أحدهما. فالقوة الأعظم في العالم التي خرجت من الحرب الباردة لتعلن نهاية التاريخ، ها هي الآن تخضع لقوانينه التي لا ترحم. لم تعد شرطي العالم ولا مركز إدارته ولا مصدر أفكاره ولا محور مخيلته. انطوت داخل حدودها ، لتدشن مرحلة جديدة من العزلة، التي لا تغطيها وحدات عسكرية وأمنية تنتشر على جبهات المواجهة فقط لتنظم طريقة الانسحاب  الاميركي من العالم الإسلامي.

الضربة كانت قاسية للتنظيم الذي ما زال يمكنه أن يزعم أن إرثه حاضر في العديد من التشكيلات والشبكات الاسلامية المنتشرة في كل مكان، والتي سرق "داعش" الأضواء منها، لكنه لم يصادر الفكرة ولا جدول الاعمال وأن كان قد أساء اليهما، وإلى سمعة التنظيم التي لا يزال يعتبر قوة عالمية لا يستهان بها.. يقال أنها يمكن أن تنهض من جديد على أنقاض الورثة  الحاليين غير الشرعيين.

لكن الضربة كانت مدمرة لأميركا، التي تنسحب تدريجياً من مختلف أنحاء العالم الاسلامي حيث لم يبق لها سوى بعض القواعد العسكرية والأمنية التي تنظم غارات جراحية محددة على "القاعدة" وورثته، وها هي تسلم الروس الاشراف التدريجي على البلدان الإسلامية الواحد تلو الآخر، والرعاية السياسية وحتى العقائدية لشؤون المسلمين، كما أوحى مؤتمر غروزني الأخير ، الذي تجاوز خطوطاً حمراء إسلامية، لم يجرؤ الاميركيون أنفسهم  على مسِّها ، حتى في ذروة حملتهم من أجل تنقية النص الاسلامي من مفهوم الجهاد.

لا أسف على الاميركيين طبعاً، ولا على تنظيم القاعدة الذي نشأ وترعرع في أحضانهم قبل ان ينقلب عليهم، ويتسبب الصراع بينهما بسقوط أعداد لا تحصى من المدنيين الأبرياء. ما يؤسف عليه فعلاً هو ان ورثة الجانبين أسوأ وأخطر منهما بما لا يقاس. فالحرب التي يشنها الروس في سوريا، والتي تبدو في بعض الأحيان وكأنها ثأر لهزيمتهم القاسية في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، هي أعنف وأشرس من بقية الحروب التي شنتها أميركا على العالم الاسلامي، والتي كانت، برغم وحشيتها،  تخضع لبعض المعايير السياسية وحتى الانسانية المستمدة من تكوين المجتمع الاميركي وحريته ووسائل إعلامه. وكذا الأمر بالنسبة الى ورثة القاعدة، من داعش"و"النصرة" وغيرهما من التشكيلات المشابهة، التي لا تساهم اليوم إلا في إظهار التنظيم المؤسس كياناً ملائكياً.

من حق الظواهري أن يذكِّر، ومن حق أميركا ألا تنسى. لكن ضحاياهما لن يغفروا لهما أبداً ذلك الإرث المجنون.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات