مفاوضات مرفوضة

مفاوضات مرفوضة
 من الصعب وصف ما يقوم به الروس والأمريكيون من مفاوضات ومباحثات ومشاورات و"مناكفات" تتعلق بالقضية السورية، وإن كان لابد من توصيفها، فمن المُرجّح أن يكون التوصيف كلمة جارحة جداً أو سوقية جداً، ذلك أن ما يجري قد تجاوز بالفعل المنطق والعقل والمعقول.

منذ انطلاق الثورة، لم يشهد السوريون يوماً موقفاً مسؤولاً لأي من هاتين الدوليتين، أو لزعيميهما بوتين وأوباما، وصبغ الاستخفاف كل سياساتهما، ولم يتوقفا عن التمثيل على الشعب السوري، واللعب به، والسخرية منه، والتشفّي بما يجري له من مقتلة لا نهائية، بما يُشبه الساديّة اللإنسانية تجاه هذا الشعب المسكين.

يمكن استحضار عشرات المواقف التي نقض فيها هذان الزعيمان الاتفاقيات والوعود والعهود، خلال السنوات الخمس الماضية، ويمكن رصد تقديم مسؤوليهما عشرات المبادرات الفوضوية فيما يتعلق بالشأن السوري، لكن ما يلفت النظر الآن أنهما باتا يتعاملان بملهاة مع الشأن السوري.

قبل أيام، وفي الصين، عقد سيد البيت الأبيض، مفاوضات "شاقّة"، مع "الدب" الروسي، تركزت على فرض هدنة مؤقتة في حلب، واختلفا على تفاصيل جزئية تتعلق بطريق الكاستيلو، الذي تتناوب المعارضة والنظام السيطرة النارية عليه، واختلفا على تفاصيل الهدنة التي ستبدأ من هذا الطريق.

لم يتفق الطرفان، أو بالأصح لم يرغبا بالاتفاق، وورميا الأوراق (والتصريحات) بوجه بعضهما، وعاد كل منهما إلى عرينه غاضباً بحجة عدم الاتفاق، وهذا الحدث، مثال عن عبثهما اللامتناهي، ومهارتهما بالتمثيل، وتعاطيهما الوضيع مع قضية تُغيّب سنوياً مائة ألف سوري.

إن لم يستطع الطرفان، بكل جبروتهما، الاتفاق على هدنة جزئية حول طريق صغير في سورية، فكيف يمكن التصديق أنهما يستطيعان الاتفاق على قضايا أكبر وأخطر، وهي في الحالة السورية كثيرة جداً، ومن اختلف على طريق طوله 2 كم، كيف سيتفق على حل شامل للمأساة السورية، وكيف سيتفق على المرحلة الانتقالية التي تحوي آلاف التفاصيل الهامة والحساسة، وكيف سيتفق على مصير الأسد ورموز نظامه، وعلى إنهاء مأساة الملايين من اللاجئين، وكيف سيتفق على محاربة (داعش) وغيرها من التنظيمات المتشددة، ويتوافق على حماية الدولة من التقسيم والتدمير والانهيار.

كانت المشكلة - من وجهة نظر هاتين الدولتين - في المعارضة السورية، أنها غير متفاهمة مع بعضها، فتفاهمت.. وكانت المشكلة أيضاً أن تتوحد المعارضة السياسية والعسكرية حول الموقف من (داعش)، فتوحدت.. وأنها لم تُعلن بصوت جهور أنها ضد التقسيم، فأعلنت.. وأنها لم تدن الانتهاك حتى لو قامت هي به، ففعلت.. ثم أنها لم تُقدّم رؤية موحّدة وبرنامج عمل للحل السياسي، فقدّمت، لكن كل ذلك لم يُخفف من عبث روسيا والولايات المتحدة قيد أنملة.

تبيّن الآن، أن المشكلة الأساسية في هاتين الدولتين، فهما حاولتا بكل الوسائل تشتيت التركيز على أصل المشكلة، وتعمية العيون عن أسبابها ومفاتيح حلها، وحاولتا تأجيج المشاكل وتكبيرها، واختراعها إن لم تكن موجودة، لزيادة تعقيد الوضع، فهما اللتان شجّعتا فصيل كردي على قضم أراض وقرى وإعلان (فدرلتها)، وهما اللتان استفزتا تركيا لتتدخل لمنع عدوها من الاقتراب، وسهّلتا لإيران أن تُرسل نفاياتها البشرية ومرتزقتها إلى سورية، وشجّعتا حزب الله كذلك على أن ينتهك الحرمة السورية بتجاهلهما لكل جرائمه، كما استباحتا البلد وأقامتا قواعد عسكرية لهما فيه، وذكّرتا الصين وإيران أنهما يمكن أن يفعلا شيئاً شبيهاً، وشرّعتا للنظام استخدام الأسلحة ما تحت الكيمائية، مهما كانت قذرة وإبادية، ودفعتا العالم لنسيان أصل حكاية الثورة السورية، ونجحتا في كل هذه المهام التي لا تهدف إلا لتضخيم المشاكل وتعقيدها وزيادة تشابكها.

منذ نحو خمس سنوات، لم يمر شهر إلا والتقى فيه (هدهدا) السياسية الروسية والأمريكية، لافروف وكيري، بدعوى بحث الأزمة السورية، ومحاولة حل المشاكل العالقة، وإزالة سوء الفهم، وتصفير الخلافات، لكن كل هذه اللقاءات توصّلت إلى عكس المطلوب تماماً، فالأزمة تحوّلت لحرب، والمشاكل تضاعفت مئات المرات، وسوء الفهم أصبح صراعاً.

لا يمكن للسوريين، أصحاب الثورة، الوثوق بروسيا، التي أنقذت النظام من السقوط والانهيار، وزودته بالسلاح والدعم السياسي اللا محدود، وشاركت بشكل مباشر بقتل السوريين، مع سبق الإصرار، وبالمقابل، عليهم أن لا يثقوا بأمريكا أيضاً، التي تلعب لعبة غير نظيفة مع روسيا، وتسخر من السوريين منذ خمس سنوات، و(تستغبيهم) بشكل غير مسبوق، وتعبث بهم، مع حليفتها روسيا "على عينك يا تاجر".

ليس أمام أصحاب الثورة، إن أرادوا وقف انحسارها، أن يُعلنوها صراحة أنهم سيواصلون ثورتهم ضد النظام، بكل الوسائل، سلمية كانت أم عسكرية، أو أي شيء آخر بينهما، ويقولون، بصرامة ومسؤولية، لداعمي النظام الأساسيين، روسيا وأمريكا، لن نقبل كل حلولكما إن لم توقفا مهازلكما، وإن لم يكن تغيير النظام السياسي على رأس هذه الحلول.

التعليقات (2)

    ابو عمر الشيخ

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    يعني المقال نحن حفظنا كل كلمة فيه والحرب في سوريا حرب على السنة تحديدا وكيري ولافروف لا يختلفان ابدا وخصوصا في الحرب السورية وما المهرجان التفاوضي الا ضحك على الدقون

    الافق البعيد

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    هاهاها.....رسمة ولا أروع
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات