داريا وحمص وأخريات.. هذه استراتيجية التهجير لدى النظام

داريا وحمص وأخريات.. هذه استراتيجية التهجير لدى النظام
على مدى أكثر من خمسة أعوام، نجح النظام في العديد من المناطق السورية باعتماد سياسة التهجير في إخراج أهالي القرية أو البلدة أو المدينة، باتجاه آخر يكون غالباً إلى إدلب، التي باتت اليوم خزاناً كبيراً للعائلات المهجرة من مدنها، ما يفتح تساؤلاً آخراً قد يكون من المبكر الإجابة عنه بعد.

بابا عمرو أول الضحايا..

بدأت أولى حملات التهجير في حي "بابا عمرو" الحمصي، إذ قام النظام فيه بعدّة حملات عسكرية متتابعة، كانت آخرها و أشرسها في شهر شباط 2012، حيث قام النظام بمحاصرة الحي من كافة المداخل، وحشد قوّاته على أطراف الحي، و قطع خدمة الإنترنت والكهرباء عنه.

و في صباح يوم الإثنين 6 شباط 2012 الساعة 6 صباحاً بدأ النظام بقصف الحي بكافّة أنواع الأسلحة من ( قذائف هاون، صواريخ، قذائف المدفعية الثقيلة والدبّابات، رصاص متفجّر، وبعض صواريخ الغراد) بشكل لا يمكن تصديقه لمدّة (28 يوماً) قبل الانسحاب، استطاعت فيها كتائب الثوار المؤلّفة من ألفي شخص فقط صدّ هجوم القوات النظامية – التي بلغ قوامها في المحاولة الأخيرة سبعة آلاف مقاتل بالإضافة للدبّابات و المدرّعات والطيران.

وخلال الـ (28 يوماً) استشهد في الحي عدد كبير من المدنيين العزّل، وأعداد كبيرة من الجرحى التي كانت حالتهم صعبة جداً ـ وخاصّةً الأطفال – بسبب النقص الحاد في الأدوية و المعدّات الطبيّة، مما أدّى إلى استشهاد عدد كبير من الجرحى. 

وبعدها قام الثوار بإجلاء كافّة المدنيين تقريباً إلا من رفض الخروج من الحي، والّذي واجه مصيراًعسيراً بعد الاقتحام.

أحكمت قوات الأسد حصارها على أحياء حمص القديمة، قبل أن تصل إلى تسوية معها مقابل خروجها بسلام، وقام بشار الأسد لاحقاً بزيارة الحي ليؤكد أنه تم "تطهيره"، وسرعان ما بدأت الانباء تسري عن احتلال إيراني وطائفي للمناطق التي خرج منها الثوار.

القصير الجريحة..

بعد معارك طاحنة واستماتة من قبل قوات الأسد، وبالاعتماد بشكل رئيسي على ميلشيا حزب الله، بدأت المدينة تتحضر لتصبغ صبغة طائفية شيعية حيث بدأت عناصر حزب الله بعد الاستيلاء على المدينة برفع راية سوداء كتبت عليها عبارة "يا حسين" على أنغام موسيقى "عسكرية".

وبمعزل عن الأهمية الاستراتيجية التي تكتسبها "القصير" كونها ملاصقة للحدود اللبنانية وتعتبر طريقاً عسكرياً مهما لعناصر ميليشيا حزب الله، إلا ان الهدف من صبغ المدينة بصغبة طائفية كان الهدف الأسمى لقوات الأسد، ونوعاً من الكيد.

وبدت في شوارع الضاحية الجنوبية ببيروت رايات حزب الله الصفراء، مكتوبا عليها "القصير سقطت"، وقد انتشرت على أعمدة الإنارة والمباني في الوقت الذي رفع علم على مئذنة مسجد عمر ابن الخطاب في القصير، كتب عليه "با حسين" وعلت صيحات الحضور بعبارات دينية ذات طابع طائفي.

الزبداني - الفوعة

تعد عملية تبادل الجرحى بين منطقة الزبداني في ريف دمشق وبلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب، أحد بنود اتفاق غير مسبوق، يختلف عن كل اتفاقات الهدنة أو التبادل التي جرت في سوريا، من عدة أوجه، أهمها أطرافه، والجهات الراعية له، والدول التي سهلت تنفيذه.

الاتفاق كان ثمرة تعاون بين جهات عدة هي حركة أحرار الشام الإسلامية، وجانب إيراني مفاوض عن النظام، برعاية تركية قطرية.

ويرى مسؤول في المجلس المحلي للزبداني أنه رغم النجاح الذي تحقق في تنفيذ بند تبادل الجرحى، فقد كان منقوصاً، إذ لم يتم إخراج كل عائلات الجرحى مثل ما كان مفترضاً.

ويضيف أن المواد الإغاثية لم تصل للمدنيين المحاصرين في المنطقة، مؤكداً أن تأخر ذلك أدى لأوضاع إنسانية غاية في الصعوبة، وتسبب في موت عدة مدنيين. 

ورغم الجانب الإنساني الذي اعتبر ناجحاً في عملية التبادل، إلا أن الصفقات التي تتضمن خروجا للمقاتلين أو الأهالي من مناطقهم هدفها إفراغ المناطق الثائرة على النظام من سكانها، وهي ليست خطوة في طريق التفاوض أو الحل السياسي، وإنما في اتجاه تقسيم سوريا، بعد إجراء تغيير ديموغرافي فيها، من خلال التهجير القسري للأهالي وبرعاية من الأمم المتحدة، كما يرى مراقبون آنذاك.

داريا والمعضمية..

حفلت وسائل إعلام النظام مؤخراً بالاحتفال بما أسمته "نصراً" في داريا، وذلك بعد الاتفاق التاريخي الذي تم بين الثوار وقوات الأسد، والذي قضى بإخراج المقاتلين باتجاه إدلب، وذلك بعد حصار طويل دام 4 سنوات متواصلة، شهدت فيه المدينة كافة أنواع المآسي من الجوع والقصف والحرمان.

ووصلت فجر الأحد الماضي آخر قافلة من أهالي مدينة داريا  إلى منطقة قلعة المضيق بريف حماة، وتم تفريغ المدينة بالكامل من أهلها تنفيذاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه الخميس الماضي بين وفد النظام وممثلين عن الهيئات المدنية والعسكرية في المدينة.

وكانت خرجت تلك الدفعة السبت من أهالي وثوار مدينة داريا في الغوطة الغربية إلى إدلب تنفيذاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه الخميس الماضي بين وفد النظام وممثلين عن الهيئات المدنية والعسكرية في المدينة والذي يقضي بتفريغ المدينة من أهلها.

وبعد انتهاء عملية داريا، بدأت الأنظار تتجه إلى الجارة الأخرى "المعضمية"، التي نفى النظام بداية أن يكون قد دخل باتفاق معها إلا انه لاحقاً بدأت تظهر بوادر اتفاق من نوع آخر، اتفاق يحمل صبغة التهديد.

وأفادت مصادر لأورينت، بأن وفد النظام هدد اللجنة المكلفة بالمفاوضات عن مدينة المعضمية إما القبول باتفاق يقضي بخروج الثوار وتسليم سلاحهم، وتسوية أوضاع المدنيين، أو سيتم حرق المدينة من خلال عملية عسكرية كبيرة.

وأكدت المصادر أن الاجتماع تم بحضور ضباط روس، وعدد من ضباط النظام بينهم العميد غسان بلال بالإضافة إلى اللجنة المكلفة بالمفاوضات عن معضمية الشام، وخلال الاجتماع رفض النظام النقاش حول أي بند، مكتفياً بإعداد قائمة من الشروط تحت التهديد بحرق المدينة في حال لم تستجب اللجنة لهذه المطالب.

ومن أهم البنود التي اشترطها النظام، خروج جميع الثوار غير الراغبين في تسليم أسلحتهم باتجاه إدلب، وخروج المدنيين غير الراغبين في تسوية أوضاعهم، وتسليم جميع الأسلحة في المعضمية الثقيلة منها والمتوسطة والخفيفة وحتى الأسلحة الفردية.

كما تضمنت القائمة التي أعدها النظام، دخول مؤسسات الدولة وحل كل المؤسسات الثورية على رأسها المجلس المحلي لمدينة المعضمية، وتشكيل كتيبة تحمل اسم الشرطة الداخلية بقيادة مشتركة من أهالي المعضمية وقوات النظام. ومن المتوقع أن يتم تنفيذ بنود الاتفاق خلال الأيام القليلة القادمة.

وأبلغ النظام وفد المعضمية أنه في حال رفض الثوار بنود الاتفاق، سيفتح معبر المعضمية لخروج النساء والأطفال والراغبين في التسوية، وإعلان المدينة منطقة عسكرية مع حسم الأمر عسكرياً وحرق المدينة بالكامل.

إذن هو التهجير، سياسة انتهجها النظام منذ أن ابتدع فن "الهدن" في سوريا، إذ ما تزال "الوعر" في حمص، وبقية بلدات وقرى الغوطة الشرقية، تنتظر المصير ذاته في حال لم يتغير شيء في المشهد.

وفي الشمال حاول النظام مرات عدة أن يطبق هذه النظرية التي لم تنجح حتى الآن، فالطوق حول حلب، لم يثبت، والثوار استطاعوا فك حصارها غير مرة، ويبدو واضحاً انهم على يقين من أن حصار حلب يعني "تهجيرها".

التعليقات (1)

    عبد الله محمد

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    شكرا على هذا هذا السرد التاريخي في مسألة التهجير والتغيير الديموغرافي في سوريا والذي لم يغب عن الذاكرة بعد,فهو ما زال طازجا ولم يفت عليه زمن طويل لينسى,الذي حذرنا منه منذ أول يوم اشتعلت فيه الثورة,ولكن السؤال,هل هذا السرد هدفه تحضيرنا للقبول بمرارته والاستسلام له؟لأنه من لزوم الأمر وطبيعته أن نعلم بما يحصل ثم طرح حل له أو مخطط لمواجهته,لأنه ما معنى لهذه الأخبار المحبطة ان لم نضع معالجة لها؟أخبار الشمال المثيرة للتفاؤل(ولو أنها توقفت الآن)خيبتها أخبار الجنوب في داربا والمعضمية وغيرها.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات