تتلعثم الحروف وتعجز الكلمات عن وصف حالة ثوار داريا وأهلها، فهذه الساعات الأخيرة قبل مغادرة حقول العنب، والشوارع التي غصت يوماً بالمظاهرات نصرة لدرعا وحمص والغوطة وحلب.. في المفهوم العام عند أي مجتمع هي "الوحشة في حضرة القبور"، لكن في داريا "الوحشة" تكمن في الابتعاد عن قبور شهدائها، فحراس الثورة تم خذلانهم من "أشقاء السلاح" المتواجدين على بعد مئات الأمتار فقط، ذلك السلاح الذي صدأ بسبب إملاءات الغرفة الاستخباراتية.
إذاً، السادس والعشرون من أب ٢٠١٦ والذي يصادف يوم غداً الجمعة ، الثورة السورية تودع "ايقونتها"، حيث يدخل الاتفاق حيز التنفيذ والذي يقتضي بخروج ممن يرغب من الثوار إلى إدلب، على أن يخرج المدنيين إلى مناطق في ريف دمشق، ليتمكن النظام في القضاء على أكبر صداع أرق رأسه خلال السنوات الماضية، حيث يكرر الأسد سيناريو الوعر و الزبداني في داريا، رغم مئات النداءات التي وجهت إلى فصائل الثوار في القنيطرة ودرعا والغوطة الغربية بفتح الجبهات وإنقاذ المدينة.
قبل أسابيع قليلة، وجه "سارية أبو عبيدة" الناطق باسم "لواء شهداء الإسلام" كبرى فصائل الثوار العاملة في داريا رسالة عبر "أورينت نت" إلى كافة الفصائل الثورية في سوريا بالقول "إلى من خذلونا سابقاً ومازالوا، في كل من القنيطرة ودرعا والغوطة الغربية أن لا فائدة في سلاح وعتاد تخزنوه ولا يكفينا منكم الدعاء ولا يشفع لكم تضرعكم فأنتم مقاتلون تدّعون القتال من أجل الحرية والكرامة فلبوا نداء من بقي، فبينكم وبين ثقة أهليكم نحن، فإما نكون وتكونوا، ولن تكونوا حتى لو بقيت أجسادكم فأنتم وغثاء السيل سواء".
داريا الخالية من أي وجود للرايات السوداء، قاتلت النظام وميليشيات إيران بأظفارها، ورغم القصف بالبراميل المتفجرة وصواريخ "أرض - أرض" والنبالم، أصرت وإلى الرمق الأخير تقديم النموذج المشرق لروح الثورة.
يشار أن مدينة داريا كانت من أوائل المدن الثائرة على نظام الأسد والتي لبت نداء الفزعة القادم من مدينة درعا مهد الثورة السورية بعد أسبوع واحد على انطلاقها، وتم تغيير اسمها من "مدينة العنب" إلى "مدينة البراميل"، كما يعد الناشط السياسي غياث مطر والذي استشهد تحت التعذيب من أبرز شخصيات المدينة خلال ثورة الكرامة، وارتكبت قوات الأسد "مجزرة داريا الكبرى"، في عام 2012، والتي راح ضحيتها نحو 700 شهيد، تلك المجزرة التي كان لها الأثر الأبرز في توحيد صفوف الثوار.
والجدير بالذكر أن داريا كانت تضم في عام 2010 نحو 250 ألف نسمة، أما اليوم يعيش فيها نحو 9 آلاف نسمة بين عسكريين ومدنيين، عانوا طويلاً من انقطاع كافة الخدمات الأساسية وندرة المواد الغذائية والطبية، ومع تكثيف قوات الأسد قصفه على المدينة مؤخراً.
التعليقات (13)