العداء للمسلمين في صعود ترامب وهبوطه

العداء للمسلمين في صعود ترامب وهبوطه
لا بد أن المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية ومخططي حملته تعلموا الكثير من الخطأ الذي ارتكبه دونالد ترامب حين تهكم على عائلة الجندي الأميركي من أصل باكستاني هومايون خان. فالكلمة التي ألقاها خضر خان، والد الجندي، أطلقت ظاهرة مفاجئة انعكست في استطلاعات الرأي انقلابا في «المزاج» الأميركي. 

ذاك أن نسبة زيادة التأييد لترامب بعد تصريحات دعا فيها إلى منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، هي تقريبا نفسها نسبة انخفاض التأييد له بعد مداخلة خان في مؤتمر الحزب الديمقراطي لتبني ترشيح منافسته هيلاري كلينتون. ويعني ذلك أن ما كسبه في شريحة يمين الوسط ورجح حظوظه عاد فخسره، ليس فقط لأنه بالغ في اعتبار هذا الكسب نهائيا ومضمونا، بل لأنه أعتقد أن جميع مؤيديه يجارونه في التطرف والتعصب بلا أي وازع أخلاقي.

رغم أن الناخبين البيض وجدوا في ترامب النقيض الكامل لطي صفحة باراك أوباما، وبالتالي الشخص المنشود للتشدد في مسائل الأمن بسبب استشراء ما يعتبرونه «إرهابا إسلاميا»، كذلك في ملف الهجرة غير الشرعية، فإنهم أقبلوا عليه أيضا باعتباره رجل أعمال ويمكن أن يكون العنوان المطلوب لإنعاش الاقتصاد. غير أن الدخول في متاهات «صراع الحضارات» ومحاربة أبناء ديانة معينة، لأنهم مسلمون فحسب، قد يكون شعارا شعبويا مفهوما في بداية الحملة الانتخابية، سواء للدفاع عن القيم المسيحية الغربية أو لاستقطاب الأصوات، إلا أنه لا يمثل خيارا مقبولا في المرحلة التالية عندما يصبح المرشح مطالبا بأن يقدم رؤية مدروسة ومشروعا للحكم.

هدم ترامب بكلمة كل ما بناه على مدى شهور، لذلك أصيب مديرو حملته بإحباط كبير من نتائج الاستطلاعات، بل شعروا بأن تهور رجلهم بلغ حدا عصيا على المعالجة. وبعدما هدد العديد منهم بالاستقالة والانسحاب اضطر لأن يعدهم بالعمل وفقا لتوصياتهم، ولأن يبدل بعضا منهم. لكن كان عليهم أن يبذلوا جهدا إضافيا ليكتشفوا أن العطب الذي أصيبت به صورة ترامب هو أعمق مما يتصورون، وها هو خطابه الأول الذي أعد بعنايتهم، وقد قرأه من النص المكتوب، يفيض بأفكار مستهجنة هي بالضرورة أفكاره لعل أهونها أنه يتعهد بالعمل مع حلف الأطلسي وحلفاء أميركا في الشرق الأوسط لمكافحة «الإرهاب الإسلامي». وإذ تبدو الفكرة عادية إلا أنها تتناسى أنه سبق لترامب أن هاجم «الحلفاء» الذين يريد العمل معهم، كما انتقد «الأطلسي» واعتبر أن على أميركا إعادة النظر في عضويتها فيه. أي أنه تراجع متوقعا أن يكون من سمعوه سابقا قد نسوا.

أما الأكثر غرابة فهو تخصيص جانب كبير في برنامجه للحديث عن وجوب إجراء «اختبار إيديولوجي» لأي مسلم يطلب دخول الولايات المتحدة. فالرجل يريد أن يسبر أغوار الجينات وأن يشرح العقول ليتأكد من أن جميع الداخلين «يشاطروننا قيمنا»، وهذا يؤسس لحال فاشية تتجاوز أي دستور أو قانون. كثيرون يعتبرون اليوم أن من حسن الطالع أن يثرثر ترامب ويخطئ، فقبل أسابيع قليلة آثار المخاوف من أن تكون شعبويته معبرة عن «مزاج» عام في الغرب، بسبب التشابه بين خطاب اليمين المتطرف الأوروبي وخطابه، ورغم أنه لا يزال مقلقا إلا أن حجم الشذوذات في ظاهرته طرح تساؤلات جذرية عن مدى أهليته للمنصب. لم يعد أمامه سوى الرهان على هفوة كبرى ترتكبها منافسته.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات