ذلك اليوم المشؤوم

ذلك اليوم المشؤوم
شهدت الساحة الشعبية والنخبوية السورية، في الفترة الأخيرة، حالة من الاحتقان إلى درجة العداء بين أكراد سورية وعربها، أسبابها عديدة لكنها جميعها أسباب مُحدثة، بدأت أولى بوادرها عملياً في منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2013، وتحديداً يوم أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري عن تشكيل إدارة ذاتية في ثلاث مناطق في شمال سورية.

قبل هذا التاريخ، لم تشهد الساحة السورية المعارضة خلافات إلى هذا الحد بين العرب والأكراد، فالكل كان جزءاً من حركةٍ تحرريةٍ تسعى للتخلص من الحكم الشمولي الطائفي القمعي، لبناء وطن حر ديمقراطي تعددي تشاركي يستوعب الجميع.

منذ ذلك اليوم المشؤوم، بدأت المعادلة تتغير، وبدأت الجدران ترتفع والسدود تُقام بين الطرفين، وجسور الربط بينهما تتحطّم، وقلَّت القواسم المشتركة، واختلفت الدروب، وصارت مشاريع هؤلاء غير مشاريع أولئك.

منذ ذلك اليوم المشؤوم، فلت الملق، وصار حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي عاملاً تخريبياً للعلاقة الوطنية، وقام بممارسات هدمت كل ما كان يمكن أن يُبنى عليه بين العرب والأكراد، ما أوصل الطرفين الآن إلى مستوى غير مسبوق من العلاقة المتردية، على المستوى الوطني.

إعلان الإدارة الذاتية في ذلك اليوم، لم يكن مشكلة لو أنه كان (نظيفاً)، فالعديد من المدن السورية شكّلت مجالسها المحلية، لكنّ سرعان ما تبيّن أن ما يهدف له الحزب هو شيء آخر، إذا قرر تشكيل برلمان خاص، ووضع قوانيناً ودستوراً، ونصّب وزراءً، ثم أعلن في وقت لاحق عن تشكيل فيدرالية كردية، لم يوافقه عليها لا العرب ولا قسم مهم من الأكراد حتى.

ليست هذه الممارسات سوى رأس جبل الجليد، فهناك الكثير مما يمكن أن يُذكر، فقبل هذا، أنشأ الحزب ميليشيات عسكرية من نوع قومي واحد، طعّمها بآخرين للتعمية، في وقت كانت فيه المعارضة السورية تنفي وجود أي صبغة طائفية أو قومية للثورة، لتصبح ميليشيات هذا الحزب أول ميليشيات قومية في صفوف المعارضة السورية، وبعدها بثلاثة أشهر انسحبت قوات النظام السوري (طوعياً) من مناطق واسعة وسلّمتها للحزب ومقاتليه، لتزيد الشكوك والريبة.

رفض الحزب الشراكة مع أي تيار سياسي معارض، وخذل حتى هيئة التنسيق، الحليف الوحيد له في المعارضة، بعد أن استفاد منه لتصنيف نفسه من بين تيارات المعارضة، كما رفض الشراكة أيضاً مع الأحزاب الكردية الأخرى وأقصاها، وسجن قياديين فيها، وطرد ونفى بعضاً منهم، وشن حملات اعتقال لأنصارها ما دفع الكثيرين لترك المنطقة والهجرة.

منذ ذلك اليوم المشؤوم، أصدر الحزب وإدارته الذاتية، وفيما بعد وزاراته وفيدراليته، العديد من القرارات (القراقوشية)، ففرض كفيلاً كردياً على كل سوري يرغب بالدخول لمناطقه، وألزم المدارس التعليم باللغة الكردية، للطلاب العرب والسريان والأرمن، كما أصدر قراراً (أسدياً) بمصادرة أموال وأملاك وعقارات الغائبين والمهاجرين وشغّلها واستثمرها لحسابه، خدمة لـ (القضية)، وألغى العلم السوري، بنوعيه، علم النظام وعلم المعارضة، ورفع أعلاماً كردية لا يعرف السوريون ألوانها ودلالاتها.

منذ ذلك اليوم المشؤوم أيضاً، بدأ الحزب رحلة تغيير أسماء المدن والبلدات والقرى السورية، سواءً ذات الغالبية الكردية أم ذات الغالبية العربية، ومنحها أسماءً كردية، وراحت وسائل إعلامه تخترع معطيات تاريخية لتوحي بكردية هذه المدن، في عملية (تكريدية) قسرية لمسح الهوية.

بعد سيطرة الحزب على عين العرب (كوباني)، وبدء توسّعه (الاستعماري)، ارتفعت الأصوات لتكشف النقاب عن حركة تهجير واسعة و(جرائم) قامت بها ميليشياته المسلّحة، لتفريغ قرى تمهيداً لضمها لإدارته الذاتية، وهذه الاتهامات لم تصدر عن العرب وحدهم، بل عن الآشوريين والسريان والتركمان أيضاً.

منذ ذك اليوم المشؤوم، بدأ الحزب بالسيطرة على اقتصاد شمال سورية، فسيطر على بعض آبار النفط وصارت تذهب إيراداتها لخزينته، أو بالأصح لجيب زعيمه، ثم هيمن على محاصيل زراعية وباعها عبره، في منطقة تمتلك أكثر من نصف ثروات سورية الزراعية والباطنية، دون أن يخرج صوت كردي واحد ليسال أين يذهب كل هذا المال.

منذ ذلك اليوم، بدأ الحزب سلسلة تقلباته من حضن إلى حضن، فتعاون مع النظام واستلم أسلحة منه، وتعاون مع ميليشيات حزب الله قرب نبّل والزهراء، ثم تعاون مع الإيرانيين (من تحت الطاولة)، وبعدها تحالف مع الروس وأخذ سلاحاً ودعماً سياسياً استثنائياً، وانقلب عليهم ليتعاون مع الأمريكيين، ورفض التعاون مع الجيش الحر، ومع الفصائل الكردية الأخرى، واقنع مواليه بأن الثورة ليست لهم لأنها لم تُقدّم ضمانات، وهو يعرف أن أي ثورة لا تُقدّم ضمانات لأحد بل هي عملية تغيير لبناء أسس دولة جديدة.

احتكر الحزب السلاح والسلطة والقضاء، ولم يقبل التشاركية، واستقدم مقاتلين من (جبال قنديل) الغريبة، ليتعاملوا مع الأكراد أصحاب الأرض كغرباء، وأصدر قرار التجنيد الإلزامي في قواته لأبناء المناطق الواقعة تحت سيطرته، فأفرغ المنطقة من شبابها وهجّرهم، وكانت تصرفاته مثالاً للتطرف القومي، ونموذجاً لقصر النظر السياسي، ونسخة لا تختلف عن النظام الشمولي القعمي التسلطي.

منذ ذلك اليوم المشؤوم، بدأ الحزب بالترويج لخرائط للدولة الكردية الموعودة، التي تبدأ من (الهند) وتنتهي (بالسند)، وتقتطع كل شمال سورية حتى المتوسط، ليتوجها بالتأكيد على أن فيدراليته لا مركزية سياسية، أي أنه يريد سياسة خاصة وعلاقاتها خارجية مستقلة عن المركز، فيما يشبه الانفصال.

أساء الحزب لقضية أكراد سورية العادلة أكثر بكثير مما أفادها، وحوّل قضية مواطنين أكراد لهم حقوق في كل شبر من سورية إلى قضية قومية متعصبة عمياء، تجاوزها الزمن، شأنها كشأن القومية العربية والدولة الطائفية والأقاليم المذهبية.

تؤكد الأحداث، أن الأقليات والقوميات لا يمكن لها أن تبني مؤسسات، فكيف لها أن تبني أوطاناً مستقرة، ولهذا فإن الفرصة مّتاحة أمام أكراد سورية، أن يثوروا على (أسدهم) وعلى حزبه، ويشبكوا مع حاضنتهم العربية، لا أن يشتبكوا معها، ويعملوا سوية للخلاص من النظام ومن هذا الحزب دفعة واحدة، للوصول إلى وطن سوي معافى ملك للجميع.

التعليقات (5)

    kk

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    انصهار الاكراد مع العرب اقوى من ان تمثله حفنة مخترقة ستزال وتنمحي .. هذا الحفنة للاستخدام مرة واحدة والاصلي سيفضل كريما عزيزا في حضن الوطن لأنه أساسا وطنه .. عتبي على الاغبياء الذين يثقون بأنهم ثمينون لبعض الدول وهم مستغلون فهل يدرون او لا يدرون

    kk

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    انصهار الاكراد مع العرب اقوى من ان تمثله حفنة مخترقة ستزال وتنمحي .. هذا الحفنة للاستخدام مرة واحدة والاصلي سيفضل كريما عزيزا في حضن الوطن لأنه أساسا وطنه .. عتبي على الاغبياء الذين يثقون بأنهم ثمينون لبعض الدول وهم مستغلون فهل يدرون او لا يدرون

    نضال بحبوح

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    أخاف ان يكون معي حق بان الغرب وامريكا عملوا على تفكيك سوريا والعراق واليمن وتركيا وكل الدول العربية واستخدم الشق (ايران وروسيا)لتفكيك المدن والقرى وحتى العائلة فماتت الحبة بين الشعوب وبين الشعب الواحد وبين الأخ واخوه

    ناصر سوري

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    قرأت المقال وأنا أحاول أن اسفيد من تحليل أو معلومة ولكن ما ان قرأت :" الأموال تذهب إلى جيب الزعيم" توقفت عن القراءة وأشفقت على صاحب المقال لأنه لا يوجد زعيم ولا جيب لسرقة الأموال كما هو الحال بالنسبة للثوااااار السوريين. ال ب ي د يسعى ليحكم لوحده هذا صحيح. ال ب ي د لا يرضى أن يشاركه أي طرف كردي آخر وهذا صحيح ولكن ب ي د لم يهجر عرب بالعكس فهو يستقبل عرب

    امين

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    مسمى الأكراد يطلق على مجاميع بشريه قد لا يجمعها جامع جامعهم الوحيد هو التعصب الذي فاق كل الحدود لهذه الكلمه''كرد''
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات