الطائرات الروسية التقليدية في مطار حميميم ومسرح الأعمال القتالية
من خلال نظرة عسكرية سريعة جداً على مسرح الأعمال القتالية الذي هو سوريا بطبيعة الحال، ومن خلال مساحة البلاد وأبعادها الجغرافية والتي لا تتعدى750كم من أقصى جنوب سوريا إلى اقصى شمالها الشرقي، ومن غربها إلى شرقها لا يتعدى الـ500كم ومن خلال دراسة أداء الطائرات الروسية التكتيكية المتطورة جداً في مطار حميميم والتي يبينها الجدول التالي.
وإذا علمنا أن نصف القطر القتالي/التكتيكي/ للمقاتلات والمقاتلات القاذفة هو المسافة الجوية المستقيمة بكامل الحمولة القتالية على الارتفاع المدروس و التي يمكن أن تعمل ضمنها الطائرة بين مطار الاقلاع والهدف ذهاباً واياباً مع بقاء 5 دقائق فوق الهدف مع بقاء احتياطي وقود يكفي للهبوط في مطار احتياطي.
ومن خلال ما تقدم وبمقارنة تمركز الطائرات التقليدية الروسية آنفة الذكر في مطار حميميم والابعاد الجغرافية السورية من كافة الجهات المحيطة بالمطار، وبمقارنة ذلك مع أنصاف الأقطار القتالية التكتيكية العملياتية للطائرات الروسية المتمركزة في مطار حميميم، نجد أن هذه الطائرات تستطيع ودون تحميل خزانات وقود إضافية( معلقة ) الوصول إلى أبعد نقطة جغرافية في سوريا، وقصفها بكل يسر وسهولة وخاصة إذا ما علمنا أن هذه الطائرات تعمل دون أي حساب لعدو جوي محتمل ( طائرات معادية) وكأنها في مهام تدريبية وتستطيع البقاء فوق الهدف الذي تقصفه خمسة دقائق بسرعة 900كم أي(مسافة 75كم) ما يمكن الطائرة من انزال عدة ضربات على الهدف خلال الدقائق الخمس هذه.....وهذا ما يقودنا إلى استنتاج مهم جداً وهو أن لا حاجة لدولة مثل روسيا تتمركز في مطار بمنتصف الساحل السوري/حميميم/ وتمتلك الطائرات الأنفة الذكر لا حاجة بها لأن تستخدم القاذفات الاستراتيجية، وخاصة إذا ما علمنا أن الكلفة التقديرية لساعة طيران لأي من القاذفات الاستراتيجية الروسية هي اضعاف الكلفة الفعلية للطائرات التقليدية التي تتمركز في مطار حميميم.
متى تستخدم الدول العظمى قاذفاتها الاستراتيجية في حروبها الخارجية؟
القاذفات الاستراتيجية النووية الثقيلة صنعت أساساً للقيام لتنفيذ ضربات تقليدية أو نووية، من مسافات بعيدة جداً من خلال ما تستطيع حمله من صواريخ عابرة للقارات ذات رؤوس/تقليدية او نووية/ أو بواسطة كميات كبيرة جداً من القنابل التقليدية أو ذات الاستخدام الخاص، من ارتفاعات كبيرة جداً تصل الى 10كم وعلى أعماق كبيرة جداً تصل إلى اكثر من 12ألف كم .
يشار هنا، أن روسيا والولايات المتحدة هما الدولتان الوحيدتان اللتان تتسابقان دائماً لامتلاك قاذفات استراتيجية أكثر حداثة وتطوراً، حيث استخدمت واشنطن قاذفاتها الاستراتيجية في معظم حروبها، ومن هم مبررات استخدام القاذفات الاستراتيجية ما يلي.
1- عدم وجود قواعد جوية قريبة من مناطق الأعمال القتالية لعمل الطائرات التكتيكية التقليدية.
2-انعدام امكانية الوصول إلى الأهداف المراد قصفها من قلب الطائرات التكتيكية التقليدية.
3-وقوع الأهداف المراد قصفها خارج أنصاف الأقطار التكتيكية للطائرات التقليدية.
4-انعدام امكانية استخدام حاملات الطائرات لأي سبب كان ، بما فيه عم وجود بحار في منطقة الأعمال القتالية.
5-الحاجة إلى تدمير أهداف عسكرية بقنابل ذات أعيرة وأوزان كبيرة لا تستطيع حملها الطائرات التكتيكية التقليدية.
6-الحاجة إلى إنزال ضربات جوية كثيفة جداً على هدف بعيد بأقل عدد ممكن من استهلاك القوى والوسائط الجوية.
7-تنفيذ الضربات النووية بعيدة المدى في حال نشوب حرب نووية.
القاذفات النووية الاستراتيجية الروسية الثقيلة
تمتلكك روسيا حالياً أعداداً كبيرة من ثلاثة أنواع رئيسية من القاذفات النووية الاستراتيجية، وقد استخدمتها جميعاً في سوريا ولكن بأعداد متفاوتة من الطلعات، ولكن أكثرها استخداماً هي القاذفةtu-22m3، والتي تمركزت أخيراً في مطار همذان الإيراني مؤخراً، الجدول التالي يبين الأنواع الثلاثة وبعض من مواصفاتها الفنية.
دلالات ومؤشرات استخدام روسيا القاذفات الاستراتيجية النووية الثقيلة في سوريا
من خلال ما تقدم يتضح أن روسيا ليست بحاجة عملياً إلى استخدام قاذفاتها الاستراتيجية في سوريا، نظراً لتغطية المقاتلات القاذفة الروسية في مطار حميميم لكل الأراضي السورية، ولكن لاستخدام هذه القاذفات دلالات ومؤشرات استراتيجية لدولة عظمى ومنها.
1-إبراز جانب الهيبة للقوة الجوية الروسية، وعرض عضلاتها على مستوى دول العالم، وقدرتها على تناول أي هدف استراتيجي في مختلف مسارح الأعمال القتالية في المنطقة والعالم.
2-إظهار ندية القاذفات الاستراتيجية الروسية للقاذفات الاستراتيجية الأمريكية، وخاصة إذا ما علمنا أن الولايات المتحدة الامريكية تستخدم قاذفاتها الاستراتيجية في قصف أهداف في سوريا، وقد ظهر ذلك منذ دعم الطيران الأمريكي للقوات الكردية في مدينة عين العرب/كوباني بريف حلب الشرقي عام 2014، حيث استخدمت واشنطن القاذفة الاستراتيجيةB-1B بكثافة ضد تنظيم "داعش" هناك وقد استخدمتها في منبج مؤخراً.
3-إعادة تدريب أطقم القاذفات الاستراتيجية على تنفيذ أعمال قتالية بذخائر برؤوس تقليدية /صواريخ/ تحاكي استخدام نفس الصواريخ على أهداف حقيقية برؤوس نووية.
4-تنفيذ طلعات القاذفات الاستراتيجية على أهداف في سوريا عبر الأجواء الإيرانية والعراقية، مؤشراً جديداً على قدرة روسيا على إعادة تشكيل أحلاف جديدة على مستوى العالم.
5-إظهار قدرة روسيا عسكرياً على الساحة الدولية كرقم صعب لا يمكن للولايات المتحدة والغرب تجاوزها.
6-استغلال تراجع الأداء العسكري الأمريكي في المنطقة والعالم في السنوات السبع الماضية من حقبة أوباما الذي ركز على الجانب الاقتصادي الداخلي أكثر من الجانب العسكري الخارجي في ولايتيه الاثنتين مما فسح المجال لأن تلعب روسيا دوراً خارجياً أكبر.
7-إرسال عدة رسائل بالجملة لكل دول العالم بعدم استنهاض غضب روسيا من خلال تهديد مصالحها الجيوسياسية وأمنها القومي من خلال إظهار جانب القوة العسكرية الروسية.
8-مزاحمة روسيا للولايات المتحدة الأمريكية والغرب على مناطق نفوذ هامة سياسياً واقتصاديا في المنطقة، وفرض نفسها كلاعب أساسي في المنطقة والعالم، وما تمركز الروس في قاعدة حميميم الجوية السورية وقاعدة همذان الجوية في إيران؛ إلا دليلاً واضحاً على أن الروس أصبحوا بحكم الأمر الواقع جزء من مشاكل المنطقة، وأحد أقطاب حل هذه المشاكل على قاعدة تأمين مصالح روسيا الاقتصادية والجيوسياسية مستقبلاً.
التعليقات (6)