فرز طبقي جديد للكورد

فرز طبقي جديد للكورد
المشهد الكوردي في سوريا مُخيف. من المرجح أنه الأقسى والأصعب منذ اتفاقية سايكس بيكو وتشكيل الدول الجديدة آنذاك وبقاء الكورد دون حصتهم. كانت رمزية الشهيد خطاً أحمراً يجمع الكورد المتشرذمين سياسياً تحت خيمة واحدة, أصبحت دماء الشهداء اليوم من بين أبرز نقاط الخلاف ووضع البندقية في الصدر الكوردي.

يصر كلٌّ من المجلس الكوردي, والاتحاد الديمقراطي على تمثيله لعموم الشعب الكوردي في سوريا. العلة تكمن في نوعية الخدمات المُقدمة من كل طرف لذاك العموم. من المرجح أن التمثيل يتأرجح بين كل نشاط وقرار وبيان. ربما كان للعلم الكوردي وطرح مشروع فدرالي من قبل المجلس الكوردي دور وتأثير مهم في عملية التفاف الجماهير الكوردية حوله. لكن الطرح ذاته يحمل مشكلة في عمقه, فغياب آليات التطبيق إضافة إلى غياب المآسسة في عمل المجلس, ولجوئه إلى سياسة التحمل والتلقي وضعف المبادرات جعل منه أيضاً فاقداً لجزء كبير من قوته.

استطاعت الإدارة الذاتية فرض سطوتها على مناطق من المدينة, لكنها تبدو غير قادرة على استعادة الثقة والسلطة وفرض هيبتها على عموم المدينة بعد اليوم, خاصة أنها تكيل بمكيالين تجاه من يقف في صفها مقابل من يصطف مع المجلس الكوردي, أما اللا منتمين إلى هذا ولا إلى ذاك فهؤلاء لا أثر لهم في المعادلة السياسية.

الخطابات والتبريرات التي تُطلقها الإدارة الذاتية  قد تكون غطاءً على ارتدادات الحريق الكوردي نحو الأعلى, من تصدّع العلاقة بين المواطن الكوردي والإدارة. من يدري قد يتصدع ما تبقى من العلاقة الهشة وقد يُشاع منطق نهاية التحمل والوصول إلى الحد الأقصى. حينها سينزع الكوردي فرض الزي الموحد.

ربما لم يقتصر الأمر على قضية جنازة الشهيد وحده, الخشية هي في قضية الوجود أو اللاجود. المجلس الكوردي يطالب بحقه بكل الوسائل السلمية دون أن يحظى بفرصة أخذ النفس, وما عليه سوى إما القبول بالوضع, أو الدخول ضمن الإدارة الذاتية كما هي, أو الاستمرار بنضاله المدني السلمي, مقابل رفض قاطع لأي شريك من الطرف الأخر. أجزم ثمة عقلاء بينهم لكن لا سيطرة ولا كلمة لهم. الاحتقان آفة رافقت الكوردي منذ تصديه للأنظمة المتلاحقة على حكم سوريا, اليوم ثمة احتقان داخلي يخص الكورد في عمقهم وحدهم. 

خطاب الكراهية والتخوين ارتفع إلى المنسوب الأعلى له منذ بدايات الثورة. وحقيقة لولا الثورة لما حظي الكورد بمصطلح (روج آفا) علانية, ولما أصبح لهم إدارة ذاتية, لكنها تحولت بسبب سياساتها إلى نقمة جماهيرية, ولولا الثورة السورية لما كان للكورد مجلس يضم غالبية الأحزاب الكوردية, ولولا الثورة لما كان للكورد تشكيلات عسكرية بمسمى بشمركة روز مقبولة سورياً تتخذ من إقليم كوردستان مقراً لها. لكن في المقابل أيضاً فإن الثورة فضحت مدى هشاشة الخطابات الكوردية على مدار نصف قرن عن وحدة الحال الكوردي.

الحوارات واللقاءات بين كل من تركيا ورسيا من جهة, ومن جهة ثانية بين تركيا وإيران ستولد خارطة اتفاقات سياسية جديدة بشأن سوريا, جُلها تُجمع على إبعاد الإتحاد الديمقراطي من أي حل, بل وصل الأمر إلى تصريح السيد يلدرم باستحالة الوصول إلى سوريا قوية في ظل وجود الاتحاد الديمقراطي, وإجماع إيراني- تركي على منع وجود أي خصوصية قومية كوردية من حكم ذاتي, إلى دولة كوردية. الأمر تطور لاحقاً للطلب من أمريكا الالتزام بوعدها حيال إعادة الاتحاد الديمقراطي إلى شرق الفرات, والرد الإيجابي من الجانب الأمريكي على الالتزام بالوعد, ربما يحشر الإتحاد الديمقراطي في الزاوية الأضيق. العالم القوي كله يجتمع بالضد من قرارات الإدارة الذاتية, ولن يكون لهذا التشكيل السياسي الإداري من رئة للتنفس ما لم يكن على وفاق مع المجلس الكوردي, وما لم ينل الشرعية من الإقليم, لا بديل عن وحد الصف الكوردي, وتقوية التواجد الكوردي ضمن الخطاب الوطني السوري وضمن أروقة المعارضة والحوار للوصول إلى خلطة وطنية جامعة.

وحدة الصف الكوردي ضربها الزلزال. اليوم بات الشارع الكوردي يتحدث عن إدارة ذاتية لم تنجح في استتباب الأمن, ولا في تأمين أغلب حاجيات المواطن في المنطقة. مجلس كوردي لم يحمل مفاتيح الحل والمبادرات, باستثناء قراره بالاعتصام. غالبية ساحقة ملت من الشعارات والوعد, أهالي وذوي الضحايا والثكالى واليتامى. فوق هذا وذاك اضطراب علاقة الكورد بمحيطهم داخل المدينة مرة, وداخل عموم سوريا مرة أخرى. فتارة يُتهم الكورد بالأنانية والسعي لفرض مشاريع خاصة بهم, وتارة يُنعت الكورد بتعاونهم وتحالفهم مع النظام. يتم تغذية هذه النزعات لدرجة أن محافظة الحسكة برمتها مصابة بغياب رهيب لمفهوم المصالحة الوطنية والعيش المشترك الحقيقي, وغياب فادح في الديمقراطية.

الإقليم الكوردي أُرهِقَ في قامشلو. ها هو يُهدي كورده كل ما يملك, يمدهم بالسلاح, بالمؤن, بالمال, بالدواء, يفتح مدن الإقليم لاستقبال الوفود, والباحثين عن عمل, والمحتاجين للمعالجة....الخ. اكتشف الكورد, بل جميع مكونات سوريا ومكونات الحسكة, اكتشفوا أنه ثمة جهات كوردية خائفة حتى من البُعد الإنساني للأقليم. إدارة تفضل الرقص مع الذئاب على وحدة الحال الكوردي. الذاكرة الكوردية أصيبت بفهرسها وحُذفت راماتها, لتحل عوضاً عنها مفاهيم وأفكار وقناعات ما أنزل الله به من سلطان. هؤلاء اعتقدوا أن الكورد والعرب والمسيحيين سيدخلون أفواجاً في جعبتهم, فأسقطوا من قاموسهم العمل الكوردي المشترك, والمستقبل النير للشباب الكورد. لكن ثمة أيادٍ خارج نطاق التطلع الكوردي, داخل التواجد الكوردي تدخلت لرفع منسوب الاحتقان والكراهية, فبدأت الارتدادات في الداخل, كان من نتيجته عزوف المواطن عن التعاون مع السلطة القائمة. 

ومع استمرار تآكل الساحة عبر جميع أطرافها. هؤلاء يشعرون أن كل حوار ينتج عمل مشترك ما هو إلا قدراً من الخسارة, على الرغم من أن العجز عن الحسم والعجز عن التسوية الداخلية يدفعان بالمدن الكوردية إلى صدارة المشهد والمسرح الدموي وتكرار المآسي والتجاوزات بحق الأبرياء. فهل سيكون ظهور الاحتقان في تشييع الشهيد الأخيرة من نوعه, أم أن المنطقة ستغوص في وحل الخلافات والتناحرات والناتج عنها ليس سوى هدراً لمزيد من الوقت والجهد والمزيد من الاستنزاف في الصف الكوردي. 

وربما يتساءل أحدهم عن سر الدعم الدولي عسكرياً لــ/ قسد/ وتهميش الاتحاد الديمقراطي سياسياً. لعل ما حدث مؤخراً وما سبقه, وخشية ما سيلحقه يُشكل الجواب الشافي. لعل الجميع في هذه المنطقة بات بحاجة إلى تموضوع مشترك على أقل تقدير للحيلولة دون وقوع كوارث بشرية في محافظة الحسكة, لكن على ما يبدو أنها من المستحيلات.

التعليقات (2)

    عواد

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    مشكله الكرد العامه ولبس خاصتهم انهم من السهل قيادتهم والسيطره على عقولهم لمجرد ذكر كردستان لذلك يقعون دائما في الفخ وليس من السهل ان يتحررو من هذه العقده

    حمدان

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    على الكورد العودة إلى بلادهم الأصلية و محاربة إيران التي هجرتهم .
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات