هل ندم العالم على ما فعل في سوريا..؟!

هل ندم العالم على ما فعل في سوريا..؟!
تناسلت المجازر والعمليات الإرهابية طيلة الفترة الماضية، وبات الربط بين ما يجري في سوريا وبين ما يحدث في بعض بقاع العالم حالة ذهنية سائدة لدى كل الناس.

صوابية الفكرة التي يستند لها المحللون والتي تقول بأن ديمومة الوضع في سوريا والعراق على هذا الشكل يخلق أرضية لحدوث أبشع الجرائم الإرهابية التي يسقط المدنيون ضحايا لها، غالباً ما كانت تجعل السوريين يذهبون في شكل استنكارهم لهذه الجرائم إلى عقد المقارنة بين مقتل المدنيين على يد قوات النظام والميليشيات المتحالفة معه، والطيران الروسي، وبين أولئك الذين يموتون على يد الإرهاب الداعشي في البلدان التي تعرضت له.

لا يشعر بالمنكوبين إلا من كان منكوباً مثلهم، ولكن كل ما فعله العالم تجاه السوريين في الأعوام السابقة، لم يخرج عن اعتبار أن المذبحة التي تجري بحقهم تحدث في مكان بعيد، وأنها لن تؤثر بأحد سوى السوريين، وحين وقعت الأعمال الإرهابية في أوروبا، وتدفق عليها مئات آلاف اللاجئين، بات هذا الجزء من العالم على تماس مباشر مع ما يجري هنا، فهل شعر هؤلاء بقسوة الموت، كما يعيشه السوريون؟

لماذا لم يكن لدى الدول الغربية خيارات غير القيام بضربات جوية تستهدف المناطق التي تسيطر عليها داعش؟ طالما أن تصريحات وزراء خارجيات هذه الدول تربط وبشكل دائم بين وجود التنظيم واستمرار نظام الأسد؟ 

بعض الصحافة الغربية في هذه الفترة بدأ يحاول  تصويب الرؤية السائدة عن المشهد السوري أمام القارئ، بناءً على تحري وقراءة الأدوار التي ساهمت بما وصل إليه الحال في سوريا. من المؤكد أن الأمر يتصل بحالة الخوف من الإرهاب القادم من هذا البلد، وهو كذلك يرتبط بالتفاصيل السياسية المستجدة التي تحصل في الدول الكبرى كالتغيير الحكومي في بريطانيا، والترقب الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هذا لا يمنع من تأمل ما تفصح عنه بعض هذه الرؤى التي لم تتحول على أية حال إلى تيارعريض، يمارس نقداً مؤثراً تجاه الدور السلبي الذي لعبته السياسات الدولية في الوصول إلى حالة المذبحة الشاملة المنقولة عبر الشاشات، والتي يُباد فيها شعب كامل تحت مرأى ومسمع العالم كله.

واحدة من هذه الإلتماعات كانت افتتاحية نشرتها صحيفة الأوبزرفر البريطانية قبل يومين، حازت على اهتمام كبير في الصحافة العربية، تحدثت فيها عن فشل دول العالم في التوصل إلى حل في البلد الذي كانت الإجراءات الدبلوماسية الدولية حوله "تتسم بالجفاف والملل والتعقيد والسرية إذْ تجرى خلف الأبواب المغلقة، فإن نتائجها على النقيض قد تأتى كارثية وظاهرة بحيث يلمس الجميع آثارها، إذ سارت الإجراءات فى الاتجاه الخطأ". 

يشرح كاتب الافتتاحية في ثنايا السطور عن الثمار القاتلة التي أنتجها تقاعس الغرب عن أداء الدور المطلوب في سوريا، فيقول "تمخضت إخفاقات السياسة الغربية والعربية عن تبعات كارثية، كظهور تنظيم داعش فى المناطق غير المحكومة فى سوريا والعراق، ... ومن التبعات الرئيسية أيضاً عودة روسيا إلى مسرح الشرق الأوسط عبر ثغرة الفراغ السياسي، حيث انتهز فلاديمير بوتين ضعف القادة الغربيين وترددهم، فأرسل فوراً طائرات وصواريخ دعماً للحليف العربي الرئيسي لموسكو، وتأميناً لقواعدها فى البحر المتوسط، وبسطاً لنفوذها، ولتسديد ضربة استراتيجية للغرب".

ويخلص الكاتب إلى التصريح بما يشبه الندم، أو الاعتراف بتحمل أسباب الكارثة فيقول: "العويل وتبادل الاتهامات وإلقاء الملامة كلٌ على كاهل الآخر لا يكفى إزاء هذا المشهد المروع؛ ذلك أن ثمة أطفالاً يُقتلون وتُبتر أطرافهم بشكل يومي.. ثمة شعبٌ يعانى فظائع مروعة أمام أعيننا.. وإذا لم نكن نشعر بالعار، فحري بنا أن نفعل.. إننا جميعا نتحمل المسؤولية الأخلاقية والسياسية والإنسانية وعلينا أن نحاول وقف عمليات القتل التي لم تتناقص معدلاتها."

الملفت حقيقة فيما كتبته الأوبزرفر، ليس فقط تحميل الدبلوماسية الغربية والعربية مسؤولية الكارثة، بل أيضاً التوقف عند ضرورة أن يشعر الجميع بالعار تجاه ما يحصل! ولكن السؤال الذي لم يحاول كاتب الافتتاحية الاقتراب منه يقول: إذا كانت كل هذه الصور التي تنقل من سوريا لم تؤثر بهؤلاء الدبلوماسيين ومن قبلهم القادة الغربيين لكي يذهبوا إلى الخيار الصحيح تجاه المأساة السورية، فهل ستؤثر فيهم أو في الرأي العام الغربي افتتاحيةٌ صُحفية؟!

الآن وبعد مرور كل هذا الوقت على الكارثة المستمرة التي أفضت إلى تحول السوريين إلى أكبر شعب منكوب عبر التاريخ، بعد أن تعدى حضورهم في العالم تناقل صورهم المأساوية عبر شاشات الأخبار، ليصبح حضوراً في الحيز الجغرافي البعيد، بعد أن باتوا لاجئين ينتشرون في كل أنحاء المعمورة، هل يشعر العالم حقاً بالندم على مساهمته في صناعة المذبحة؟ 

ينفي الكاتب الأمريكي جون ريتش أن العالم يعيش شعوراً راهناً فحواه الندم، وهو في مقالته المنشورة في موقع (بدايات) والتي حملت عنوان "الضحية السورية أو كيف نعلم العالم الندم؟" يذهب إلى عتبة نقدية أشد قسوة وحِدة مما وصلت إليه افتتاحية الأوبزرفر، فهو يرى أن " فيض الصور المؤلمة التي خرجت من سوريا باتت مشهداً مألوفاً للعين المراقبة، وبات العالم أمام هذه  المشاهد المرعبة يريد أن يشيح بنظره عن القضية كلها. يريد أن يعود عن حداثته إلى زمن الأنبياء، من خلال تغذية الظن بأن كل هذا العذاب ما كان لينزل بهؤلاء لولا أنهم يستحقونه. هكذا تحول كل قتيل إلى إرهابي، وكل مولود إلى مشروع منتقم وثائر، ويجدر قتله قبل أن ينتقم من هذا العالم. لقد تمت شيطنة كتلة هائلة من البشر، بحيث لم يعد ثمة من يتفكر لحظة في مصائرهم وهو يخطط لتحرير الرقة أو منبج أو حصار حلب."..!

وعليه فإنه من الصعب ترقب موقف ما يتجاوز فيه أصحاب الأدوار الفاعلة في الملف السوري أنفسهم ومصالحهم ليصلوا فيه إلى عتبة الندم. 

ريتش يضع إصبعه على جوهر المسألة ويقول في مقالته: "دروس التاريخ تعلمنا أن مطحنة العظام التي تغذ سيرها إلى كل مكان ما زالت في بداية دورانها. ثمة غالبية عظمى من شعوب العالم يؤمنون أنهم يستطيعون إقامة جدران فصل مع المغاير والآخر. وأنهم يستطيعون بهذه الكراهية التي تنمو في كل مكان، حماية أنفسهم من المحرقة. هذا يفترض أن توسيع دائرة الخصوم سيكون مستشريا في السنوات المقبلة. (...) ونُذُر هذه الترنيمة الشيطانية لم تعد خافية على أحد. لكن الثابت في هذا الجنون كله، أن ثمة ميدان واحد يتقاتل فيه الجميع. لو لم يكن ثمة سوريا موجودة، كيف كان بوسع فلاديمير بوتين أن يحارب الإرهاب؟ سوريا هي الجغرافيا المنذورة لتكون قربان كهنة الكراهية. لا يتورع فلاديمير بوتين عن الفخر بأن مبيعات طائراته الحربية تتزايد يوما بعد يوم لأنها أثبتت فعاليتها في سوريا. هذا ليس أقل من أفران الغاز أبداً. وطبعاً ليس ثمة أحد معفي. كلما جرت حادثة في أي مكان من العالم، يجد الساسة أنفسهم مجبرين على الانتقام لضحاياهم بقتل مزيد من السوريين". 

وفي المقابل لهذا الواقع الذي لا يمكن تجاوزه بناءً على التفكير الأخلاقي لدى البعض هنا وهناك، يذهب الكاتب إلى الحديث عن دور ما للضحية، وربما يمكن القول أن هذا هو جوهر الفعل الذي يجب الذهاب نحوه في ظل هذا الاتفاق الصامت على استمرار المذبحة، وهذا الفعل هو أن يقوم السوريون أنفسهم بتعليم العالم الندم: "لن يجد السوريون مفراً من تلبس دور الضحية. الهوية السورية اليوم تعادل في مخاطر الانتماء إليها أن يكون المرء مجبراً على حمل ثقل العالم كله على كتفيه. سيجد السوريون أنفسهم هدفاً لاختبار فظاعات البشرية جمعاء. وسينجون من هذا الأتون المشتعل، ليثبتوا لهذه البشرية نفسها مرة أخرى، أن التضحية بأطفالهم ونسائهم ورجالهم وأرضهم وأرزاقهم سمحت للبشرية أن تعود إلى رشدها."

ولكن، ومن موقعنا كسوريين، تخالجنا الآلام كما الشعور الادائم بالخذلان، لا بد أن نسأل: هل ستعود البشرية إلى رشدها حقاً؟!

التعليقات (6)

    الواثق بالله الاموي

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    ليس نادم ...إطلاقا...

    مجنون

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    لن يندم من يظلم الا اذا اجبرناه ان يقف عند حده ونرده عن ظلمه غصبا ونذيقه نفس الكاس فالمثل يقول [من فرعنك يا فرعون قال لم اجد من يردني ]لذلك ثورتنا قائمه وارواحنا رخيصه في سبيل الحق

    مجنون

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    لن يندم من يظلم الا اذا اجبرناه ان يقف عند حده ونرده عن ظلمه غصبا ونذيقه نفس الكاس فالمثل يقول [من فرعنك يا فرعون قال لم اجد من يردني ]لذلك ثورتنا قائمه وارواحنا رخيصه في سبيل الحق

    التاريخ يعيد نفسة

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    العالم تغير عندما هاني بال السوري غزا اروما وتغير ايضا عندما منح اسم الاميرة السورية عروبا اسم قارة اوروبا .وتغير ايضا عندما منح عيسى السوري وشاؤل بولس الرسول السوري ايضا الدين السوري المسيحي عنما هرب الى روما و بداية تاريخ اوروبا الوسيط و الحديث يرتكز على الحروب الدينية السورية الاصل .والان بعد ان وصل السوريون المضطهدون الى اوروبا سيغيرون اروبا والعالم مجددا وسيكون ساحات في اوروبا والعالم باسم خالد بن الوليد ومعاوية وصلاح الدين و بيبرس و عمر ومحمد ووو كما هي الان ساحة السوري القديس بولس و

    فادي

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    لسى رح تصير حرب عالمية. اصلا صارت بس رح تمتد لتاكل الاخضر واليابس بسبب سياسات هاي الدول ودعمهم لهلمجرم واعوانه. وخليهم ساعتها يعرفوا حالهم.

    لا ، لن تعود !

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    لا يا شريكي في المُواطنة، لن تعود !
6

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات