السياسة التركية تجاه سورية قبل وبعد الإنقلاب

السياسة التركية تجاه سورية قبل وبعد الإنقلاب
أدلى رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم قبل المحاولة  الإنقلابية الفاشلة - الثلاثاء 12 تموز - بتصريح لافت أشار فيه الى رغبة تركيا بتحسين العلاقة مع العراق وسورية، وذلك في سياق التهدئة والتطبيع في العلاقات الخارجية، والذي شمل روسيا واسرائيل أيضاً.

 تصريح يلدريم أثار جدلا واسعاً حتى مع مبادرته إلى توضيحه أو شرحه صباح اليوم التالي، وبينما غطت المحاولة الانقلابية الفاشلة على تصريح يلدريم إلا أنها طرحت من جهة أخرى سؤال، بل أسئلة عن السياسة التركية بعد الانقلاب واحتمال الانشغال في الداخل، وبالتالي اتباع سياسة جديدة تجاه القضية السورية ومستجداتها.

تصريحات رئيس الوزراء التركي عن تحسين وتطبيع العلاقات مع سورية والعراق، وتحديداً سورية أثارت ردود فعل واسعة، ولغطاً حول خلفياتها ودلالاتها، وأيّ سورية يقصد. ورغم أنه أوضح في اليوم التالي مباشرة أن لا تطبيع أو تحسين للعلاقة دون رحيل بشار الأسد، باعتباره جذر المسألة، وأنه وداعش سيان، إلا أن تصريحه الأول أسيء فهمه وتفسيره، رغم أنه كان واضحاً لجهة أي سورية، وأي عراق تسعى تركيا لتحسين العلاقة معهما.

بداية، لا بد من الإشارة إلى أن ثمة فرق كبير بين التطبيع أو المصالحة مع روسيا وإسرائيل، وتحسين العلاقات مع العراق وسورية. فبالنسبة لروسيا مثلاً كانت العلاقات جيدة حتى ما بعد التدخل الروسي في سورية، وقبل اسقاط الطائرة الروسية فى تشرين ثانى نوفمبر 2015 حتى أن الرئيس الروسى بوتين كان في تركيا  للمشاركة فى قمة مجموعة العشرين في تشرين أول/أكتوبر، أي بعد التدخل في سورية بشهر وقبل إسقاط الطائرة بشهر أيضاً.

تنظيم الخلافات والحفاظ على المصالح المشتركة حكماً العلاقة بين البلدين  والتي استمرت  فى مستوى مرتفع من حيث التبادل الاقتصادي والاتصالات السياسية، إلا أن اسقاط الطائرة أدى إلى فرض عقوبات من جانب واحد من قبل، روسيا، وإيقاف الاتصالات السياسية والعلاقات الاقتصادية، بينما ظلت السفارات مفتوحة بين البلدين، وعلى مستوى السفراء.

المصالح  الثنائية المشتركة، وليست التركية فقط، كما يقال في الإعلام،  ادت الى التوصل التوصل إلى حزمة، صيغة تفاهم للتطبيع بين البلدين شملت إعلان الرئيس التركي عن الحزن لمقتل الطيار الروسى، ومشاركة أهله الألم والحزن، ومن ثم مبادرة الرئيس الروسي للاتصال بنظيره التركى، ورفع العقوبات التي أثرت بدورها سلباً على الاقتصاد الروسي الضعيف والمتداعي.

أمر مماثل تقريباً رأيناه في المصالحة مع إسرائيل، ورغم جريمة أسطول الحرية فى العام 2010 إلا أن السفارات ظلت مفتوحة، وإن على مستوى القائم بالأعمال. أما التبادل التجاري فلم يتأثر تقريباً، حيث ظل على نفس مستواه، وحتى ارتفع قليلاً، ولكن الاتصالات السياسية والقطيعة في المنظمات الإقليمية والدولية ظلت على حالها.

خلال الثلاث سنوات السابقة، وتحديداً في السنة الأخيرة تواصلت الاتصالات والحوارات الهادفة إلى إعادة العلاقات إلى مستواها العادي، وتم التوصل إلى حزمة معقولة جداً تضمنت غالبية المطالب التركية مع حلّ وسط بخصوص الحصار عن غزة برفعه بشقه الإنساني، وصعوبة عمل ذلك في الشق السياسي المتعلق أصلاً بمواقف متداخلة ومتناقضة لأطراف عدة.

الوضع مختلف مع العراق وسورية، حتى ان إطلاق وصف دولة أو دولتين يعتبر مجازاً في ظل السياسات الطائفية المذهبية لحكومة العراق، التى قسمت البلد ووضعته على حافة الحرب الاهلية والسياسات المماثلة معطوفة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي استخدمها بشار الأسد فى سورية، وأدت إلى تدمير مقدرات البلد، وتهجير نصف شعبها مع مئات الآلاف، بل الملايين من الشهداء والمفقودين، وتركيا لم تخف يومامواقفها من هذه السياسات، وأعلنت عن رفضها ومطالبتهاالدائمة بالتغيير، وإن ظلت العلاقات السياسية والديبلوماسية قائمة مع حكومة المنطقة الخضراءفى بغداد للتعبير عن وحدة البلد ورفض تقسيمه الا ان التبادل التجاري، والعلاقات السياسية والاقتصادية الوثيقة جرت وتجرى مع إقليم شمال العراق الكردي الذي تصرف غالباً بشكل مختلف، أكثر حكمة وهدوء من الحكومة المركزية – حكومة قاسم سليماني - ولذلك يبدو الوضع في مناطقه أفضل، وبما لا يقاس من الوضع في بقية البلاد.

ومع ذلك وبالعودة إلى التصريح المثير للجدل لرئيس الوزراء التركي عن العراق، وسورية فهو تحدث عن إدارة سياسة قوية فى البلدين تضم جميع "إخواننا"، وعن  ضرورة عدم غض الطرف عن جرائم الإبادة، كما مناشدة الأطراف الدولية التي تتضرر من الإرهاب، أن  تفهم أن جذر عدم الاستقرار موجود في هذه البلاد.

 اذن سورية التي يريد رئيس الوزراء التركي استئناف أو إقامة علاقات معها  يفترض ان تتواجد فيها حكومة لا تقصي أحداً تضم جميع الفرقاء مع عدم غض النظر عن جرائم الإبادة، التي ارتكبت. وفي كل الأحوال  كأن أنقرة  تريد القول أنها  ليست منغلقة او منعزلة وانها منفتحة على حل سياسي بهيئة انتقالية غير طائفية، تضم كل الفرقاء حتى مع جدول زمني مرن.

في الحقيقة فإن كلام رئيس الوزراء التركى لا يهدف إلى التهدئة الخارجية فقط، وإنما إلى الداخلية أيضاً في ظل الاستقطاب حول ملف اللاجئين السوريين، والتأكيد أن المشكلة ليست عند تركيا أو الحكومة الحالية، وإنها منفتحة على  تحسين العلاقات مع الجوار، كما على حلول جدية عادلة ومستدامة للمشكلات القائمة.

في السياق السوري لا تبدو تركيا من أي وجهة نظر واقعية مضطرة للانفتاح أو التطبيع مع بشارالأسد الجثة السياسية، والذي بات ألعوبة في يد القوى الخارجية التي حمت نظامه ومنعت سقوطه حتى مع تحوله إلى قائد لعصابة أو ميليشيا وبالنسبة لتركيا فان الخطوط مفتوحة مع روسيا التي باتت اللاعب الأقوى والأبرز، وحتى مع إيران نفسها، ولا شيء جدى يدفعها للتنازل لبشار ونظامه، خاصة أن المصالح التركية هي مع الدولة المعارضة الشعب السوري الثائر والرافض لبشار ونظامه.

 اما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة فلا يمكن إنكار أن أنقرة ستنشغل بشؤونها وقضاياها الداخلية لفترة ليست بالقصيرة، تحديداً فيما يتعلق بإزالة آثار الانقلاب ، وتطهير المؤسسات المختلفة من سرطان جماعة غولن، وإعادة بنائها وهيكلتها من جديد، وتحديداً الجيش والمخابرات على أسس ديموقراطية مهنية ومؤسساتية شفافة ونزيهة، إلا أنها كدولة تعرف قيمة ذاتها وحجم التحديات والمهام الجيوبوليتيكية الملقاة على عاتقها، ولن تتخلى عن حضورها في القضية السورية، تحديداً التي لم تعد شأناً خارجياً، وإنما داخلياً وبامتياز. وعموماً ، فلن يتغير شىء فى التعاطى مع اللاجئين السوريين داخل تركيا وستبقى المعاملة المميزة على ما هى عليه كما إن الثوابت التركية تجاه سورية تبدو حاضرة  كذلك ضمن ثوابت الأمن القومي والمصالح الاستراتيجية للبلد ككل، وتتمثل برفض الكيان الكردي، ورفض خيار التقسيم ، او اعادة تعويم الأسد ونظامه، والتأكيد على حل سياسي عادل وفق إعلان جنيف، ولا يتجاهل جرائم الإبادة، كما قال بن على يلدريم ولا يضع فروق بين داعش والأسد، لأن كلاهما سيان، كما جاء حرفياً أيضاً على لسان رئيس الوزراء التركي.

التعليقات (2)

    عمر الشيخ

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    خبر ليس له اهمية ابدا و إلى الآن لم تبدي تركيا اي شيئ تجاه سوريا او العراق بعد حادثة الانقلاب في تركيا ولا زالت منشغلة بالانقلاب .

    ابو سعيد

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    إفعل ما تشاء سلطان عبد الحميد الثالث (اردوغان) نعم الصادق الامين الطاهر الشريف عاشت تركيا بقيادتك.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات