أوروبا خائفة .. ونحن أيضاً

أوروبا خائفة .. ونحن أيضاً
بالساطور أو بقنبلة، طعناً أو دهساً أو ذبحاً، يستهدف عابرو سبيل في الطريق أو المترو أو على الشاطئ. لا يعجز الراغبون في القتل عن إيجاد سبل لانزال الموت بضحاياهم، وهذا ما تكرر في أكثر من بلد أوروبي على نحو غير مسبوق في الفترة القليلة الماضية. فقد سجلت 6 اعتداءات ضد مدنيين في كل من فرنسا وألمانيا وحدهما خلال أيام وأحيانا خلال ساعات ومن غير المتوقع أن تطوي أوروبا أو الغرب عموما مرحلة "غزوات القتل" هذه قريباً.

لا شك أن تداعيات هذه الهجمات ستطالنا كعرب ومسلمين سواء أكنا لاجئين أم مهاجرين أم مقيمين في منطقتنا العجائبية هذه حيث لا حول لنا ولا قوة ونحن نتابع معدلات العنف والموت اليومي في سورية والعراق والتشظيات الرهيبة لما يحصل على العالم بأسره. صحيح أن هذا العالم ليس بريئاً أبداً من المقتلة اليومية الحاصلة في سورية والمنطقة وأن تعميم الموت بالشكل الحاصل والضارب فيعمق دول الغرب هو ثمن باهظ للعجز الدولي عن احتواء الوضع السوري منذ بدايته عام ٢٠١١ لكن هذا القول وحده لن يعفي الخائفين اليوم سواء أكانوا مواطنين غربيين أو لاجئين سوريين أو مهاجرين مسلمين من دفع أثمان باهظة وجماعية لما يحصل. 

فهل ستتجه أوروبا نحو المزيد من التشدد أم تتمسك بالخطوة التاريخية التي شرعت بها المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" قبل عام بإعلانها سياسة الاذرع المفتوحة للاجئين. 

وهنا بدت مفارقة كيفية تعامل كل من ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع القلق الأمني، ففي حين استخدم هولاند، الذي يصارع لاحتواء المشاعر المتأججة بعد جريمة ذبح كاهن في كنيسة، تعابير تعكس حاجة فرنسا للخروج من الحرب ضد الارهاب منتصرة، فقدم نفسه بصفته مقاتلاً ضد العدو، مالت المستشارة ميركل نحو التمسك بفكرة التعاطف مع الضحايا وتحييد اللاجئين عن الوصم بالإرهاب، ورفضها القاطع إعادة النظر في سياسة الأذرع المفتوحة بل كررت تمسكها بعبارتها الشهيرة "سوف ننجز ذلك" والتي تحولت إلى شعار لمواجهة أزمة اللجوء.

الأرجح أن الأوروبيين باتوا يدركون أن حياتهم كما كانوا يعرفونها قد تغيرت وأن الحياة الطبيعية بصيغتها الجديدة هي خليط من أمور غير متوقعة وخطر مختبأ، وفي ظل وضع عام هش ينشط اليمين الأوروبي لتعبئة الأحداث الأمنية بمضامين سياسية مع تصاعد اللغة الشعبوية في الولايات المتحدة ودول أوروبية عديدة.

واليوم يستعر الجدل حول ضرورة وقف تدفق اللاجئين والتشديد في مراقبتهم، وهنا برزت مقاربات مهمة لكتاب وصحافيين في ألمانيا تتحدث عن جدوى سياسة ميركل حيال اللاجئين، وبأنها ستثمر على المدى الطويل مزيداً من الأمن في ألمانيا.

 فمن خلال اظهار التعاطف مع آلاف المسلمين اللاجئين أرسلت ميركل رسالة إلى العالم بأن ألمانيا ليست في حال حرب ضد الإسلام.. هذا يعني أن غالبية المسلمين في ألمانيا لديهم السبب الكامل للتعاون مع الأمن في مجابهة الإرهاب وهو أمر لا يمكن تعميمه على المسلمين الموجودين في بروكسل وباريس مثلاً. فلا شك أن مفتاح مقارعة الإرهاب هو كسب عقول وقلوب المسلمين المقيمين في مجتمعات ذات حساسية عالية للتشدد.

 ففي أحياء مثل "مولنبيك" في بروكسل أو "بينالي" الباريسي نموذج لضواح تعج بالمسلمين؛ الذين لا يشعرون أنهم جزء من التيار المجتمعي العام، لذلك لم يكن مفاجئاً أن يسافر عدد من المراهقين والشباب المولودين في تلك البلاد للعيش والقتال مع داعش، أما من اختار البقاء فهو غالباً ما يكون أسير مرارة حيال دول ترسل لهم كل يوم المزيد من البوليس لاستجوابهم واعتقالهم ولا تبذل ما يكفي لإشعارهم بأنهم جزء من النسيج المجتمعي.

الحقيقة هي أن السياسة الخارجية تلعب دوراً حيوياً في تجنيد المتطرفين وهذا درس استفادت منه فرنسا خلال حرب العراق حيث عارضت حكومتها ذاك القرار، وهو ما يراه خبراء أمنيون بأنه حمى فرنسا من الهجمات فيما تم استهداف بريطانيا واسبانيا المشاركتين في الحرب آنذاك.

الحملة الشرسة ضد المستشارة ميركل حالياً تقوم على فكرة أن فتح الباب اللاجئين عرض حياة الألمان العاديين للخطر، لكن المعطيات تفيد بأن الدفق الحديث للاجئين من مناطق الحرب إلى أوروبا لم يزد معدلات الإرهاب. وهذا يستند الى حقيقة ان طالبي اللجوء الذين نفذوا الهجمات الثلاث في ألمانيا هذا الأسبوع دخلوا البلاد قبل وقت طويل على قرارات السيدة ميركل بشأن الهجرة.  

لقد تمكنت سياسة الأذرع المفتوحة من تأمين الحماية من الإرهاب بنسب أكبر بكثير لأنها ساعدت على طمأنة المسلمين في المانيا بان الحكومة الألمانية ليست في حال حرب مع الإسلام، فيما فرنسا وبلجيكا علقتا في دائرة مقفلة من الشرطة والأمن والمزيد من الهجمات الإرهابية وتعمق شعور المهاجرين واللاجئين بعدم الانتماء.

نعم، أوروبا خائفة ..ونحن أيضاً..  

التعليقات (2)

    عواد

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    نتمنا من الكاتبه ان تطلب من الشعوب الاوربيه الخائفه ان تطالب خكوماتها عدم التدخل بالشرق الاوسط كحرب العراق و مسانده الاسد ونشر الخراب وقتل اكثر من اثنين مليون انسان هؤلاء يا سيدتي ليسو بهاإم وان كان الساءد لديكم انهم درجه عاشره كمدافعين عن العلمانيه والدمقراطيه

    أبو فداء الواو

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون .نعم إن موجة الإرهاب التي تشهدها أوربا هي نتيجة طبيعية لسياسة الكيل بمكيالين التي اتبعها ويتبعها الغرب بشأن قضايا المنطقة والتي أوصلت أفراد من شعوب المنطقة الى حالة الإحباط واليأس من السياسات الغربية ووصولها لحالة العداء ولعل سياسة الغرب على القتل بسوريا دليل على ذلك .
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات