القمة العربية في موريتانيا كانت كما كانت دائما: قمة أمريكية ليس فقط بحيز المسموح فيها بل بمراميها وأهدافها وحتى بمصطلحاتها وقبل كل شيء أن تكون كما تريد أميركا دائما قمة هزيلة واهنة مهانة...فكان عدد الحاضرين من الصف الأول سبعة والباقون كانوا من الصف الثاني والثالث والرابع وخطط المحضرون للقمة مدّة يومين ولكن ذخيرتها نفذت في يوم واحد وكفت أمريكا العرب الجدال.
فقرات وبنود ومصطلحات مطلوبة أمريكياً سادت في الكلمات والمناقشات للملوك والأمراء والرؤساء والوزراء وكلها أصلا سبقت ووصلت للمقررات في البيان الختامي المعدّ مسبقاً والمترجم سلفاً...مترجم من الانكليزية للعربية أولاً ثم من العربية لسائر اللغات : محاربة الإرهاب ومكافحة التطرف والتكاتف والتنسيق لاجتثاث الإرهاب ... هتف بعضهم "يجب هزم الإرهاب، هذه أولوية" ودعا آخر : إلى تنسيق أكبر "مع أفريقيا" للقضاء على هذه الآفة "الإرهاب".
وفي الأروقة الجانبية كانت هناك توكيدات لمحاربة الإرهاب وأوراق عمل مترجمة مرت من خلال اجتماع وزراء الخارجية التحضيري لتجفيف منابع الإرهاب الفكرية والدينية والمسجدية وتجفيف الكتب والمناهج من الإرهاب، وعبَّر الحاضرون عن كل ذلك في البيان الختامي للقمة حين أكدوا جميعاً رغبتهم في خلق بيئة نابذة للتطرف والغلو ونابذة لدعايات الفتنة وإثارة الكراهية, وأنهم يؤكدون دعمهم لمواجهة الجماعات الإرهابية في العراق وليبيا وسوريا.
وفي الكلمات المملة المعهودة لكل "ممثل" ذكر كل واحد ما يخشاه وانتقد ما هو عليه ورمى بدائه ما وصل إليه الحال عند العرب وانسلَّ كالتي رمتني بدائها وانسلَّت.
رئيس الوزراء المصري قال:" إن التدخلات الخارجية هي من أكبر التحديات"... والتدخلات الخارجية هي وحدها من أتت بمن أتى به، ممثل لبنان لم يفوت الفرصة فأعلن بإخوة عظيمة وصراحة متناهية أن لبنان لا يحتمل اللاجئين السوريين وأنه يحتاج المال والمساعدة وتوزيع اللاجئين، والسعودية رغم انها شاركت بتمويل القمة ورغم أن معظم لحم أكتاف الحاضرين من مالها لم تستطع أن تُدرج عبارة واحدة ضد إيران في البيان الختامي...الجبير في كلمته ذكر عن إيران دورها في تأجيج الطائفية والتدخل في شؤون الدول العربية ولكن لم يصل كلامه للبيان الختامي...لماذا؟
هل وصل التحالف الأميركي الإيراني لدرجة تمنع ادراج كلمات ضد ايران في البيان العربي الختامي؟، حتى لو قالوا أن ممثل العراق هو الذي اعترض ومنع فلن يقنعوا أحداً في أن ممثل العراق يستطيع تحدي الإرادة الأمريكية الحاضنة أصلاً لحكومة العراق لو أرادت ذكر إيران بسوء، وعندما ذكر الحاضرون المسألة السورية كلهم قالوا أزمة وقالوا حرب أهلية طاحنة وقالوا تدخلات أجنبية ولم يذكر أحد أن هناك حرباً ضد طاغية مسعور ومستعمرين.
أما الجبير فقد ذكر دور بشار الأسد التدميري وكرر أغنيته التي اشتهر بها: "لن يكون لبشار الأسد دور في مستقبل سوريا" ورغم أنه كلام في كلام ولكنه لم يصل أيضاً للبيان الختامي بل كانت الكلمات التي أُدرجت في البيان عن سوريا فاضحة عجيبة حين نصَّت: "إن القادة العرب يأملون توصل "الأشقاء" في سوريا إلى حل سياسي"... ولا ندري هل يقصدون أن بشار ومن معه أشقاء لهم أم هم أشقاء للملايين الذين ذبحوهم وهجَّروهم من السوريين؟.
ولم ينس "القادة" العرب طبعاً أن يتاجروا بالقضية الفلسطينية وأن يرحبوا بالمبادرة الفرنسية للسلام و ختموا بيانهم الختامي بنكتة بذيئة فأكدوا على ضرورة التشبث باللغة العربية الفصحى وحماية تراثها، رغم أنهم انتهكوا اللغة العربية الفصحى في كلماتهم بطريقة متكررة صارخة شديدة مؤلمة حتى وصل صراخها إلى الصين.
لقد اُطلق على القمة 27 "قمة الأمل العربية" قمة عربية ليس لها من أجزاء اسمها أي نصيب فهي ليست بقمة وليست بعربية ...وليس فيها أي أمل في أن يكون في الجامعة العربية إرادة أخرى مع الإرادة الأمريكية.
التعليقات (4)