لا تنكروا فتصبحوا طغاة..

لا تنكروا فتصبحوا طغاة..
على وقع المعارك القريبة والبعيدة، ومع أصوات المكلومين والجرحى، ليسمح الثائرون لنا بالابتعاد عن لغتهم الغاضبة، وعن خطاباتهم المنفعلة إزاء كل صور الموت والدم، وأن نطلب منهم ترك الأسلحة معلقة على الجدران، والإصغاء من خلال لغة القلب المتعب،  قبل أن نسألهم كما نسأل أنفسنا: وماذا بعد كل هذه الخسارات؟

لا نطلب الإجابة ممن ارتهنوا، وهم كثرٌ، ولا نريد مناقشة أصحاب الرؤوس الساخنة، الذين يعيشون بعيداً عن ساحات الموت اليومي، ولكنهم يطلون عليها من خلال الصور والأفلام التي ينقلها لهم شباب يموتون كل يوم..!

وبالتأكيد لا نرغب بأن يُستغل سؤالنا هذا في حروب الشخصنة الرديئة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، التي تشنها (كتائب الإعدام المعنوي)، ضد كل ما يخالف قناعاتهم، وضد كل من يخالف التيار، أو ضد كل من يرفض السير مع القطيع، فباتت عبارات التخوين والتشكيك والاقصاء هي عنوان كل ما يحصل بين السوريين، فلا أحد لديه قناعة بأحد، والكل يشكك بالكل، والجميع بحسب الجميع؛ يعمل لحسابه الخاص، ويعيش عبر الفساد! حتى صار مشهد المعارضين كله إثر هذه الحملات المستدامة لقتل الناس من خلال العنف اللفظي، يتساوى مع مشهد النظام ومؤيديه، وبما ينسجم تماماً مع توجهات قوى إقليمية ودولية كثيرة، تريد أن تفرض على السوريين حلولها، بحجة أن الجميع متورط، والجميع مارس القتل، والجميع غارق بالفساد..!

لنبحث عن صوت أولئك الذين اهترأت أحذيتهم وتورمت أقدامهم وبحت أصواتهم في شوارع المدن والقرى المنتفضة في العام 2011 ولم يكلوا..! ولننظر في ملامح وجوه المعتقلين كي نسمعها وهي تحكي عن الأمل الذي بقي فيها رغم غياب الشمس عنها طيلة سنوات العتمة والسجون..! وليشاطرنا هذا الألم أولئك الذين بقوا على الجبهات، فقَتلوا وقُتلوا، وخسروا زهوة أعمارهم، كما فقد أهلهم كل ما يملكون..!  

ليشاركنا التفكير كل من اعتبر ورود غياث مطر ودموع أبو فرات تمثلانه كما مثلته بندقية عبد القادر صالح، وفي الوقت نفسه ليفكر معنا كل سوري مازال يرى بأننا قادرون على تغيير هذا النظام، بعد كل هذه السنوات من القتل والموت اليومي تحت مرأى ونظر العالم، الذي يتكشف يوماً بعد يوم حجم إيغاله في دمنا، من جهة عدم مبادرته إلى مساعدتنا، ومن جهة محاولته تعويم النظام رغم كل جرائمه بحقنا..

لقد حولَنا هذا العالم الصامت من أصحاب حق إلى شعب هائم في الصحاري وفي القفار، ومن ثوار يطمحون إلى الحرية والمساواة و العدالة إلى "إرهابيين"، ومن لاجئين يجب إعادتهم إلى موطنهم عبر إزالة الأسباب التي دفعتهم للجوء، إلى مشكلة بذاتها، فصرنا كائنات غريبة ينفر منا القريب قبل الغريب.

في الملمات الكبرى، يتدافع المنكوبون نحو المنكوبين، ففي قربهم من بعضهم يجدون بعض الأمان، وبعض الطمأنينة، التي تعينهم على تجاوز المصيبة، لكننا وبعد خمس سنوات ونصف من الكارثة، فشلنا في أن نكون، وتحولنا إلى سكان للخنادق التي تفصلنا عن بعضنا، في المركبة التي تهوي بنا إلى هوة الفناء السحيقة.

لقد صنعت الديكتاتورية المديدة فينا بؤراً لانتاج الأمراض المدمرة، وبينما تطهرَ الكثيرون منا في شوارع سوريا من أمراضهم، وقتلوا برصاص القنص، أو في عتمات السجون والأقبية، نهضتْ أمراضنا كلها حتى صار الإلغاء والعسف اللفظي لغة حوارنا، وجُعالات المنافي كل هواجسنا واهتماماتنا، وبدلاً من التفات عقلنا الجماعي إلى عميق جروحنا، والتفكير بمستقبل البلاد، والتحضير أساليب علاج الكوارث العظمى التي خلفها هذا النظام الآثم في حربه ضد روح الثورة فينا!، ها نحن نعيد يومياً صناعة الكوارث من جديد في حروب صغيرة يصنعها الجهلة أصحاب العقول المغيبة.

وماذا بعد كل هذا الخراب الذي نعيشه ونغرق فيه، وماذا بعد كل ما خسرناه، ألا من صحوة في هذا الليل البهيم؟

ينكر الكثيرون من الثائرين واقعهم المتشظي والمدمر، ويعتقدون أن الاعتراف بالضعف وبالخلل يعني إعلان الهزيمة، وعلى مقربة من هؤلاء تمارس القوى السياسية المعارضة إنكاراً مشابهاً، فلا تعترف بفشلها، ولا تتيح المجال لتجديد قوى العمل السياسي، برؤى جديدة، وتوجهات مختلفة، وبين إنكار الثائرين على الأرض وإنكار قوى المعارضة، حل سكون مقيت، نقل إلى عموم السوريين الإحساس بالغرق في الدوامة، دون وجود أي سبيل للنجاة، سوى البحث عن حلول فردية تضمن للسوري المفردات الأولية للعيش الآمن..! وإذا فكرنا بالصورة التي نبدو عليها، لن نجد أسوأ مما يحصل للسوريين في بلدان اللجوء، حينما يرون أنفسهم متهمين طيلة الوقت، ولعل جذر هذا الإحساس يأتي من شعور الجميع بأنهم بلا سند، وبأن القضية التي نذروا أنفسهم من أجلها باتت مشذرة ومتهالكة، رغم أن عناصر قوتها لا تزال حاضرة وحارة. 

رفض الإنكار، والاعتراف بالحقائق، باتا أمرين ملحين في حياة السوريين، إذ لا يمكن للوعي الجماعي بقضية ما أن يبنى على مراكمة المسلمات، دون التبصر بها ومناقشتها، وإذا قيض لنا أن نبدأ بالمراجعة الجادة لكل ما مضى، فإن الخوض بالتفاصيل سيؤدي لا محالة إلى خلق نقاش أكبر مما يظن البعض، حول الكثير من الثوابت التي تراكمت في العقول، حتى بات نقاشها من المحرمات..!

لم تقم الثورة في سوريا من أجل استبدال طاغية بطغاة صغار يتوزعون في ردهات حياة السوريين، ولم تقم من أجل جعل الأفكار الراسخة مؤبدة، تُفرض بقوة السلاح على الناس، ولم يذهب السوريون إلى هذه الخسارات من أجل أن يتحولوا إلى شعب هائم على وجهه، يتم النيل منه من داخله، ومن خارجه. 

لقد قامت من أجل الحرية والكرامة، ولهذا لا يمكن لنا أن نفكر دون هاتين الأولويتين، فلا تهدروا حقكم بها، فتصبحوا على شاكلة الطغاة..

التعليقات (1)

    لا حل الا بانتخاب قائد

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    لماذا ايها المفكرون لا تجدوا طريقه لعمل انتخابات لقائد يوحد كلمتنا وقوتنا بعد ان اصبح لدينا والحمد لله في كل حاره رئيس او امير او قائد وسؤال لماذا استقال معاذ الخطيب
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات