سعت روسيا وأميركا على الفور إلى التنسيق فيما بينهما بعيداً عن مصالح تركيا وعن مصالح الدول الأخرى المؤيدة للثورة وذلك لتوحيد موقفيهما من أجل التوصل لاتفاقهما، في الحرب على داعش والنصرة، وذلك من أجل إفساح المجال أمام العصابة الطائفية لتتمدد، و تتمدد أذرعها الأخرى كحزب الاتحاد الديمقراطي وغيره من المليشيات الطائفية، تماماً كما حصل قبل أشهر حين تباكى البعض على وجود جبهة النصرة في الريف الحلبي الشمالي ، فطالبوها بإخلائه بغية أن تتفرغ فصائل هلامية غير موجودة بالغالب على أرض الواقع من الجيش الحر لقتال تنظيم الدول وغلاة الأكراد، ولكن ما إن أخلت جبهة النصرة مواقعها حتى اجتاحت قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، بدعم أميركي وروسي وفرنسي وبريطاني وووو مناطق الريف الشمالي، واليوم تتكرر المأساة بمطالبة البعض خبثاً أو سذاجة جبهة النصرة بإخلاء إدلب خشية من أن يدكها طيران التحالف الدولي كما حصل في منبج وغيرها من مجازر، لتتكرر بذلك مأساة سيطرة غلاة الأكراد على الريف الحلبي الشمالي في إدلب..
بموازاة ذلك كشفت تقارير صحافية عن تحريك ثلاثة آلاف مقاتل شيعي من الحشد الشيعي العراقي وقد يصل العدد إلى خمسة آلاف مقاتل للتوجه للقتال في حلب، إذ أنهم يسعون إلى فرض حزام بين سوريا و تركيا المستقبل، رافقه اقتراب روسي نحو تركيا وتسريبات روسية من أن الاستخبارات الروسية هي من سربت مكالمات الانقلابيين، وكشفتهم لصالح أردوغان، وهو ما لا يمكن لأحد تأكيده ، ولكن الواضح أن روسيا تسعى إلى استثمار الانكفاء التركي داخلياً وانشغالها بالصراع مع الانقلابيين للتفرغ لرسم صورة سوريا كما يحلو لها، وما على الأخيرة إلا أن تتحرك بسرعة قبل فوات الأوان، وقبل فرض سياسات أمر واقع، تحتاج غداً أضعاف ما تحتاجه اليوم، فسلام الداخل يعني سلام الخارج، والعكس صحيح، وينبغي التذكير هنا بقصة تاريخية رائعة ذات دلالة حين أصر سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه على إنفاذ بعث أسامة بن زيد إلى الشام لقتال الروم بعد وفاة النبي عليه السلام، وجاء الإصرار على الرغم من أن سيدنا أبا بكر كان مشغولاً بالعدو الداخلي وهم المرتدون من مانعي الزكاة، وحين أصر ابو بكر على القتال على الجبهتين كان الرعب قد دب في نفوس المرتدين بقولهم لو لم يكن لأبي بكر القوة والقدرة الكبيرة للقتال على الجبهتين لما أنفذ بعث أسامة رضي الله عنه لقتال الروم وهو مهموم ومشغول بقتال المرتدين..
ليس هناك سبيل أمام الثورة السورية وداعميها إلا قلب الطاولة وفرض قواعد سياسية وعسكرية جديدة، أما التعامل مع الوضع وفقاً لقواعدهم السياسية والعسكرية التي وضعوها ووضعوا بدائل عنها، فهذا خطأ وخطر جسيمين، ولعل من السيناريوهات المقترحة الابتعاد عن قضية الحديث عن فك ارتباط جبهة النصرة عن القاعدة، لأن هذا الأمر ليس بيد أحد أن يفعله إلا النصرة والقاعدة، وهو ليس بالسهولة بمكان أن يتم اتخاذ قرار بشأنه، ولكن ما في أيدي الثورة السورية الآن هو الضغط من أجل تحريك جبهة دمشق وجبهة الجنوب، وتحميل الفصائل الموجودة والمنتشرة في تلك الجبهات مسؤولية عربدة العصابة الطائفية وسدنتها وداعميها من اللاعبين الاقليميين والدوليين، فهذا كفيل لقلب قواعد اللعبة وفرض قواعد اشتباك ثورية جديدة، يكون فيها الثوار المطرقة وغيرهم السندان، أما أن يلقي كل فصيل التهم والمشاكل والأخطاء على هذا الفصيل أو ذاك فهو محاولة للتهرب من واجباته ووظائفه، وهو ما يذكرنا بسياسة أدمنت عليها العصابة الطائفية لعقود من أن تحرير فلسطين لا بد أن يسبقه تطهير سوريا من العملاء والرجعيين وهو أمر من سابع المستحيلات تحقيقه، ويتكرر اليوم هذا مع بعض الفصائل التي تطالب بفك ارتباط النصرة من القاعدة والقضاء عليها كمقدمة لتحركهم بإسقاط العصابة الطائفية، مما يعني إعفاء هذه الفصائل من واجباتها وتحميل مسؤولية تعثر الثورة لغيرها..
لا تتحد الجبهة الداخلية إلا تجاه الأعداء في الخارج، ولا ينشغل الجيش التركي وغيره بشيء كإشغاله في مجال وحيز عمله الحقيقي ومبرر وجوده وهو قتال العدو الخارجي، يومها ينشغل عن انقلاباته وتآمراته، أما معالجة الآثار العميقة والخطيرة للانقلاب الفاشل ولارتداداته فلن تكون إلا بخلق عدو خارجي وهو موجود أصلاً، ويعتبر أس ولب المشاكل التركية، ألا هو بالعصابة الطائفية بالشام وما جلبته من احتلالات أجنبية ومليشيات طائفية على حدود تركيا، بما يهدد أمن وسلامة واقتصاد تركيا، ولنا في تحريك رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الصحابة يوم الإفك، فساروا المسافات الطويلة، فهدّهم التعب، وناموا وانشغلوا عن الحديث ووسوسات المنافقين وأصحاب الأغراض الدنيئة التي تريد أن تنال من الصحابة وزوجة النبي عليه الصلاة والسلام..
التعليقات (11)