هل أدّت سياسة الرئيس أوباما إلى انقسام المجتمع الأمريكي؟

هل أدّت سياسة الرئيس أوباما إلى انقسام المجتمع الأمريكي؟
يشهد المجتمع الأميركي انقساماً حادّاً على مستويات مختلفة و ظهر هذا الانقسام على السطح و أصبح من المألوف التعبير عنه بصورة عنيفة مثل الاشتباكات بين جماهير المرشّحين الرئاسيين، خصوصا ترامب و ساندرز أو ما يحدث الآن بين الأمريكيّين من أصول إفريقيّة و الشرطة الأمريكيّة و الّتي يمكن اعتبارها تهديدا جدّيا قد يكون له الكثير من المضاعفات على الدولة الأقوى في العالم.

يوجد في الولايات المتّحدة اليوم 45 مليون مواطن من أصول إفريقيّة بنسبة 14% من السكّان و شهدت هذه الدولة تاريخا متواصلا من التمييز العنصري تمّ إلغاؤه قانونيّا في منتصف الستّينات من القرن الماضي أي منذ خمسين عاماً، بسبب نشاط حركات الحقوق المدنيّة و لكنّ ليس من السهل الادّعاء بأنّه قد تمّ القضاء عليه عمليّاً و خصوصا أنّه في الولايات المتحدة و الى اليوم يعيش أغلبيّة السود في أحياء خاصّة بهم، مستواها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و الخدمي أقلّ من سواها، و ترتفع فيها بالتالي نسبة العنف و الجريمة ممّا يقلل من فرصة حصولهم على حياة مقبولة أو اندماجهم ببقيّة مكوّنات المجتمع الأميركي و رغم ذلك فقد شهدت فترة الثمانينات و التسعينات من القرن الماضي تحسّناً نسبيّا في أوضاع بعض الأمريكيّين من أصول إفريقيّة , لكنّ العصر الذهبي لهم كان مع أحداث 11 أيلول 2001، و هي أوّل و أكبر ضربة تتعرّض لها مدن أمريكيّة في كل تاريخها , فقد وحّدت هذه العمليّات الأمريكيّين حيث أصبح شكل العدوّ الجديد للولايات المتحدة يحمل ملامح شرق أوسطيّة مع مظهر و ملابس ذات طابع إسلامي.

 كما تحوّلت في نفس الوقت الصورة النمطيّة للأميركي الأسود في الوعي الأميركي العام من الشخص الجاهل و الكسول و العنيف أحيانا، إلى الجندي الّذي يدافع عن وطنه : الولايات المتّحدة الأمريكيّة و خصوصا أنّ نسبة كبيرة من الجنود الّذين تمّ إرسالهم لأفغانستان و العراق كانت من الأمريكيّين من أصول إفريقيّة الّذين يلتحق الكثير منهم في الخدمة العسكريّة لأسباب اقتصاديّة أو لتسوية وضعهم القانوني أو تحسين صورتهم الاجتماعيّة , كما ساعد على هذا العصر الذهبي بروز شخصيّات مميّزة من أصول إفريقيّة بإدارة جورج بوش الإبن وقتها مثل الجنرال كولن باول وزير الخارجيّة، و الّذي كان يحظى باحترام واسع و كذلك كوندوليسا رايس مستشارة الأمن القومي و صاحبة الخبرة الكبيرة في السياسة الدوليّة و خاصّة الروسيّة يمكن اعتبار هذه الظروف تحديدا بالإضافة لمضاعفات حرب العراق و أفغانستان هي الّتي أدّت فيما بعد لانتخاب باراك أوباما كأوّل رئيس أميركي من أصول إفريقيّة.

هكذا كانت الأوضاع عندما استلم الرئيس أوباما منصبه في بداية عام 2009 , فما الّذي حصل و ما هو سبب هذه الانتكاسة و كيف وصلت الأمور إلى ما نحن عليه اليوم؟.

خصوصا أنّ ما يحدث اليوم وصل لمستوى جديد تماما لا سابقة له فبعد أن قتلت الشرطة شابين أسودين في يومين متتاليين خلال شهر تمّوز الجاري خرج الكثير من الأمريكيّين من أصول إفريقيّة في الكثير من المدن الأمريكيّة للتظاهر احتجاجا على العنف المفرط من الشرطة تجاههم , إحداها كانت في مدينة دالاس بولاية تكساس و فيها قام قنّاص أسود بقتل خمسة من ضبّاط الشرطة البيض و جرح سبعة آخرين ممّا أعتبر أكبر اعتداء على الشرطة الأمريكيّة منذ 11 أيلول 2001.

هل أدّت هذه الحوادث و خطورتها إلى أي تغيير أو عودة الوحدة في الشارع الأميركي ؟ , أبدا !! حتّى اليوم مازال السود يتظاهرون في المدن الأمريكيّة تحت شعار "حياة السود مهمّة" 99% من المشاركين فيها هم فقط من السود و يتمّ اعتقال المئات منهم , في المقابل يتجمّع الشرطة في مدينة دالاس لتلقّي التضامن و العزاء بمقتل زملائهم، 95% من الّذين يقدّمون العزاء هم من الأمريكيين البيض حصرا.

التغطية الإعلاميّة توضّح استمرار الانقسام و عدم إدراك الخطر، فالقنوات المحافظة أو اليمينيّة تسأل المتظاهرين هل سمعتم من يهتف إن الشرطة خنازير لترسل رسالة للرأي العام أنّ الأمريكيين من أصول إفريقيّة يبرّرون قتل الشرطة , و بالمقابل دور المحطّات الليبراليّة يقتصر على الدعوة العاطفيّة للتوحّد .

الّذين يرون أنّ أداء الرئيس أوباما كان سبب حالة الانقسام هذه يبرّرون ذلك ببعض أفعال الرئيس مثل عدم التشاور مع وزرائه و مساعديه فرغم أنّ النظام الأميركي نظام رئاسي و للرئيس صلاحيّات أكثر من الديموقراطيّات الأخرى , لكنّ كل الرؤساء السابقين كانوا يتبادلون الرأي مع طاقمهم الحكومي لتكون قراراتهم بالنهاية شبه جماعيّة و عادةً ما يكون لنائب الرئيس و وللوزراء وجهات نظرهم و مواقفهم و قراراتهم الخاصّة, ففي الإدارة السابقة لجورج بوش الإبن كان لنائب الرئيس ديك تشيني و وزير الدفاع دونالد رامسفيلد و الخارجية كولن باول و مستشارة الأمن القومي رايس أدوارهم الهامة و لا يستطيع أحد إنكار تأثيرهم جميعا باتّخاذ كل القرارات الاستراتيجية للإدارة , و هكذا كان الوضع مع كلّ الرؤساء السابقين حتّى أنّنا شهدنا أحيانا مستشارين و وزراء أهم من الرئيس نفسه مثل هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي و وزير الخارجية في عهد الرئيسين جيرالد فورد و ريتشارد نيكسون أو المستشار بريجينسكي في عهد جيمي كارتر.

 أمّا في عهد الرئيس أوباما فقد كان الوضع مختلف تماما , ففي فترته الأولى كان خلافه واضحا مع كل مساعديه في الموضوع السوري مثلا من وزيري الخارجية و الدفاع إلى رئاسة ال CIA و كان يرفض بإصرار كل اقتراحاتهم و نصائحهم و لم يكن هذا التناقض في المواقف سريّا بل معروفا للرأي العام , و في فترته الرئاسيّة الثانية كان وزراؤه و مستشاريه بمثابة صدى لصوته، حيث قام باختيار شخصيات تابعة بشكل يشبه الدول غير الديموقراطيّة أي أنّ الرئيس أوباما تصرّف بالطريقة الّتي يتصرّف فيها بعض الديكتاتوريين , هذا من ناحية و من ناحية أخرى فإنّ الرئيس أوباما عندما فاز بانتخابات 2008 كان للديموقراطيّين أغلبيّة مريحة في مجلسي النواب و الشيوخ , و لكن خلال انتخابات 2010 و 2012 و 2014 انعكست الصورة و أصبح للجمهوريّين أغلبية كبيرة بالمجلسين و من الطبيعي أن يتم اعتبار ذلك نتيجة عدم موافقة أغلبيّة الشعب على سياسات الرئيس و مع ذلك فقد أصرّ الرئيس أوباما على استمراره في سياسته مهما كان حجم المعارضة لها.

فمثلا في موضوع الاتّفاق النووي الإيراني فكما كان هناك معارضة واسعة لهذا الاتفاق خارج الولايات المتحدة من أغلب جيران إيران إلى إسرائيل لكثير من الدول الأوروبيّة مثل فرنسا، كذلك في الداخل الأمريكي كانت هناك معارضة واسعة له و كان أغلب أعضاء مجلسي النواب و الشيوخ المنتخبين ضد هذا الاتّفاق بشكل مطلق , و لم يكترث الرئيس أوباما لذلك معتمدا على أنّ الكونغرس إذا أراد الاعتراض على قرار للرئيس فعليه تأمين موافقة ثلثيّ الأعضاء فنجح أوباما بتأمين ثلث الأصوات + 1 ممّا سمح له بتمرير الاتّفاق رغم معرفته أنّ معارضيه يمثّلون الأغلبيّة الشعبيّة ممّا أوجد حالة من الإحباط عند أغلبيّة معتبرة من الشعب الأميركي و لذلك بدأت المعارضة لسياسة أوباما تأخذ أشكالا غير مألوفة في التاريخ الأميركي مثل دعوة الكونغرس لزعماء عالميين لإلقاء خطابات فيه دون علم البيت الأبيض , أو تنظيم تجمّعات شعبيّة تدين سياسة الرئيس أو أي تعبيرات أخرى لكنّها جميعها تتّفق في نقطة أكيدة أنّ هناك حالة رفض لسياسات الرئيس من قبل عموم الشعب الأميركي و لم يتم السماح لهذا الرفض بالتعبير عن نفسه بالآليّات الديموقراطيّة فكانت النتيجة ما نراه اليوم من حالة غضب و انقسام .

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات