هل تخرج روسيا من سوريا مهزومة

هل تخرج روسيا من سوريا مهزومة
كان إعلان روسيا عن سحب قواتها العسكرية من سوريا بتاريخ 15/3/2016 بعد تدخل عسكري مفاجئ أعلن عنه بتاريخ 30/9/2015 بمثابة إعلان عن تغيير في الموقف الروسي اتجاه أحداث سوريا، سواء كان ذلك لأسباب داخلية أو لأسباب خارجية، لأن إعلان الانسحاب الذي فاجئ الأمريكيين والإيرانيين والسوريين وغيرهم كان يعني أن القيادة الروسية عدلت من خطتها العسكرية والسياسية في سوريا، أي بما يعني تغييراً في الموقف الروسي من جملة من الأحداث التي تجري في سوريا والمنطقة، من أهمها اختلاف على الهدف الذي جاء التدخل الروسي من اجله، ولذلك فإن الخلاف الروسي ليس مع خصوم التدخل ومعارضيه فقط، بل مع طالبي التدخل ومؤيدوه، بما فيهم طرفي الحلف العسكري مع روسيا وهما علي خامنئي وبشار الأسد، فإيران هي الطالبة لهذا التدخل العسكري بعد فشل جيشها وحرسها الثوري في القضاء على الثورة السورية وحسم المعارك العسكرية لصالحها بعد سنوات من المعارك الطائفية العبثية، وبعد إرسال أكثر من ستين (60) ألف مقاتل من حرسها الثوري إلى سوريا، فضلا عن مقاتلي حزب الله اللبناني وغيرهم دون نتيجة.

وكذلك وقع الخلاف بين روسيا وبشار الأسد، عندما أرادت روسيا أن تطبق حلاً سياسيا لم يوافق عليه بشار الأسد، وقد عبر عن هذا الخلاف السفير الروسي في الأمم المتحدة شيرننكو قبل أشهر، عندما تحدثت روسيا عن حل ضمن رؤية سوريا الفيدرالية، الأمر الذي عارضه الأسد وطلب ان تبقى سوريا كاملة وموحدة تحت حكمه كما كانت قبل الثورة الشعبية، بينما تدخلت روسيا بكل ثقلها السياسي والعسكري لحل الأزمة السورية بما يتوافق مع مصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية.

إن السبب الأهم في الاختلاف بينهما أن روسيا لم تأت إلى سوريا لتدخل معارك لا نهاية لها وبما يعرضها إلى خسائر في جنودها أو طائراتها أو سمعتها، وإنما جاءت لتحقيق مصالح عسكرية خاصة لروسيا في سوريا، إضافة إلى القيام بدور سياسي يضع روسيا الاتحادية وبوتين في مسرح الأحداث الدولية الكبرى، وهذا ليس من شروطه أن يتم ببقاء بشار الأسد في السلطة إلى الأبد أولاً، ولا استدامة المعارك بحسب الرغبة الأمريكية إلى أمد طويل، بينما أرادت إيران ومعها بشار الأسد ان يكون الدور الروسي دور مساعد وخادم للاستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط وفي سوريا والعراق ولبنان واليمن والخليج العربي تحديدا، وليس ليكون شريكا في حكم هذه المنطقة، ولا فرض رؤيته السياسية في حل مشاكل سوريا والمنطقة، لأن إيران ومعها بشار الأسد أخذت وعداً من امريكا بتقاسم النفوذ السياسي والأمني مع الدول العربية والاسلامية السنية في المنطقة، وبالأخص تقاسم النفوذ في الدول التي يتواجد فيها أقليات شيعية، وذلك ضمن شروط الاتفاق النووي بين إيران وأمريكا الموقع في حزيران 2015 ، بل وقبله بسنوات.

إن إيران لم تكسب هذا النفوذ من امريكا أو تقايض عليه أمريكا من أجل منحه لروسيا وبوتين لمجرد انه أرسل بضع طائرات أو مئات الجنود الروس إلى سوريا، بينما بوتين يرى بحكم انه الأقوى سياسيا وعسكريا في حلف بغداد الجديد الذي يضم ايران والعراق والأسد وروسيا يريد ان يكون هو الحاكم الفعلي في هذا الحلف، وحاول مد نفوذه في العراق ولكن أمريكا منعته بقوة، بل ومنعته من بيع أسلحة روسية متطورة للجيش العراقي حديثا، لذلك وجد تضارب الآراء والاختلافات السياسية بل والعسكرية بين محور إيران وروسيا، وقد فشل اجتماع وزراء الدفاع الثلاثي بين روسيا وإيران ووزير دفاع الأسد الذي عقد في طهران قبل أسابيع من تحقيق أهدافه، لاختلافهم في الأهداف من الوجود العسكري الروسي في سوريا أصلاً، وبالتالي أصبح من الممكن أن يزداد الاختلاف بينهم بحكم الفشل في تحقيق أهداف الروس والإيرانيين والأسد دون تعارض، وربما قد يؤدي إلى الاشتباكات العسكرية بينهما بعد ان وصلت التهم بينهم إلى تخوين كل طرف للآخر، فبعض قادة حزب الله في سوريا يصفون الروس بالخون، وبذلك يكون السبب الأول لهزيمة روسيا في سوريا هو اختلاف في الأهداف بين روسيا ومحور إيران الطائفي من التدخل العسكري الروسي نفسه.

لقد كان الانحياز الروسي إلى محور إيران الطائفي مستغرباً ومستهجنا من شعوب المنطقة العربية والاسلامية منذ البداية، فما الذي يورط روسيا المعاصرة العلمانية بمشاريع ايران الطائفية التاريخية، فالتحالف بينهما لا يرتكز على أساس عقائدي مشترك، ولا يستند إلى مصالح اقتصادية راجحة، فإيران ليست أكثر نفعا لروسيا فيما لو تحالفت روسيا مع منافسي إيران في المنطقة بما فيهم الأتراك ودول الخليج العربي، فالمصالح الاقتصادية الروسية مع تركيا وحدها تفوق مصالحها الاقتصادية مع إيران، فكيف إذا أضيف إليها التعاون الاقتصادي مع الدول العربية الخليجية، وهو ما اخذت دول الخليج تسعى فيه، بالرغم من انحراف روسيا المؤقت بالتحالف مع محور إيران الطائفية، وإيران نفسها لا تراهن كثيرا على التعاون الاقتصادي مع روسيا، لأنها لم تنقذها كثيرا في سنوات الحصار والمقاطعة الاقتصادية مع الغرب، ولذلك فإن تطلعات إيران الاقتصادية هي نحو الغرب بعد توقيع الاتفاق النووي بينهما، فقلب إيران يهفو نحو الغرب وليس نحو روسيا إلا مضطرة، وإن كان لسان حالها يقول بعكس ما يحب، لأسباب أيديولوجية ثورجية وإعلامية زائفة، وهذا السبب الاقتصادي يمكن ان يرجح تخلي روسيا عن هذا المحور الخاسر لمعاركه العسكرية المتواصلة لأكثر من خمس سنوات في سوريا، بل والخاسرة في التفاوض مع الغرب على رفع العقوبات عنها، وهذا سبب أساسي لهزيمة روسيا في سوريا إذا بقيت في تحالفها مع المحور الإيراني الإيديولوجي المريض.

والسبب الثالث الذي سيؤدي إلى هزيمة روسيا في سوريا، هو انكشاف الخداع الإيراني والأمريكي لروسيا، أما الخداع الإيراني لروسيا فهو بالكذب على روسيا حول طبيعة المعارك في سوريا، من خلال الوصف الذي قدمه الجنرال قاسم سليماني للرئيس الوسي بوتين، عندما ذهب سايماني إلى موسكو بتموز 2015 لإقناع القيادة الروسية بالتدخل العسكري، فقد وصف لها المهمة العسكرية بأنها سهلة وقصيرة ومحدودة الأهداف بقصف المواقع العسكرية للثورة السورية التي عجز عنها طيران ايران والاسد، وانه إذا ما تم قصفها من الطيران الحربي الروسي فإن الجيش الإيراني والحرس الثوري وميليشيات حزب الله اللبناني سوف تحتل هذه المواقع بسرعة وينتهي الدور العسكري لفصائل المعارضة السورية بما فيها الجيش السوري الحر، او على الأقل بما يضعفها لدرجة لا تستطيع فرض موازين قوى عسكرية قوية، ولا فرض مواقف سياسية في فيينا أو في جنيف3. 

فالكذب الإيراني على الروس هو بسهولة المهمة الروسية العسكرية وضرورتها لحسم الوضع العسكري في سوريا، وانها ستتم بسرعة لصالح روسيا وإيران والأسد، بالقضاء على القوة العسكرية لفصائل المعارضة السورية والجيش السوري الحر أولاً، وإخضاعها لشروط الحل السياسي الروسي ثانيا، هذا إذا بقي فيها رمق من الحياة بعد الضربات العسكرية الروسية الماحقة بحسب ظنهم، وتم اختلاق حجة محاربة روسيا للإرهاب وداعش في الاعلام العالمي أولاً، وإصدار الكنيسة الروسية الأرثودوكسية مباركة لهذه الحملة العسكرية للجيش الروسي خارج أراضيه ثانيا، لخداع الشعب الروسي لتأييد الحملة وتحمل خسائرها، التي ظن بوتين أنها ستكون قريبة من الصفر ، وبوتين اضطر إلى هذا الخداع السياسي والكنسي لأن الأراضي الروسية لم تتعرض لأي هجوم من تنظيمات إرهابية،  كما فعلت أمريكا ولا تزال تفعل بين الحين والآخر من هجمات إرهابية على الأراضي الأمريكية منذ أحداث سبتمبر 2011 وحتى أحداث أولارند الأخيرة في حزيران 2016.

وأخيراً تبين لروسيا بعد خمسة أشهر وما بعدها كذب الجنرال قاسم سليماني في توصيف المعركة والصعوبات التي تواجهها إيران في سوريا أولاً، وتخاذل إيران وحرسها الثوري عن متبعة القصف الجوي الروسي لاحتلال مواقع المعارضة السورية، بل خسارتها للمواقع التي بيدها، أي أن الآداء العسكري الإيراني وتوابعه الطائفية لم تكن تقاتل كما توقعت روسيا أو كما وعدت القيادة الروسية، وسبب ذلك أن إيران سحبت قوات النخبة الإيرانية وأتت بالمتطوعين الشيعة من غير الإيرانيين وغير المدربين عسكريا، أو بسبب فشلهم وخوفهم في المواجهة العسكرية مع الشعب السوري الأقل تدريبا وتسليحا ولكنه يدافع عن نفسه ووطنه وأهله وشعبه ضد محتلين غزاة، وهذا الضعف اعترض عليه رئيس أركان الجيش الروسي الجنرال "فاليري غيراسيموف" يوم 20/6/2016 قائلا:" إن الإرهابيين في سوريا يستعيدون قوتهم" أولاً، ومحذرا :" أن صبر بلاده بدأ ينفد" ثانيا، وهذا الاعتراض الروسي هو مدخل يبين اكتشاف روسيا للخداع الإيراني والأمريكي، عندما شجعتها أمريكا على التورط العسكري في سوريا، بترحيب وزير الخارجية الأمريكي كيري بكل جهد دولي يمكن أن يحارب ضد "الدولة الإسلامية" في شهر أيلول/سبتمبر 2015 ، وهو يقصد أي كيري التحضيرات الروسية للتدخل العسكري في سوريا التي أعلن عنها في موسكو في ذلك الوقت.

إن في تصريح "غيراسيموف" إلى وكالات الأنباء بقوله:" إن الموقف العام في سوريا خلال الفترة الماضية يزداد توتراً، وأنه على مدى ثلاثة أشهر أرسلت روسيا إحداثيات مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة للأميركيين، ولكن الأميركيين حتى اللحظة لم يتمكنوا من تحديد مواقع المعارضين ومواقع من سماهم "ذئاب التنظيمات الإرهابية الدولية"، هذا التصريح دليل على أن روسيا غير راضية عن اتفاقياتها مع أمريكا، وان امريكا ترفض التعاون العسكري مع وزارة الدفاع الروسية بالرغم من ان الأخيرة دعت البنتاغون مرارا لإجراء تعاون بينهما بشأن الوضع العسكري في سوريا دون رد، وهذا ربما كان له أثر على تحول الجيش الروسي للتعاون مع الجيش التركي الذي أصبح في مواجهة مع تنظيم "داعش"، بعد استهداف الأخير مدينة كلس وغيرها من المواقع التركية بالصواريخ، واضطرار الجيش التركي للرد عليها داخل الأراضي السورية.

وفي نفس الوقت أشارت مصادر أمريكية ان روسيا تجاهلت التحذيرات الأميركية وقصفت قوات سورية مدعومة من الولايات المتحدة تقاتل تنظيم "الدولة الإسلامية"، بل قيل إن الطائرات الأمريكية اعترضت الطائرات الروسية التي ضربت مواقع عسكرية للمعارضة السورية محاذية للحدود الأردنية العراقية، وان هذه التصرفات الروسية توصف من قبل الأمريكيين بالأفعال الأكثر استفزازا منذ بدء التدخل العسكري الروسي على سوريا العام الماضي، مما يؤكد أن الوجود الروسي في سوريا هو أمام عملية استنزاف عسكري وسياسي لن تستطيع روسيا مجاراته على المدى الطويل، مع عدم قدرة روسيا على حسم الوضع العسكري، ولا فرض الحل السياسي، فإما أم تبقى روسيا أضحوكة الخداع الإيراني والأمريكي ومعهما بشار الأسد، أو أن تلتفت إلى مصالحها الحقيقية مع الشعب السوري، والشعب العربي، ومع الشعب التركي، وبذلك فقط قد تنقذ نفسها من خسائر وهزائم أكبر.

وهذا ما يفسر تحرك وزير الدفاع السوري السابق العماد علي حبيب بين باريس وأنقرة وموسكو والقاهرة ودخول أطراف عربية أخرى على هذه التحركات السياسية لإيجاد حكومة عسكرية بقيادة علي حبيب لتولي قيادة مرحلة انتقالية في سوريا، هذه الحكومة العسكرية يتم الاعداد لها بين دمشق وانقرة والقاهرة والرياض وموسكو، وتشمل كافة فصائل الشعب السوري وممثليه السياسيين والعسكريين، بقيادة العماد حبيب العلوي، حتى يضمن مشاركة الضباط العلويين الذين يشكلون الآن صلب الجيش السوري النظامي، أي أن القيادة الروسية لن تصبر على حرب طويلة الأمد، وهي على استعداد للتعاون مع تركيا لإيجاد حل في سوريا، سواء رضيت إيران بتفاصيله أم رفضت، وإن كانت ايران أكثر خسارة وتعباً من الحرب في سوريا، لأنها خاضتها بعقلية طائفية وقمعية عمياء.  

التعليقات (3)

    ابو السعود

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    لقد خزل اردوغان الشعب السوري تاره يقول حلب خط احمر انتهكت حلب ولم يفعل شئ واخري يقول سنتدخل لانقاذ الشعب السوري كلو كذب بكذب شردت الشعب السوري يااردوغان تبين انك جبان ولاتستطيع عمل شئ لارتباطك بهذا المجرم اوباما

    رافي

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    بأذن الله لتنكسر ارادة الشعب السوري العظيم ان الله معنا وناصرنا سنهزم كل من ولا الخنزير بشار الخنزير لأنو لو اسد ما استعان بكل الدول بما فيهم الدول العبرية ( العربية ) هذه ارض الشام

    أبو سعيد

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    لم يعد يخفى على أحد بأن الكرد باعو كل قيمهم واعرافهم والتحقو باديان معادية للعرب والأتراك والمسلمين عامة من أجل كسب الرضا والتاييد لدولتهم كردستان المزعومة.
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات